شهد حكم عبدالفتاح السيسي، استمرارًا لحملات التشويه والتشهير ضد منظمات المجتمع المدني والجمعيات الأهلية، ولا سيما التي تعمل تحت شعار التيار الإسلامي، حيث لا تقتصر أزمة منظمات المجتمع المدني على التمويل فقط كما يتصور البعض، إنما الأزمة تتلخص في نظام لا يؤمن بأي قاعدة من قواعد الحريات، والتي من بينها حرية التنظيم، نظام لا يُفكر في شيء سوى التوصل إلى طرق ووسائل جديدة لقمع الحريات وتكميم الأفواه. وفي هذا السياق، ترصد "الشعب" وضع منظمات المجتمع المدني في عهد "السيسي"، وطريقة النظام في الهجوم وفرض السيطرة على تلك المنظمات.
وضع المنظمات الحقوقية رغم الحديث الدائم في وسائل الإعلام التابعة للنظام عن انجازات عبدالفتاح السيسي، في مختلف المجالات، إلا أنه لم يتطرق مطلقاَ للحديث عن ما تم إنجازه على الصعيد الحقوقي، حيث ما زال الوضع الحقوقي في مصر يسير من سيء إلى أسوأ، وخاصة فيما يتعلق بملف الحق في التنظيم، حيث تفرض القوانين عوائق كثيرة أمام حرية تشكيل المنظمات والجمعيات الحقوقية. وفيما يؤكد ذلك، التقرير الصادر عن المجلس القومي لحقوق الإنسان الصادر في أبريل 2015 عن وضع حالة حقوق الإنسان في مصر، حيث أعرب من خلاله عن أن الأوضاع الحقوقية الراهنة في مصر لا تعكس الحالة التي كان يجب أن تكون عليها بعد ثورة "25 يناير"، وأن الوضع الحالي لا ينذر بوجود أي إشارات واضحة تُفيد بتوافر إرادة كافية لتجاوز هذه الأوضاع.
السيطرة على المنظمات ومنذ تولي "السيسي" حكم البلاد، وبدأ النظام في ممارسة التضييق بشكل ممنهج ضد منظمات المجتمع المدني، والذي بدأت ملامحه واضحة في الكثير من الأمور أبرزها تمرير القوانين التي تقوض حرية منظمات المجتمع المدني، وتُمثل مساسًا بجوهر الحق في حرية التنظيم، وتكوين الجمعيات، وذلك من خلال إفراد المقترحات مساحة كبيرة لتدخلات جهة الإدارة، وتقنين التدخل الأمني في عمل منظمات المجتمع المدني، إلى درجة اعتبرها البعض انتكاسة، وعودة لما قبل قانون 32 لسنة 1964، إضافةَ إلى إدراج عقوبات سالبة للحرية، حيث يقضي بعقوبات بالحبس لمدد تصل إلى 15 عامًا في حالة مخالفة بعض أحكامه، وبغرامة لا تقل عن 100 ألف جنيه، مما يُمثل ترهيبًا لمن يعمل في هذا المجال، ويقلص الرغبة العامة في الانخراط فيه.
حل الجمعيات التابعة للإخوان المسلمين ومن المظاهر التي أثبتت التدخل الأمني في شؤون الجمعيات الأهلية، شهد الربع الأخير من العام الأول لحكم السيسي، صدور قرارات من وزارة التضامن الاجتماعي بحل 420 جمعية أهلية بدعوى تبعيتها لتنظيم الإخوان المسلمين، وتقرر مصادرة أموالها لحساب صندوق دعم الجمعيات والمؤسسات الأهلية. واستند قرار الحل إلى حكم محكمة القاهرة للأمور المستعجلة بشأن حظر جماعة الإخوان المسلمين، فضلاَ عن قرارات اللجنة التي تم تشكيلها من وزارة التضامن الاجتماعي لهذا الغرض، حيث أوصيا بحظر أنشطة والتحفظ على ممتلكات الجمعيات التابعة للإخوان، وحل الجمعيات التي ليس لها مقر. وفي السياق نفسه، شهدت الفترة نفسها قرارات بحل مجالس إدارات ما يزيد عن ثلاثين جمعية، وتعيين مجالس إدارات جديدة لها، مدفوعة بأسباب متنوعة تراوحت ما بين مخالفة القانون، وتغيير ميدان عملها الذي تأسست على أساسه.
الملاحقات القانونية للعاملين بالمنظمات ومن وسائل القمع والحرب ضد المنظمات الحقوقية أيضاَ، حيث شهدت فترة حكم السيسي استمرارًا لحملات التشويه والتشهير ضد منظمات المجتمع المدني، واستندت السلطة في ملاحقة منظمات المجتمع المدني والعاملين فيها إلى عدة أمور أبرزها ممارسة نشاط سياسي، وتلقي تمويل أجنبي دون الحصول على موافقة جهة الإدارية.
سبب قمع المنظمات
ويأتي السبب وراء تلك الحرب الذي يشنها النظام الحالي ضد منظمات المجتمع المدني، ردًا على نضال هذه المنظمات في فضح انتهاكات المجلس العسكري وحكوماته المتعاقبة لحقوق الإنسان، بالقمع والحبس والسحل والترهيب والقوانين أيضًا. ومن أبرز القوانين التي استخدمها النظام للقمع، فقانون تجريم الاعتصامات ومقترح قانون تنظيم العمل الأهلي، وغيرها الكثير من القوانين التي تستهدف تكميم الأفواه وإعادة هذا الشعب إلى الصمت والخنوع الذي عانى منهما لأكثر من ثلاثين عامًا.