عباس شراقي: فيضانات السودان غير المعتادة بسبب تعطل توربينات سد النهضة    البداية الرقمية للنقل الذكي في مصر.. تراخيص إنترنت الأشياء للمركبات تدخل حيز التنفيذ    وزير الإسكان: بدء تصنيف حالات الإيجار القديم وفق شرائح الدخل    لماذا كل هذه العداء السيساوي لغزة.. الأمن يحاصر مقر أسطول الصمود المصري واعتقال 3 نشطاء    مقتل شخص وإصابة 15 في هجوم روسي على مدينة دنيبرو الأوكرانية    تشكيل منتخب مصر أمام نيوزيلندا في كأس العالم للشباب    سلوت عن جلوس صلاح على مقاعد البدلاء أمام جالاتا سراي: رفاهية الخيارات المتعددة    خطة إطاحة تتبلور.. مانشستر يونايتد يدرس رحيل أموريم وعودة كاريك مؤقتا    مصرع 7 عناصر إجرامية وضبط كميات ضخمة من المخدرات والأسلحة في مداهمة بؤرة خطرة بالبحيرة    الأرصاد: الخريف بدأ بطقس متقلب.. واستعدادات لموسم السيول والأمطار    مفتي الجمهورية يبحث مع وفد منظمة شنغهاي آليات التعاون ضد التطرف والإسلاموفوبيا    مواقيت الصلاة فى أسيوط غدا الأربعاء 1102025    ماجد الكدوانى ومحمد على رزق أول حضور العرض الخاص لفيلم "وفيها ايه يعنى".. صور    أمين الفتوى: احترام كبار السن أصل من أصول العقيدة وواجب شرعي    ولي العهد يتسلم أوراق اعتماد سفراء عدد من الدول الشقيقة والصديقة المعينين لدى المملكة    محافظ القاهرة يناقش ملف تطوير القاهرة التراثية مع مستشار رئيس الجمهورية    من القلب للقلب.. برج القاهرة يتزين ب لوجو واسم مستشفى الناس احتفالًا ب«يوم القلب العالمي»    بعد رصد 4 حالات فى مدرسة دولية.. تعرف علي أسباب نقل عدوى HFMD وطرق الوقاية منها    جارناتشو يقود هجوم تشيلسى ضد بنفيكا فى ليلة مئوية البلوز    البورصة المصرية.. أسهم التعليم والخدمات تحقق أعلى المكاسب بينما العقارات تواجه تراجعات ملحوظة    هل يجوز للمرأة اتباع الجنازة حتى المقابر؟ أمين الفتوى يجيب.. فيديو    "أنا حاربت إسرائيل".. الموسم الثالث على شاشة "الوثائقية"    أحمد موسى: حماس أمام قرار وطنى حاسم بشأن خطة ترامب    محافظ قنا يسلم عقود تعيين 733 معلمًا مساعدًا ضمن مسابقة 30 ألف معلم    داعية: تربية البنات طريق إلى الجنة ووقاية من النار(فيديو)    نقيب المحامين يتلقى دعوة للمشاركة بالجلسة العامة لمجلس النواب لمناقشة مشروع قانون "الإجراءات الجنائية"    بلاغ ضد فنانة شهيرة لجمعها تبرعات للراحل إبراهيم شيكا خارج الإطار القانوني    "الرعاية الصحية" تطلق 6 جلسات علمية لمناقشة مستقبل الرعاية القلبية والتحول الرقمي    البنك الزراعي المصري يحتفل بالحصول على شهادة الأيزو ISO-9001    محمود فؤاد صدقي يترك إدارة مسرح نهاد صليحة ويتجه للفن بسبب ظرف صحي    مصر تستضيف معسكر الاتحاد الدولي لكرة السلة للشباب بالتعاون مع الNBA    بدر محمد: تجربة فيلم "ضي" علمتنى أن النجاح يحتاج إلى وقت وجهد    «العمل» تجري اختبارات جديدة للمرشحين لوظائف بالأردن بمصنع طوب    بعد 5 أيام من الواقعة.. انتشال جثمان جديد من أسفل أنقاض مصنع المحلة    المبعوث الصينى بالأمم المتحدة يدعو لتسريع الجهود الرامية لحل القضية الفلسطينية    اليوم.. البابا تواضروس يبدأ زيارته الرعوية لمحافظة أسيوط    حسام هيبة: مصر تفتح ذراعيها للمستثمرين من جميع أنحاء العالم    موعد إجازة 6 أكتوبر 2025 رسميًا.. قرار من مجلس الوزراء    الأمم المتحدة: لم نشارك في وضع خطة ترامب بشأن غزة    انتشال جثمان ضحية جديدة من أسفل أنقاض مصنع البشبيشي بالمحلة    وفاة غامضة لسفير جنوب أفريقيا في فرنسا.. هل انتحر أم اغتاله الموساد؟    