أصدر معهد بروكنجز الأمريكي للأبحاث والدراسات، تقريرا تناول فيه الشأن البرلماني في مصر والانتخابات النيابية المقررة في 28 نوفمبر الجاري، حيث أوضح أنه من المستبعد أن تكون الانتخابات ديمقراطية أو نزيهة، طبقا لمعايير الدول الغربية. وقالت ميريت مبروك، عضو مركز سابان لسياسات الشرق الأوسط بمعهد بروكنجز والناشر المؤسس لصحيفة "ديلي نيوز مصر"، إنه من المتوقع ألا تكون الانتخابات البرلمانية القادمة ديمقراطية، وألا يستطيع الناخبون الوصول إلى صناديق الاقتراع للتصويت.
وأشارت ميريت إلى أن قادة المعارضة المرشحين والناخبين والجمعيات المدنية، بمعنى أدق كل الناس باستثناء ممثلي الحكومة، يتوقعون أن تشهد الانتخابات أحداث عنف وتزوير واسع النطاق، كما حدث في انتخابات مجلس الشورى في يونيو الماضي التي حصل فيها الحزب الوطني الحاكم على 80 مقعدا من أصل 84، وتخللها العنف وتفشت فيها مزاعم الانتهاكات.
وبشكل عام فإن الانتخابات في مصر لا تتسم بالديمقراطية، ولا تعبر بالضرورة عن إرادة الشعب المصري، وتؤدي في النهاية إلى برلمان أغلب أعضائه من الحزب الوطني الحاكم، وبالتالي تصبح سلطة المجلس ضعيفة للغاية أمام الحكومة، وتختفي تماما أمام الرئيس الذي يمكنه في أي وقت حل البرلمان، طبقا لتعديلات الدستور عام 2007 بحسب الكاتبة التي تقول إنه نظرا لانتشار فكرة ترتيب نتائج الانتخابات مسبقاً، فإن معظم الناس يتشككون في أهمية المشاركة في العملية الانتخابية من الأساس.
وتشير ميريت إلى عدة أطراف معارضة، منها الجمعية الوطنية للتغيير التي أسسها الدكتور محمد البرادعي المدير العام السابق لوكالة الطاقة الذرية، طالبت بمقاطعة الانتخابات لأن المشاركة فيها تعطي الشرعية لنظام معيب، وترسخ لأكذوبة الديمقراطية التي يروجها الحزب الحاكم.
ورغم أن دعوات المقاطعة هذه لها فوائدها، بحسب الكاتبة، إلا إنها تناست بعض النقاط، منها أن الانتخابات في مصر لا تدور حول من سيفوز بأكبر عدد من المقاعد، فهذا محدد سلفا، وإنما بكيفية حدوث ذلك، بمعنى أن الانتخابات مجال للنشاط السياسي وتلبية المطالب وممارسة اختلاف الرأي والمعارضة في بيئة راكدة سياسيا. ومن هذا المنطلق، تصبح كل معركة انتخابية -بمحاسنها ومساوئها- فرصة يستفيد منها كل المشاركين فيها في خوض المعركة الانتخابية التالية لها.
من ناحية أخرى، يمكن لصناديق الاقتراع أحيانا أن تحمل مفاجآت غير متوقعة، كما حدث في انتخابات عام 2005، عندما حصلت جماعة الإخوان المسلمين على 88 مقعدا من أصل 454 مقعدا في مجلس النواب، وهو ما لم تكن الجماعة ستحصل عليه لو كانت قد قررت عدم المشاركة في الانتخابات.
تظل الانتخابات هي الفرصة الوحيدة التي يمكن للمعارضة أن تشارك فيها سياسيا، والتي يمكن من خلالها أو بعدها مباشرة تعديل بعض مواد الدستور، الذي يحجم أساسا من حرية المعارضة في الدفع بمرشحيها للانتخابات وإقامة حملات انتخابية لهم. أما مقاطعة الانتخابات فسيصبح معناها هو التخلي عن أي فرصة للظهور أو التأثير في الساحة السياسية، كما ستؤكد على الاعتقاد بأن أحزاب المعارضة مجرد واجهة لتزيين المشهد الديمقراطي في مصر.
واختتمت ميريت مبروك تقريرها قائلة: "إن الساحة السياسية المصرية هي المكان الذي يتناحر فيه الكثيرون على قطعة صغيرة جدا من الأرض، أما الأساس الأخلاقي فليس له وجود".
التجاوزات واردة من جانبه، أكد الدكتور مفيد شهاب، وزير الدولة للشئون القانونية والمجالس النيابية، أن "احتمال التجاوز وارد، ولكن في حال التجاوز اكتب للجنة العليا للانتخابات للكشف عن هذا التجاوز حتى يتوقف"، مشدداً في الوقت نفسه، على أن إلغاء الإشراف القضائي على الانتخابات المقررة في 28 نوفمبر الجاري، يعزز مبدأ الفصل بين السلطات، وتابع قائلا إن "مهمة القضاء أن أتظلم إليه بعد أن يقع الخطأ، وإنما لا يشرف على إدارة العملية الانتخابية".
