قال موقع "المونيتور" الأمريكي إن صحفيين مصريين وجدوا في توقف صحيفة ال"إندبندنت" البريطانية عن طباعة نسختها الورقية أملاً وحلاًّ لمشكلاتهم، خصوصاً العاملين في النسخ الإلكترونيّة، إذ كان قرار ال"إندبندنت" بالتوقّف مصدر وحي لهم بأن تتوقّف الصحف المصريّة عن الصدور ورقيّاً أو تتحوّل إلى دوريّات أسبوعيّة، توفيراً لنفقات الطباعة، مّا سيساهم في حلّ المشكلات الماليّة للصحف، وبالتّالي انتظام حركة رواتبهم، وربّما زيادتها. وفي هذا الإطار، قال صحفي سابق في جريدة "الشروق"، وهي إحدى أكثر الصحف غرقاً في الأزمات الماليّة ل"المونيتور": "تعاني الشروق من عدم انتظام رواتب العاملين فيها ومن بين الأسباب تكاليف طباعة الجريدة. ونظراً لسوء التوزيع وقلّة الاهتمام بالصحف الورقيّة بوجه عام تسبّب النسخة الورقيّة مزيداً من الخسائر للمؤسّسة، الّتي لا يتحمّلها مالك الجريدة وحده، بل يتحمّلها الصحافيّون الّذين لا يحصلون على رواتبهم بانتظام". وقال صحفيّ في جريدة "الوطن" ل"المونيتور": "لا نعاني من أزمة ماليّة طاحنة، ولكن يمكن ترشيد الإنفاق على النسخ الورقيّة والاهتمام بالموقع الإلكترونيّ، الّذي أصبح المصدر الرئيسيّ للأرباح". يقول الموقع إن ما سبق مجرّد عيّنات عن آراء الصحافيّين، إلاّ أنّ مواقع التّواصل الاجتماعيّ امتلأت بمثل هذه الآراء، رغم أن اعتماد المؤسسات الصحفية على المواقع الإلكترونية كمصدر أساسي للأرباح أمر مختلف عليه، حيث قال محمد موسى، رئيس قسم التحقيقات الأسبق بجريدة الشروق، ل"المونيتور" أن الصحف الورقية فقدت أهميتها من حيث معدلات القراءة والتوزيع، لكن الإعلان في الصحف الورقية ما زال أعلى سعرا من النسخ الإلكترونية وما زال مصدر أكبر للأرباح، حيث أن ثقافة المعلنين ما زالت تتجه إلى أن الإعلان الورقي أكثر قيمة بالنسبة للمؤسسة المعلنة ولأنه موثق ويمكن للقارئ الاحتفاظ بنسخة منه، "إلا أن المواقع الإلكترونية في مصر ستكون بديل عن الصحف الورقية والإذاعة والتليفزيون لكنها ستكون أبطأ من باقي التجارب العالمية"، على حد تعبيره. لكنّ الصحفيّين الورقيّين كانوا الأكثر شراسة في الاعتراض على وقف النسخ الورقية، إذ قال أحد الصحفيّين في جريدة "المصريّ اليوم" ل"المونيتور": "لا يمكن لصحيفة مثل المصريّ اليوم التوقّف عن طباعة نسختها الورقيّة، المصريّ اليوم الورقيّة غيّرت شكل الصحافة المصريّة وتصدّرت قائمة الصحف الأكثر توزيعاً، متحدّية صحف الأهرام والأخبار والجمهوريّة الّتي ظلّت في الصدارة لعقود طويلة، وما يزال للجريدة الورقيّة جمهور كبير حتّى الآن". أمّا صحفيّ جريدة "اليوم السابع" فقال ل"المونيتور": "اليوم السابع هي أوّل موقع إخباريّ إلكترونيّ في مصر، وعملنا يقوم على التكامل بين النسخة الورقيّة والإلكترونيّة، حيث أنّ كلّ صحفيّ يعمل للنسختين معاً. ولذلك، فأنا لست منحازاً للنسخة الورقيّة، لكنّ الصحافيّين المطالبين بتوقّف النسخ الورقيّة عليهم أن يتخلّوا عن مثل هذا المطالبات لأنّ نقابة الصحفيّين لا تسمح للصحف الإلكترونيّة، الّتي لا تصدر عنها نسخاً ورقيّة بدخول صحافيّيها النقابة، وكانت هذه إحدى أزمات صحافيّي اليوم السابع، الّتي تمّ حلّها بإصدار نسخة ورقيّة". وعن عضويّة النقابة، قال عضو مجلس نقابة الصحافيّين خالد البلشي ل"المونيتور": "أحاول دائماً إيجاد حلول لضمّ النقابة للصحفيّين