برج القاهرة يتزين ب لوجو واسم مستشفى الناس احتفالًا ب«يوم القلب العالمي»    لطلاب الإعدادية والثانوية.. «التعليم» تعلن شروط وطريقة التقديم في مبادرة «أشبال مصر الرقمية» المجانية في البرمجة والذكاء الاصطناعي    تعليم مطروح تتفقد عدة مدارس لمتابعة انتظام الدراسة    التقديم مستمر حتى 27 أكتوبر.. وظائف قيادية شاغرة بمكتبة مصر العامة    كونتي: لن أقبل بشكوى ثانية من دي بروين    «مش عايش ومعندهوش تدخلات».. مدرب الزمالك السابق يفتح النار على فيريرا    «الداخلية»: تحرير 979 مخالفة لعدم ارتداء الخوذة ورفع 34 سيارة متروكة بالشوارع    احذر من توقيع العقود.. توقعات برج الثور في شهر أكتوبر 2025    عرض «حصاد» و «صائد الدبابات» بمركز الثقافة السينمائية في ذكرى نصر أكتوبر    بيدري يعلق على مدح سكولز له.. ومركزه بالكرة الذهبية    الملتقى الفقهي بالجامع الأزهر يحدد ضوابط التعامل مع وسائل التواصل ويحذر من انتحال الشخصية ومخاطر "الترند"    قافلة طبية وتنموية شاملة من جامعة قناة السويس إلى حي الجناين تحت مظلة "حياة كريمة"    انكماش نشاط قناة السويس بنحو 52% خلال العام المالي 2024-2025 متأثرا بالتوترات الجيوسياسيّة في المنطقة    ضبط 5 ملايين جنيه في قضايا اتجار بالنقد الأجنبي خلال 24 ساعة    التحقيق مع شخصين حاولا غسل 200 مليون جنيه حصيلة قرصنة القنوات الفضائية    السيسي يجدد التأكيد على ثوابت الموقف المصري تجاه الحرب في غزة    الأهلي يصرف مكافآت الفوز على الزمالك في القمة للاعبين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سطور عربية: رسائل من التاريخ تنتهي بسؤال لمن يحكموننا
نشر في الشعب يوم 24 - 01 - 2007

الرسالة الأولى : وجد صلاح الدين الأيوبي نفسه بعد أن استقرت له الأمور في مصر في مواجهة تحالف غربي يستهدف منطقة القلب من العالم الإسلامي المنطقة العربية، في نفس الوقت كانت المنطقة العربية مفككة وموزعة بين عدد من الإمارات المتصارعة ، وتدبر صلاح الدين الأمر ووصل به التدبر إلى أنه يستحيل مواجهة وحدة التحالف الغربي بتنازع إمارات المنطقة العربية ، فالوحدة مصدر للقوة والتجزئة مصدر للوهن ، وإذا ما استمرت المعادلة على ما هي عليه فالنصر سيكون حليف التحالف الغربي والهزيمة ستكون من نصيب العرب .
ولتغيير المعادلة قرر صلاح الدين الأيوبي الدخول فوراً في توحيد العرب ، وفي سبيل ذلك دخل العديد من المعارك الفرعية طوال الفترة من 572ه – 1176م حتى 582ه – 1186م ، انتهت هذه المعارك والمناوشات بتوحيد العالم العربي في دولة واحدة ، وبعدها أعد صلاح الدين جيشه لمواجهة الغزاة الغربيون ، ودخل معهم في معارك طاحنة انتهت بمعركة حطين 583ه – 1187م انتصر فيها صلاح الدين انتصاراً حاسماً على التحالف الغربي الصليبي ، وكان هذا الانتصار بداية الطريق إلى فلسطين ومحاصرة وتحرير بيت المقدس ( القدس ) ، وبعدها أجبر الغزاة على توقيع صلح الرملة ورحيلهم من بلاد العرب ، ومن يومها حفظ الغرب الدرس : أن قوة العرب في وحدتهم .
