سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
طبيب بمعتقلات الانقلاب يكشف كيفية قتل المعتقلين داخل "العقرب" "الطبيب": أطباء السجون يمتنعون عن الكشف على المعتقلين... القتل البطئ يتم عن طريق نقص الطعام والمواد الأساسية التي يحتاجها الجسم البشري
تطرقت جريدة "عربي 21" إلى عمليات القتل الممنهجة داخل معتقلات الانقلاب العسكري عن طريق الإهمال الطبي للمعتقلين ومنع الدواء وبعض الأشياء اللازمه لهم من الدخول , مشيرًة إلى أن منذ الانقلاب على محمد مرسي، في 3 يوليو 2013، وتعج المعتقلاب بألاف المعتقلين الذين توفي بعضهم، نتيجة "الإهمال الطبي". وبحسب حقوقيين، ومعارضين، فإن سلطاتالانقلاب تقوم باحتجاز هؤلاء لمدد طويلة في سجون ومقرات شُرطية وُصفت بأنها "غير آدمية"، خاصة في ظل ما يصفونه "الغياب المتعمد للرعاية الصحية فيها، ما تسبب في وفاة أكثر من مئتي موقوف أمني، منهم على الأقل حتى الآن 40 من المعارضين السياسيين، فضلا عن تدهور الأوضاع الصحية لمئات آخرين". وبتوزيع حالات الوفاة لمعارضين سياسيين على هذه السجون، يقول معارضون إن "العقرب" أحد ملحقات سجون منطقة طرة، جنوبي القاهرة، يحتل النصيب الأكبر من هذه الحالات، إذ إنه توفي خلال الفترة الماضية خمسة من نزلائه، فيما توزع البقية على سجون ومقرات شرطية أخرى. وضمت قائمة وفيات سجن "العقرب" كلا من، فريد إسماعيل، العضو البارز في حزب الحرية والعدالة المنحل بقرار قضائي (الذراع السياسية لجماعة الإخوان)، وعصام دربالة، رئيس مجلس شورى الجماعة الإسلامية، والقياديين السابقين بجماعة الجهاد الإسلامي، مرجان سالم ونبيل المغربي، وعضو جماعة الإخوان عماد حسن، وجميعهم توفوا في الفترة ما بين مايو و سبتمبر الماضيين. وفي 13 أغسطس الماضي، نقلت تقارير إعلامية عن أهالي 12 من قيادات المعارضة المحتجزين في السجن نفسه، نقل هؤلاء إلى مستشفى سجن طرة "المخصص للسجناء" في وضع صحي حرج، منهم نائب رئيس محكمة النقض الأسبق، محمود الخضيري، والقياديان بحزب الاستقلال، مجدي قرقر ومجدي حسين، وعضو مكتب الإرشاد بجماعة الإخوان رشاد بيومي، وهو ما لم تؤكده أو تنفيه السلطات المصرية. حيث كشف طبيب فضّل الإشارة إلى اسمه بحرفي "س.ع"، لدواع أمنية كيفية قتل المعتقلين داخل المعتقلات المصرية ، قالًا إن "أوضاع الرعاية الصحية في السجون عامة، وسجن العقرب على وجه الخصوص سيئة للغاية، وإن هناك تعمدا لقتل السجناء". وأضاف أن "هناك إجراءات طبية من المفترض أن تقوم بها إدارة السجون، لحفظ سلامة المرضى من السجناء، كإعداد ملف طبي لكل سجين، تُسجل فيه الأمراض المصاب بها، ومن ثم يُقدم له الدواء والطعام المناسب لحالته الصحية، وتسجل فيه أيضا توقيتات فحوصاته الطبية اللازمة، وهو الأمر الذي لم يحدث، بل إن الإدارة منعت الدواء والفحص الطبي عن هؤلاء المرضى". وبحسب الأمين العام المساعد السابق لنقابة الأطباء، عبدالله الكريوني، فإن مرضى السكري، وارتفاع ضغط الدم، وأمراض الكلى والكبد، والسرطان، هم الأكثر عرضة للوفاة، في ظل الظروف "السيئة" من الرعاية "المتعمد غيابها" في سجن العقرب. ويقول الكريوني، إن "مرضى ارتفاع ضغط الدم لفترات طويلة لا يجوز أن يكون الطعام المقدم لهم محتويا على الملح، وإن حدث، فإن ذلك يتسبب في نزيف للسجين، ومضاعفات أخرى تؤدي إلى الوفاة، كما أن مريض السكري لا بد أن يتناول الفواكه والخضروات بكثرة على حساب الكربوهيدرات، والمواد