الإلكترونيّين، إلاّ أنّ ذلك يستدعي تعديل قانون نقابة الصحافيّين، فهو لم يعد صالحاً لظروف العمل الحاليّة، الّتي يمثّل فيها الصحافيّون الإلكترونيّون 50 في المئة أو أكثر من سوق العمل المصريّ". ومن جهته، قال وكيل نقابة الصحافيّين خالد ميري في تصريحات صحفيّة ب10 إبريل: إنّ النقابة في طريقها إلى تعديل القانون لتشمل الصحفيّين الإلكترونيّين. وفي مقال بعنوان "بعد وقف الإندبندنت الشهيرة نسختها الورقيّة... هل هي نهاية عصر الصحف؟" للكاتب الصحفيّ في الموقع الإلكترونيّ لجريدة "الأهرام" أحمد عبد المقصود المتخصّص في مجال الإعلام، قال: "لا شكّ في أنّ الصحفة الورقيّة قطعت شوطًا طويلاً وبنجاح في مجال الإعلام لأكثر من ثلاثة قرون، ولكن يبدو أنّ شرعيّتها التاريخيّة لن تشفع لها في أن تستمرّ على ممرّ السباق، وذلك لأسباب عدّة ظهرت على السطح الإعلاميّ بتنافس وبقوّة". وعن تلك الأسباب، قال: "في البداية، كان النداء المشهور في الشوارع هو نداء بائع الصحف "أخبار- أهرام- جمهوريّة" (إشارة إلى الصحف المصريّة الأشهر)، ومع الوقت أصبح المنادي مضطرّاً أن يزيد بعض الأسماء إلى العمالقة الثلاثة (في إشارة إلى المصريّ اليوم والوطن والشروق وغيرها من الصحف)، وبدأ الصراع الورقيّ - الورقيّ". وتابع: "أصبحت الشاشات (في إشارة إلى التلفزيون والفضائيّات) تنافس الأوراق والأحبار (في إشارة إلى الصحف الورقيّة)، ودخل معها متسابق جديد منذ فترة ليست ببعيدة في نطاق التنافس، هو المواقع الإلكترونيّة". ورأى أحمد عبد المقصود أنّ السببين السابقين هما أبرز أسباب تراجع جمهور الصحافة الورقيّة، وحتّى ما تبقّى من هذا الجمهور أصبح منقسماً بين أعداد أكبر من الصحف، وليس حكراً على عدد قليل من الصحف ليحقّق لها أرباحاً كبرى. وبدوره، قال الكاتب الصحفيّ المتخصّص في شؤون الصحافة خالد برماوي في مقال على موقع شبكة "الصحفيّين العرب"، تحت عنوان: "هل تنتهي الصحف المطبوعة في مصر، قبل أمريكا؟"، إنّ العام الماضي فقط شهد توقّف أكثر من 100 صحيفة ومجلّة كبرى من مختلف دول العالم عن طبع نسخها الورقيّة، وغالبيّتها تحوّلت إلى نسخة إلكترونيّة، أو دخلت في اندماجات، أو اكتفتت بنسخة أسبوعيّة فقط، أو بدأت في تفتيت يوميّاتها إلى مجلاّت صغيرة متخصّصة، "وعموماً هذا ما حدث في إسبانيا وفرنسا وكندا والولايات المتّحدة الأميركيّة، والعديد من دول أميركا اللاتينيّة، رغم وجود تجارب ناجحة لديها". أضاف: إنّ التّجارب الناجحة في الولايات المتّحدة الأميركيّة خصوصاً، ارتبطت بارتفاع أعداد الاشتراكات وتعافي الولايات المتّحدة الأميركيّة من أزمتها الإقتصاديّة في عام 2008، واعتياد الجمهور، خصوصاً من كبار السنّ، على الاحتفاظ باشتراك النسخة الورقيّة. وختم "المونيتور" تقريره بالقول: في ظلّ ارتفاع نسب الأميّة والأزمات الإقتصاديّة المحيطة بمصر وتراجع دخل الفرد، يمكننا أن نتيقّن أنّ الصحافة الورقيّة المصريّة ستختفي، إلاّ إذا تدخّل النظام السياسيّ المصريّ بدعم الصحف القوميّة لتستمرّ كي لا يوصم بتوقّف العمالقة التاريخيّين "الأهرام والأخبار والجمهوريّة"، في عهده، رغم أنّ هذه الخطوة ربّما لا تكون وصمة، وربّما أيضاً تكون مألوف العمل الصحفيّ، الّذي سمح للصحفيّين الإلكترونيّين، رغم معوقات دخول النقابة، أن يستحوذوا على أكثر من 50 في المئة من سوق العمل الصحفيّ في مصر.