وقال شهاب، في مقابلة خاصة مع قناة (العربية) الإخبارية الفضائية، أول أمس الثلاثاء، إن ضمان نزاهة الانتخابات يتوقف على عدة عوامل، منها ما يوضع من تنظيم تحدده القوانين، ويؤدى إلى وجود ضمانات حقيقية عند ممارسة العملية الانتخابية، بدءا من القيد في الجداول الانتخابية حتى الترشح ثم بعد ذلك التصويت وبعد ذلك الفرز.
وأكد شهاب أن ذلك التنظيم تقوم به الدولة بمختلف أجهزتها، ثم بعد ذلك مؤسسات المجتمع المدني التي تتابع مدى النزاهة والتيسيرات والتسهيلات التي تتم بها العملية الانتخابية، وأشار إلى أن اللجنة العليا للانتخابات لها سلطات تمارسها خلال العملية الانتخابية من بدايتها وحتى نهايتها "وإذا ما مورست تستطيع أن تحقق الضمانات الكافية للنزاهة".
وأشار الدكتور مفيد شهاب، إلى ضرورة عدم إصدار أي أحكام مسبقة وعدم خلط الأخطاء الفردية وتحويلها إلى ظاهرة، وقال "نعم تحدث أخطاء وستحدث، إنما هل تتحول إلى ظاهرة عامة، هل هو منهج تدعو الدولة إليه، أستطيع أن أزعم بلا، وهى أمور تحدث في الدول التي سبقتنا على طريق الديمقراطية".
وردا على سؤال بشأن ترشح بعض الوزراء لانتخابات مجلس الشعب، وهل يوجد أي تعارض أو ميزة نسبية للمرشح الوزير لا يتمتع بها المنافس من خلال استغلال السلطة، قال إن هذا الموضوع له شقان: الأول الوضع الدستوري القانوني في مصر يسمح بترشح الوزراء، موضحا أنه توجد دول كثيرة تسمح بترشح الوزراء ودول أخرى ترفض ذلك، لإيمانها بالفصل التام بين السلطات حيث إن لكل دولة نظامها.
وتابع شهاب "أما الشق الثاني العملي فأرفض استغلال الوزير لموقعه في الترشح للانتخابات، فأنا لا أستغل سلطاتي كوزير خلال ترشحي في الانتخابات".
وردا على سؤال حول عدم سقوط الوزراء في الانتخابات، قال الدكتور شهاب "إن من حوالي عشر سنوات لم ينجح أحد الوزراء"، مرجعا نجاح نسبة كبيرة من الوزراء في الانتخابات لاعتبار الوزراء شخصيات عامة في الدولة، ووصلوا إلى مناصبهم لامتلاكهم الخبرة والكفاءة والاشتغال بالعمل السياسي.
وعن قيام الحزب الوطني بترشيح أكثر من مرشح في الدائرة الواحدة، وما إذا كان ذلك يؤدي إلى تفتيت الأصوات، ويجعل من لم يرشحهم الحزب للتحالف مع منافسين، قال شهاب "هناك معضلة صعبة للحزب الوطني هي أنه حزب جماهيري وأعضاؤه كثيرون يصل عددهم إلى 2 مليون، والراغبون في الترشح يبلغ عددهم نحو 3 آلاف أو 4 آلاف عضو، وبالتالي لا بد على الحزب أن يختار".
وأوضح أن الحزب الوطني قام بتجربة عدة طرق، وقام بعمل مجمع انتخابي، ورأي مركزي وعندما يقوم بتجربة طريقة يظهر لها عيوب، مشيرا إلى أنه خلال هذه المرة أراد أن يجمع بين الحسنيين، وعندما يختار عضوا للترشيح لا بد أن يسأل كوادر الحزب وأعضاء الحزب والرأي العام من خلال استطلاع رأي عام، ويتم جمع كل ذلك ويوضع أمام قيادة لتقوم بالاختيار، وقال "أنا أعتبر هذا قرار وأسلوب موضوعي، في الغالب الأعم سيأتي بمرشحين أعلى مستوى مما كان يحدث في الماضي".
وأشار إلى أن إقدام الحزب الوطني على ترشيح أكثر من مرشح على المقعد الواحد بسبب اطمئنانه بأن هذه الدائرة آمنة، ولا يوجد فيها معارضة شديدة من جانب أحزاب أخرى، وعنده عنصران من الحزب الوطني متقاربان، ولكي يستريح ضمير القيادة التي اختارت تركتهم يتنافسون معا.
وأضاف قد يؤدي هذا إلى تفتيت الأصوات، ولكن رغم التفتت في النهاية سيحصل على مرشح أكثر من الآخر، ولكن ليس هناك خوف أن يحصل منافس من خارج الوطني على مقعد الدائرة.
وأكد أن الحزب الوطني لم يعقد أي صفقة في أي مرة من المرات، وقال الحزب الوطني ليس بحاجة لعقد صفقات لأنه حزب أغلبية، مضيفا أن الصفقات التي تتم تحدث بين أحزاب الأقلية وهذا مشروع.