الرسالة الثانية : مع إدراك الفوارق ، كان محمد على ممن استوعبوا جيداً درس التاريخ ، أن قوة العرب في وحدتهم وضعفهم في تفرقهم ، وكانت دولة الخلافة في حالة من الوهن والضعف الشديد ، في وقت اشتد فيه توحش الغرب الرأسمالي ، لذلك صمم محمد على أن يوحد العرب في دولة عربية على كل الأرض العربية ليواجه توحش الغرب ، وفعلاً استطاع محمد على وجيوش ابنه إبراهيم توحيد المنطقة ، ولكن الغرب لم يتحمل هذه الوحدة لأنه يحفظ درس صلاح الدين ، وأسس الغرب تحالفاً عسكرياً ضد محمد على وانهزم محمد على أمام هذا التحالف في موقعة نفارين لسببين : الأول الخصومة التي نشبت بينه وبين الخليفة ، الثاني أن محمد على لم يعبء الأمة كلها لمواجهة تحالف الغرب ، انهزم محمد على وفرض التحالف الغربي عليه معاهدة لندن 1840 ، وبنود هذه الإتفاقية تتشابه إلى حد كبير مع إتفاقية كامب ديفيد التي وقعها السادات 1977 مع العدو الصهيوني ولذلك فإننا نطلق عليها كامب ديفيد الأولى ، وتشابه الإتفاقيتن يتجلى في نصهما على عزل مصر عن أمتها العربية . لأن في هذه العزلة ضعف مصر وضعف الأمة العربية ، وفعلا كان من أثار كامب ديفيد الأولى أن ضعفت مصر وخضعت للإحتلال البريطاني ، وكان هذا تثبيتا ومدخلا لإحتلال بقية بلاد العرب .
الرسالة الثالثة: بلور الغرب في التاريخ الحديث والمعاصر درسة المؤلم عن وحدة العرب في تجزئة العالم العربي " الأمة العربية ، وتقنين هذه التجزئة بمعاهدة سايكس/ بيكو عام 1916 التي قسمت الوطن الواحد إلى مجموعة من الأقطار ، ووزعت الإتفاقية هذه الأقطار بشكل رئيسي بين إنجلترا وفرنسا ،ولم تكتفي الدول الاستعمارية بنهب مقدرات أمتنا بل زادت على ذلك إعادة صياغة الحياة العربية ، صياغة تستهدف خلع الأمة من هويتها الحضارية الإسلامية ووضعها في قالب الحضارة الغربية بمساعدة المتفرنجين العرب ، وأضافت الدول الاستعمارية على التجزئة وعد بلفور الصهيوني الذي تحول إلى دولة عنصرية على الأرض المغتصبة في فلسطين 1948 لتقوية جدار التجزئة ، وفي عام 1945 عملت الدول الاستعمارية على تأسيس جامعة الدول العربية لتكون إطارا إقلميا قانونيا لحماية دول التجزئة العربية ،إلا أنه مع تغير الظروف أصبح للجامعة العربية شقا إيجابيا يمكنها القيام به ، وهو بلورة نظام عربي رسمي محكوم بقدر من التضامن بين الدول العربية في مواجهة الأطماع الخارجية ، وتراوحت مقدرة الجامعة العربية لتحقيق هذا القدر من التضامن بين الصعود والهبوط حسب ظروف العلاقات بين الدول العربية التي توزعت بين دول تقدميه ودول رجعية ، ومن ثم دبت الخلافات والصراعات فيما بينها ولذلك هبطت درجة التضامن التي سعت لتحقيقها الجامعة العربية بين دولها ، إلا أن ما يحسب للجامعة أنه في وسط هذه الظروف المعقدة حافظت الجامعة على الحدود الدنيا لهذا التضامن .