النشوية والسكرية". أما مريض الكبد، فلا بد أن تمنع عنه اللحوم في مراحل معينة، بحسب المتحدث السابق الذي أشار إلى أن تلوث مياه الشرب يفاقم من إصابة مرضى الكلى. وكان حزب "البناء والتنمية" الذي ينتمي إليه عصام دربالة، والذي توفي في الثامن من أغسطس الماضي، عقب ارتفاع ضغط الدم وارتفاع السكر لديه، أصدر بيانا يندد فيه بما وصفه "اغتيال دربالة" عن طريق الإهمال الطبي، مشيرا إلى أن الوفاة سببها "منع إدارة السجن من دخول أدوية مرض السكر إلى دربالة منذ أشهر، ورفض محاولات نقله للمستشفى". وفي هذا الصدد، فنّد الطبيب "س.ع"، أشكال ما أسماه "كيفية إماتة السجناء السياسيين"، أولها أن "المرضى السجناء يحتاجون أحيانا لخروج عاجل من محبسهم إلى مستشفى السجن أو غيره من المستشفيات، وهو أمر يتطلب رفع طلب من المريض إلى مأمور السجن (قائد السجن)، وبدوره يرفعه المأمور إلى مصلحة السجون، وعند الموافقة يتم تجهيز ما يسمونه ترحيلة (قوة أمنية لمصاحبة السجين المريض)، ولكن دائما ما يتم إلغاء هذه الترحيلة لأي سبب، وعند الإلغاء يقوم المريض بتكرار دورة تقديم الطلب وانتظار الموافقة التي تستلزم على الأقل 10 أيام". وحتى إن وصل المريض بترحيلته إلى المستشفى، يقول الطبيب نفسه، إن "من الطبيعي أنه لن يجد سريرا لإجراء الفحص الطبي، أو تتعطل الأجهزة الطبية، أو إذا حالفه الحظ وأجري الكشف الطبي وطلب منه طبيب المستشفى فحوصات طبية، فإن قوة الترحيلة تعيد المريض للسجن مرة أخرى، ليقدم طلبا لترحيلة جديدة لإجراء هذه الفحوصات". ووفق "س.ع"، فإن "إدارة السجن منعت إدخال الأدوية، كما أنها منعت صرف أدوية من عيادة السجن، وأن القائمين على السجن لا يستجيبون عادة لاستغاثات المرضى، خاصة بعد إغلاق العيادات في الساعة الثالثة عصرا، الأمر الذي يتسبب في دخول كثير منهم في نوبات إغماء أو غيبوبة". ومن حالات الوفاة التي شهدها سجن "العقرب"، وفاة القيادي في حزب الحرية والعدالة، فريد إسماعيل (58 عاما)، الذي رفضت سلطات السجن نقله إلى مستشفى خارج المكان لتلقي العلاج، رغم إصابته بمضاعفات مرض السكري و"فيروس سي"، وحجزه انفراديا لعدة أشهر، ومنع الدواء عنه، ما تسبب في دخوله في غيبوبة كبدية، ونزيف، وجلطة بالمخ، ثم وفاته في 13 مايو الماضي. وبحسب أمين عام مساعد نقابة الأطباء، فإن "شكاوى من أهالي السجناء بالعقرب وغيره من السجون تفيد بأن أطباء يساعدون إدارة السجون على تعذيب المعتقلين، بالامتناع عن الكشف الطبي، وعدم صرف أدوية للمرضى، والتعنت في مساعدة السجناء المصابين بأمراض مزمنة في الخروج لإجراء فحوصات طبية، كما أن العديد من الأطباء ليسوا على مستو عال من الكفاءة أو القدرة على تغطية عدد المرضى الهائل بالسجن الواحد". الطبيب "س.ع" اتفق مع الكريوني فيما سبق، وقال إن "عددا من الأطباء (الضباط) التابعين للإدارة الطبية للسجون، يمتنعون عن تقديم الخدمة الصحية للسجناء المرضى، ويقومون بتعيين مسجون جنائي (يسمونه في السجن "مُسير") تكون مهمته اختيار عدد محدد من المرضى كي يجري الطبيب عليهم الكشف الطبي". محمد أبو هُريرة، المحامي بالتنسيقية المصرية لحقوق الإنسان، يشير إلى أن قانون تنظيم السجون رقم 396، لسنة 56، ينص على أن كل محكوم عليه (أي صدر ضده حكم أولي أو نهائي) إذا تبين للإدارة الطبية بمصلحة السجون أنه مصاب بمرض يهدد حياته فإنه يتم الإفراج عنه صحيا، بعد اعتماد مدير عام السجون وموافقة النائب