كان انقلاب 30 يونيو في مصر عملا مخابراتيا بامتياز يمكن أن يدرسه كل المهتمين بتشكيل الرأي العام وتغييب الجماهير، فمنذ أن أسس جوبلز لنظرية أعطني إعلامًا بلا ضمير أعطيك شعبًا بلا وعي ولم يستفد من هذه النظرية مثل الأنظمة العربية. كان الإعلام المصري إعلامًا رائدًا في المنطقة العربية فأول إذاعة وأول تلفزيون وأول سينما وأول عملية تضليل إعلامي في الوطن العربي كان مصريا. فمنذ أن كان أحمد سعيد يزلزل قلوب المصريين بأن الجيش المصري على أبواب تل أبيب بينما كان جنودنا يهربون بالملابس الداخلية في سيناء وسطعت علاقة جديدة بين الإعلام والمخابرات المصرية، علاقة آثمة لم تنتهِ منذ ذلك الحين حتى انقلاب 30 يونيو. كان للإعلام الدور الأكبر في تشكيل رأي عام ضد أول رئيس منتخب في تاريخ مصر والمتابع لأداء الإعلام سيعلم جيدًا أنهم يعملون جميعًا ضمن منظومة واحدة وقد تم توزيع الأدوار جيدًا بينهم، ومن أغرب الأمور وأكثرها احتياجا للدراسة والبحث هو أن بعض الثوار ممن كانوا شهود عيان على كذب الإعلام المصري أثناء الثورة أصبحوا من متابعي الإعلام المصري ومن المؤمنين بكل الأخبار والتحليلات التي يأتي بها ربما من نفس الأشخاص الذين اتهمهم بالكذب سابقا وربما من نفس الإعلاميين الذين استهزأ بهم من شهور. كل ذلك أدى إلى هذه الأعداد وتنوعها في تظاهرات 30 يونيو، ومن بعد هذا التاريخ وبدأت خارطة الانتماءات والتأييد السياسي تتغير بين صفوف الشعب المصري وبدأت قوافل التائبين عن الانقلاب في تغيير دعمها. فبعضهم أحس بأنه تمت خديعته بعد إعلان 3 يوليو مباشرة وبدأوا ينضمون الى صفوف مؤيدي الشرعية. وهؤلاء كانوا يريدون إصلاحات من نظام الدكتور مرسي أو يطالبون بانتخابات مبكرة فلما ظهرت حقيقة استيلاء الجيش على الثورة عادوا سريعا إلى صفوف الثوار وقد تم التعامل معهم من قبل نظام الانقلاب بنفس طريقه تعامله مع الإخوان، فنالهم القتل والسجن والمطاردة واندمجوا في الحالة الثورية وكانت سرعة توبتهم كافية للثوار أن ينسوا تماما أنهم حشدوا من أجل إسقاط مكاسب الثورة. وآخرون تابوا عن الانقلاب بعدما رأوا الشوارع تسيل دماء في رابعة ورغم احتفاظهم بالاختلاف الجوهرى مع مؤيدي الرئيس إلا أنهم انحازوا لإنسانيتهم ورفضهم للدماء ورفضهم لقمع المعارضين وهؤلاء أيضًا تم التعامل معهم من قبل النظام المستولي على السلطة بالاعتقالات والمطاردات. وآخرون لم يمانعوا من ذبح المعارضين ومن التنكيل بخصومهم ولكنهم كانوا يظنون أن العسكر سينقلبون من أجلهم وأن الجيش تحرك ليزيح الإخوان ويأتي بهم باعتبارهم شخصيات لها بريق إعلامي وأنهم أيدوا العسكر في كل ممارساته الدنيئة وبرروا القتل وحرق الجثث وأن على الجيش أن يدفع لهم كراسي السلطة مقابل دورهم ونسوا أن الإعلام الذي صنعهم قادر على تحطيمهم وقادر على صناعة غيرهم بتعليمات من نفس الجهات التي صنعتهم مسبقا. وهؤلاء اكتفى النظام بتركهم يصرخون على الفضائيات، فلقد خسروا تأييد جمهور الانقلاب، ولن ينالوا ثقة مؤيديه، بل أن هناك من لم يتوبوا عن الانقلاب ولكنهم في نفس الوقت لم يتوبوا عن الثورة في 25 يناير وهؤلاء اكتفى النظام بإخراج فضائحهم وملفاتهم لينهي مشوارهم السياسي. فأقول لكل الأحرار في مصر، رابعة هي الحد الفاصل بين الإنسان واللا إنسان، رابعه هي طلوع الشمس من مغربها في نظرنا لضمائر وشرف المصريين، فلا توبة عندنا لضمير فاق بعدها ولا شرف لمن رقص على دماء أهلها يوما ولكن يتوب الله على من يشاء وهو أعلم بما في الصدور. لا تمنحوا ثقتكم أبدًا لشخص لم يهزه مشهد الدماء وحرق المصابين أحياء ولكن إن أتاكم مبديا ندمه وتوبته فلا تعنفوه ولا تبكتوه ولا تلوموه، اقبلوه بينكم واحذروه فإن أتى النصر وهو على عهده فاعفوا عنه لكن لا تقدموه مرة أخرى إماما لكم فيخونكم لمكسب أو لوعد.