تجلي هذا التضامن بصورة واضحة بعد حرب 1967 إذ رغم انقسام الدول العربية بين معسكري التقدمية والرجعية إستطاع النظام الرسمي العربي أن يلتئم بسرعة ويعقد مؤتمر الخرطوم 1968 الذي خرج من إجتماعاته بأهم بندين ،بند اللاءات وبند إعادة بناء القوات المسلحة لدول المواجهة الثلاث مصر وسوريا والأردن ، فاتفقت الدول العربية على أنه لا صلح ولا تفاوض ولا إعتراف بالعدو الصهيوني ، واتفقت أيضا على أن تتكفل الدول العربية البترولية بإعادة بناء القوات المسلحة لدول المواجهة الثلاث على أسس قتالية عصرية .
وبناء على هذا الحد من التضامن وعدم الاعتراف وإعادة بناء القوات المسلحة دخلت الجيوش العربية لكل من مصر وسوريا ومدعومة بقوات من دول عربية اخرى وتخطيط وتنسيق واحد في مواجهة مع العدو الصهيوني المدعوم أمريكيا في أكتوبر 1973 ، واستطاعت الجيوش العربية لدولتي مصر وسوريا بهذا القدر من التضامن ووحدة التخطيط والقوى أن تقهر في 6 ساعات جيش العدو الذي لا يقهر ، إنهار جيش العدو وتم حظر تصدير البترول وتحولت حياة الغرب إلى مشكلة كبرى .. وهنا إستعاد الغرب والصهيونية درس التاريخ ، درس التجزئة وضرب أي درجة من درجات التضامن العربي حتى لا تتكرر مأساة اكتوبر 1973 .
الرسالة الرابعة : منذ أن حقق العرب انتصارهم في اكتوبر 1973 ،دأب الغرب والصهيونية على زرع بذور الفتنه بين الدول العربية وضرب الحد الأدنى من التضامن فيما بينهم ، تعامل الغرب والصهيونية مع العرب بإعتبارهم حزمة واحدة – أمة واحدة - ليس بهدف الحفاظ على رباط هذه الحزمة ولكن بهدف فك هذا الرباط بحيث تنفرط الحزمة وينفرط التضامن وتتفرق أعواده، وكان السكين الذي قطع هذا الرباط هو " كامب ديفيد ومعاهدة السلام "التي وقعتهما مصر مع العدو الصهيوني الأمريكي ، الأمر الخطير المنبثق عن كامب ديفيد ومعاهدة السلام ليس فقط كونهما فوق الدستور وفوق كل القوانين والإتفاقيات المصرية ولكن أيضا باعتبارهما وضعتا أسس جديدة لصياغة الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية والتعليمية .. الخ في مصر بهدف طمس هوية مصر العربية وعزلها عن أمتها وانحيازها لصالح العدو وإضعاف قدرتها العسكرية .
بفعل كامب ديفيد إنعزلت مصر وضعفت ، الأمة وتم إحتواء نصر اكتوبر العربي وتحول إلى هزيمة سياسية فاقت أثارها هزيمة 1967 العسكرية ، لأن التضامن الذي تولد عن هزيمة 1967 العسكرية فرض صمود الإرادة العربية ، وتم ترجمة هذا الصمود في اللاءات الثلاثة "لا صلح ، لاتفاوض ، لا اعتراف"، في حين أن إنفراط حزمة التضامن الغربي بعد إنتصار اكتوبر 1973 العسكري بفعل كامب ديفيد أدى إلى كسر الارادة العربية ، أو بتعبير ادق ، كسر ارادة النظام الرسمي العربي ، فلم تطل عزله مصر كامب ديفيد عن هذا النظام إلا سنوات قليلة ، بعدها عادت الجامعة العربية إلى مصر ، واعترف النظام الرسمي العربي واقعيا بالكيان الصهيوني واغتصاب فلسطين ، وبدأت العديد من الدول العربية تتسابق في كسب ود هذا الكيان والتعامل معه والبعض الأخر في الاعتراف به قانونيا تأسيا بما فعلته مصر ، ووصلنا الآن إلى أن كل الدول العربية وبدون إستثناءات تعترف بالكيان الصهيوني الاغتصابي على حساب اهلنا وأرضنا في فلسطين ، وبدأت كل الدول العربية تعيد صياغة أنظمتها الإقتصادية والثقافية والتربوية والسياسية وفقا للرؤية الأمريكية الصهيونية ، وإن شئنا الدقة في التعبير ، فإن المنطقة بعد كامب ديفيد والكامبات الأخرى دخلت في نظام إقليمي جديد حل محل النظام العربي الرسمي ، حيث إستبدال الأخير بنظام إقليمي صهيوني برعاية أمريكية يضم الدول العربية