العام". لكنّ أبو هريرة، يؤكد وجود "خروقات وانتهاكات بالجملة لحقوق السجناء، خصوصا السياسيين المعارضين، وأن الحقوقيين رصدوا كل ما يحدث في السجون، وخاصة العقرب، حيث يمنع السجناء من العلاج والطعام، والتريض، مع تكدس مقرات الاحتجاز، وتتم معاقبة السجناء بحبسهم انفراديا لمدد طويلة". وأشار إلى أنهم كمحامين "تقدموا بعشرات الشكاوى لمصلحة السجون والنائب العام، ضد هذه الإجراءات، ولكن لم يلتفت إليهم أحد". وكان مركز "النديم" للعلاج والتأهيل النفسي لضحايا العنف والتعذيب، وثق خلال الأشهر الستة الأولى من العام الجاري، تنوع حالات الإهمال الطبي التي أدت إلى الإصابة بأمراض: الكبد والكلى، والطحال، ونزيف، وارتشاح في الرئة، وأزمات صدرية، وأمراض القلب، وضمور الأطراف، وانتشار الجرب، والانفصال الشبكي، والانهيار العصبي، والتسمم من أكل السجن، والتهاب الزائدة الدودية، والتهاب الغدة النكافية، والتهاب حاد بالمعدة والرئة، والربو الشعبي، وتوقف العلاج الطبيعي في حالات الكسور والخلع وغيرها من الأمراض والمضاعفات. كما أن هناك شهادات لأهالي سجناء في "العقرب"، أدلوا بها عقب زيارات ذويهم منتصف سبتمبر الماضي، قالوا فيها إن "السجناء فقدوا ما يزيد على نصف أوزانهم، وبدا عليهم الهزال الشديد، وكذلك تم منعهم من شراء طعام من كانتين السجن (تابع لإدارة السجن يبيع أطعمة مطبوخة للسجناء)، فضلاً عن تقديم السجن لوجبات غذائية قليلة جدا". وعن سياسة التجويع هذه، تحدث "س.ع" قائلا إنها "عملية قتل بطيء، لأن نقص الطعام والمواد الأساسية التي يحتاجها الجسم البشري من بروتين، وفيتامين، وكربوهيدرات، ونشويات وسكريات يتسبب في إصابة الجسم بالضعف والهزال، وبالتالي يفقد السجين القدرة على الوقوف، وتصبح مناعته ضعيفة في مواجهة الأمراض، فضلا عن تأثير ذلك على المرضى بالأساس بمضاعفات خطيرة من الطبيعي أن تُسرّع في الوفاة". خالد، شقيق عماد حسن، أحدث المتوفين في سجن "العقرب"، يقول إن أخاه، اُعتقل في 13 أغسطس من العام الماضي، واُحتجز منذ البداية في السجن المذكور، وإنه رغم التضييقات التي كانت تمارس ضده إلا أن حالته لم تصل لهذا السوء الذي وصلت له في مايو الماضي، عقب تولي مجدي عبدالغفار، مسؤولية وزارة الداخلية بشهرين، إذ لوحظ على "عماد" الهزال الشديد، وأخبر أسرته في إحدى الزيارات بأنه يشعر بألم مستمر في بطنه، وأنه يتقيأ باستمرار. ونقلا عن أخيه، علم خالد أن عماد أصيب ليلة عيد الفطر المنصرم، وأنه أخذ يتقيأ دما، ثم أصيب بالإغماء، وأن إدارة السجن رفضت في البداية طلب الطبيب نقله لمستشفى "ليمان طرة"، ثم استجابت بعدما هددهم السجناء بالإضراب عن الطعام. وعلى مدار أسبوعين، مكثها عماد في المستشفى، لم تجْر له تحاليل أو فحوصات، ولم يصرف له الطبيب دواء لحالته سوى محاليل لعلاج الهزال، ثم أُعيد مرة أخرى للسجن، فساءت حالته أكثر، فنقلوه إلى مستشفى الأمراض الباطنية، وفيها أجريت له فحوصات في نهاية أغسطس الماضي، عرفوا من خلالها أنه أصيب بسرطان في المعدة، وأوصى الطبيب باستئصال الورم السرطاني، ولكن إدارة قسم المعتقلين المرضى بالمستشفى تباطأت في إجراء الفحوصات قبيل العملية الجراحية، حتى توفي السجين في 25 من الشهر اللاحق عن عمر ناهز 41 عاما. وتأسس سجن العقرب عام 1993 في عهد الرئيس المخلوع ، حسني مبارك (الذي أطاحت به ثورة 25 يناير 2011) ، حيث خُصص لحبس معارضي النظام السياسيين، "شديدي الخطورة".