بقلم: عبدالله اسكندر اجتاحت القوات الاثيوبية الصومال، بغطاء الحكومة الموقتة وبحجة مكافحة الارهاب الذي يهددها بفعل سيطرة «المحاكم الاسلامية» على مدن البلاد. ولم نسمع في منطقتنا ما يفيد أن أحداً معني بما يجري في هذا البلد.
وللتذكير، ان الصومال عضو في جامعة الدول العربية يعيش في حال فوضى سياسية وأمنية منذ انهيار حكومته المركزية العام 1991. ومنذ ذلك الحين، توالت الوساطات والمبادرة من دول عربية، خصوصا مصر، والجامعة من اجل الوصول الى صيغة تعيد إحياء الدولة الصومالية، من دون اي جدوى. وفشلت ايضا، قبل اسابيع قليلة، اجتماعات الخرطوم التي رعاها السودان بصفته الرئيس الحالي للقمة والجامعة العربية، في مصالحة «المحاكم» مع الحكومة الموقتة.
الوضع الصومالي شديد التعقيد ومتعدد الولاءات. وتتداخل فيه المصالح الاقليمية في القرن الافريقي، ويؤثر في ميزان القوى الاثيوبي - الاريتري والاثيوبي - السوداني، وكذلك في ما تعتبره مصر مداها الافريقي. كما ان الولاياتالمتحدة تسعى الى زيادة تأثيرها في المنطقة، وتوظف فيها أموالاً وطاقات عسكرية وأمنية في اطار الحرب على الارهاب. في موازاة ذلك، لا يشكل الصومال بالنسبة الى العالم العربي، خصوصاً المشرق منه، عنصر جذب واهتمام، لأن البلد لا يوفر اي قدرة على الاستثمار لانعدام الثروات الطبيعية والسلطة المركزية فيه. وجل ما ينتجه من القات ولحوم المواشي يصل الى بلدان الاستيراد الخليجية من دون عناء عبر شبكات التهريب.
لكن الفشل العربي في معالجة الأزمة الصومالية والاستقالة منها، وتولي اثيوبيا حسم الوضع، موقتاً على الاقل، في الصومال عبر القوة العسكرية، كل ذلك يؤكد مجدداً بديهية الضعف في النظام السياسي العربي، وعدم قدرته على معالجة أزمة في أي بلد من بلدانه، حتى لو كان الصومال. فتلجأ قوة غير عربية من الجوار الى سد الفراغ.
وتشاء الظروف ان يكون التطور الصومالي متزامناً مع اضطرار حكومة السودان الى التعامل مع الأممالمتحدة من اجل معالجة مشكلة اقليمه الغربي المضطرب، دارفور. ومع انكشاف الوضع العراقي امام التدخل الايراني بعد الاميركي، واحتمال التدخل التركي. وذلك، بعدما أفرغ النظام السياسي العربي الذي تشكل قبل نحو نصف قرن من كل ثقل ورصيد. وهو فراغ لم يعد يقتصر على الفشل في تحريك أي حل للقضية الفلسطينية، وانما يتبدى ايضاً في كل الأزمات اللاحقة، خصوصاً العراق.
ارتبط هذا الفشل بالوضع التأسيسي لهذا النظام الذي اعتبر ان ما يجمع العرب هو مصالح تخترق الأوطان، وليس المصالح التي تكون نتيجة تسويات بين الدول القادرة على ضمان مصالح مواطنيها في الدرجة الأولى. وعلى قاعدة هذه المصالح تتأسس العلاقات بين الدول، وترسم حدود الأمن السياسي والاقتصادي لكل من الدول، ولهذه الدول مجتمعة، على قواعد واضحة متفاوض عليها ومتفق عليها لا تكون عرضة للتغيير مع كل أزمة او تغيير نظام حكم.
ولأنه لا يمكن التوافق دفعة واحدة على مصالح متناقضة احياناً، اندفع النظام العربي الى الصياغات اللغوية المشددة على وحدة المصالح والمصير، معتبراً أن التعبير عن الخلاف وضرورة الحلول العقلانية له ضرب من العيب. فتراكمت المشكلات والأزمات، في الوقت الذي لم توضع أي ضوابط للتدخلات في الشؤون الداخلية للآخرين، ما جعل هذه التدخلات المسكوت عنها هي اساس العلاقات العربية - العربية، وليس تبادل المصالح. يصح هذا الاستنتاج في المغرب والمشرق والخليج. وعبّر عن مثل هذا الاستنتاج، في السابق، التدخل السوري في لبنان والغزو العراقي للكويت في السابق. ويعبر عنه هذه الايام، باستهداف المنطقة من الجوار، بعدما تلاشت او تكاد كل قدرة على التحرك، كما حصل في النموذج الصومالي.
والأخطر من كل ذلك، وفي ظل التآكل الداخلي للنظم العربية وازدياد فقدان الثقة بدولها وقدرتها على استيعاب المشكل وايجاد الحلول، يرتد المواطنون، في حال من النكوص الى ما قبل الدولة، الى المناطقية والعشائرية والمذهبية. بما يهدد بمزيد من الانهيارات والحروب والتدخلات الخارجية.