جنبا إلى جنب الدولة الصهيونية ، لا يهمنا تعدد مسميات هذا النظام ، وهل اكتملت أركانه المادية والمعنوية أم لا ، الذي يهمنا هو تحقيق الهدف الصهيوني(الاعتراف والتطبيع) وحمايته بسياج أمن تصنعه الدول العربية ذاتها ، لقد وضعت الدول العربية – دول التجزئة – نفسها مع الدولة الصهيونية في إطار واحد وهدف واحد هو حماية اغتصاب فلسطين ، هذا هو هدف النظام الإقليمي الجديد ، وهو هدف ضد تاريخ ومستقبل أمتنا ، وأصبح كل رافض لهذا الوضع الجديد إرهابيا يجب تصفيته ، ولأن الشعب العربي كله رافض لصهينة المنطقة اصبحت الدول العربية والصهونية معا في الخندق المعادي للأمة ، هكذا أنشأت " كامب ديفيد " نظاما إقليميا جديدا ، نظام صيغته امريكية صهيونية يعمل على أن يكون وجود الكيان الاغتصابي الصهيوني طبيعيا بإعتراف الدول العربية به ، وعلى أن تكن الرافعة لذلك تطبيع الحياة والعلاقات في كل المجالات بين الدول العربية وهذا الكيان وذلك في بخلع المنطقة من عقيدتها وحضارتها ،وآلية ذلك العلمانية ، إن ذلك يفسر لنا بوضوح تام تراجع أمريكا عن ادعاءاتها الديمقراطية كما يفسر لنا طبيعة البوصلة التي تحدد وتوجه ما يسمى بالاصلاحات الاقتصادية والسياسية والتعديلات الدستورية ، بإختصار، كلها منتجات كامب ديفيد .
الرسالة الخامسة : إن القراءة الأمريكية والصهيونية الموضوعية الدقيقة لتاريخ أمتنا ، مكنهما من وضع أياديهما على قانون تطورها ونهوضها وقانون وهنها وضعفها ، قانونا الوحدة وقانون التجزئة ، فوحدتها طريق نهوضها وتجزئتها طريق ضعفها ، واكتشف الصهاينة والأمريكان أن تجزئة سايكس / بيكو 1916 لم تعد كافية الآن للحفاظ عل مصالحهم وبقاء الكيان الصهيوني ، فنظام سايكس / بيكو لم يمنع انتصار العرب عسكريا عام 1973 ، ومن ثم فأن المصالح الأمريكية الصهيونية تتطلب من وجهة نظرهما نظاما إقليميا جديدا أكثر تطورا في إتجاه تحقيق مصالحهم من نظام كامب ديفيد ، ستفدين في ذلك مما حققته كامب ديفيد في الواقع العربي ، جوهر هذا النظام الجديد هو التفتيت الطائفي والمذهبي للأمة العربية ، من أجل ذلك صدرت الوثيقة الصهيونية لتفتيت الأمة العربية ودول الجوار العربي 1982 ، وصدرت كذلك وثيقة الأمن القومي الأمريكي 2003 ، تنص الوثيقة الأولى الصهيونية بصراحة ووضوح تام على تفتيت الدول العربية ، كل الدول العربية بدون إستثناء ، علىأسس عرقية وطائفية ، لتصبح المنطقة متخمة باكثر من ستين دويلة متحاربة على أسس عشائرية وقبلية وطائفية ، هذا البناء الطائفي الجديد يشكل من وجه النظر الصهيونية السياج الأمن لبقاء الدولة الصهيونية على أرض فلسطين لسبين : الأول أن هذا النظام الإقليمي الطائفي يستبدل الرابطة الحضارية العربية الاسلامية التي تجمع العرب في بوتقة الأمة العربية الواحدة برابطة الطائفيه والدم ، والنتيجة التي ترتبت على ذلك هي ضياع قدسيه الرابطة التي تربط العرب بأرضهم ، تلك الرابطة المستقرة منذ أربعة عشر قرنا والتي كانت قاعدة تأسيس وبناء الأمة العربية ، وبضياع هذه القدسية بالطائفية والعرقية تضيع قدسية فلسطين أرضا وعربا عند العرب في كل أرجاء الوطن العربي لأنه ببساطة لن يكون هناك وطن عربي ، الثاني وهو من أحشاء السبب الأول ومكمل له ، أن هذه الدويلات الكنتونية لن يجمعها إلا الحرب فيما بينها، وبالتالي ستتسابق كل دويله على طلب الدعم والمناصرة من أقوى دولة طائفية عنصرية في المنطقة وهي دولة الكيان الصهيوني ، فيصبح وجود هذه الكيانات مرهون ببقاء هذا الكيان ، لهذين السببين اعتمدت الدولة الصهيونية هذه الوثيقة وشرعت في تنفيذها على أرض الواقع .
في نفس الوقت الصهيونية متغلغله في الواقع الأمريكي وتمسك بتلابيبه ، ومن جهتها تعتبر أمريكا الكيان الصهيوني إمتدادا حضاريا وسلوكيا واستراتيجيا لها ، ترتب على ذلك ، أن معظم المعاهد الإستراتيجية الأمريكية التي تعتبرمطابخ اعداد وتوجيه السياسة الأمريكية الخارجية صهيونية ، لذلك تفاعلت أمريكا بسرعة مع الوثيقة الصهيونية للتفتيت خاصة وان فكرة التفتيت عشعشت في عقل الادارة الأمريكية بعد حرب1973 وكانت الدافع لكامب ديفيد وما يسمى بالحلول المنفردة للصراع .
المهم أن الارادتين الأمريكية والصهيونية شرعتا في التنفيذ ببناء نظام إقليمي عشائري وطائفي على أنقاض نظامي سايكس/بيكو /وكامب ديفيد ، وبتعبير أوضح على أنقاض الدول العربية والهوية العربية الاسلامية ، ولكي تكون الادارة الأمريكية متسقة مع نفسها ومع هذا التوجه ، أصدرت في عام 2003 ما يسمى بوثيقة الأمن القومي الأمريكي ، وتنص هذه الوثيقةعلى حق أمريكا في التدخل في أي منطقة من العالم لمنع أي قوة أوقوى محتمل أن تقوم بعمل يهدد المصالح الأمريكية في أي منطقة من العالم ، وتنص أيضا – تحت زعم الديمقراطية- بتفكيك البنية المجتمعية للدول والمجتمعات على أسس عرقية وطائفية لتحقيق الديمقراطية ، والمقصود بالدول والمجتمعات هي الدول العربية ، خاصة وان الادارة الأمريكية حمًلت الإسلام واستبداد هذه الدولة المسئولية عن أحداث 11 سبتمبر 2001 ، ولكي نفهم أحداث المنطقة بدءا من الحرب الأهلية في لبنان وحصار العراق ، وصولا إلى إحتلاله وإعادة صياغته طائفيا بهدف تفكيكه واغتيال الرئيس صدام حسين ، لكي نفهم هذا كله دون أن نستغرق في التفاصيل ، علينا أن نضعها جميعا على مسطرة المنهج الصهيوني الأمريكي للدول العربية ، علينا أن نحرص على أن لا يغيب هذا المنهج عن بصرنا ونحن نتدبر الأحداث التي تحدث لنا ، حتى لا نتوه في بحر من ظلمات التفاصيل ونفقد القدرة على رؤية ما يراد بنا ،وبالتالي نكون كالقصعه لا يتوقف التهامها على أمريكا والصهيونية وإنما سيشاركهم الالتهام – للأسف – دول الجوار .
والسؤال القادم من التاريخ ، من الماضي والمستقبل ، لكل من يحكموننا بباطل التجزئة هو : لم يعد الخطر قاصرا على الأمة بل شملكم مباشرة .. الهدف هو دولكم وحياتكم ، فهل ستستمرون مستمرئين التبعية والعمالة ؟ أم أن خوفكم على حياتكم وحياة أبنائكم سيجعلكم تنضمون إلى خندق المقاومة العربية ؟ عموما نرجوا لكم ذلك ، ولكن عليكم أن تعلموا أن الأمم لا تموت ، والأمة العربية لن تموت ، وستنتصر المقاومة العربية وستتوحد الأمة ، وها هي بشائر هزيمة العدو تسطع علينا من العراق البطل ومن لبنان ، فهل من مدكر؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.