أكد قضاة وقانونيون وبرلمانيون وخبراء اقتصاد، أنه لا تأثير لقرار النائب العام المستشار عبد المجيد محمود أمس بحفظ التحقيقات في الشق الجنائي لعقد مدينتي"، بشأن تخصيص هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة لمساحة 8 آلاف فدان لصالح الشركة العربية للمشروعات والتطوير المملوكة لرجل الأعمال هشام طلعت مصطفى، على الدعوى المقاومة أمام المحكمة الإدارية العليا لبيان مدى مشروعية العقد من عدمه. وقال المستشار يحيى الدكروري نائب رئيس مجلس الدولة "إن التحقيقات التي أجراها مكتب النائب العام فيما يخص القضية تتعلق بالشق الجنائي، حيث لم تصل التحقيقات إلى دليل مؤكد على وجود مخالفات جنائية أو رشاوى أو ما شابه ذلك من خلال أوراق القضية"، لكنه استبعد أي تأثير لهذا القرار على الدعوى التي تنظرها محكمة القضاء الإداري حاليًا.
وأوضح، أن كل الاحتمالات ورادة بشأن الحكم المتوقع صدوره من قبل المحكمة الإدارية العليا، فربما تؤيد قرار محكمة القضاء الإداري ببطلان العقد، وربما تؤكد مشروعيته، مؤكدًا أنه لا علاقة لذلك بالتحقيقات التي أجراها النائب العام، وأنها لم تتطرق إلى الحيثيات التي استندت إليها محكمة القضاء الإداري في الحكم ببطلان العقد.
من جانبه، أكد طلعت السادات عضو مجلس الشعب أن أحدا لم يعول يوما على تحقيقات النائب العام فيما يخص عقد "مدينتي"، لأن "القضية سياسية من الطراز الأول"، وأن هناك "شبهة مجاملات في تحديد أسعار الأرض"، لكنه قال إن "تحقيقات النائب العام لن تصل إلى مخالفات أو رشاوى تتعلق بالشق الجنائي".
وقال السادات إنه لم يطلع في حياته على عقد بهذا الاهتراء، فلا يوجد في العقود مبالغ محددة أو التزامات محددة على شركات هشام طلعت مصطفى مما يوصم العقد بالبطلان، مطالبًا الحكومة بأن تبادر بتصحيح الأوضاع وأن تسرع بإبرام عقود جديدة تمنع استغلال أوضاع الحاجزين وزيادة أسعار الوحدات السكنية.
مع ذلك، أعرب السادات عن اعتقاده بأن شركة الإسكندرية للمقاولات لن تتمكن من الاحتفاظ بكامل المساحة المخصصة لمشروع "مدينتي"، وأن الحكومة ربما تقوم بإلغاء العقد وتخصيص مساحات معينة لرجال أعمال كبار يحلون محلها، رابطا بين ذلك وبين قدرة طلعت مصطفى على الحفاظ على مصالح شركته، وهو أمر قال إنه يشكك فيه كثيرًا في ظل الضغوط المتصاعدة عليه.
أما الدكتور حمدي عبد العظيم العميد السابق لأكاديمية السادات فاستبعد وجود أي تأثير للقرار على حكم القضاء في الدعوى ببطلان عقد "مدينتي"، مؤكدًات أن قرار النائب العام لن يؤثر من قريب أو بعيد في سير القضية التي تنظرها المحكمة الإدارية العليا التي تدرس مدى مطابقة العقد للقوانين واللوائح الخاصة بوزارة الإسكان.
وأضاف "لا داعي للقلق من جانب الرأي العام أو حديث عن مجاملة سياسية أو ضغوط قد مارسها مقربون من طلعت مصطفى على جهات داخل الدولة دفعت النائب العام إلى إصدار قراره بحفظ التحقيقات في البلاغ الذي تقدم به 45 عضوًا بمجلس الشعب، بشأن مدى قانونية العقد".
وأشار إلى أن تحقيقات النائب العام لم تصل إلى شيء بشأن الشق الجنائي وهو ما دفعه إلى حفظ التحقيق فيه، لكن يبقى الرهان على المحكمة الإدارية العليا، مرجحًا أن يصدر حكم ببطلانه، لأن من اطلعوا عليه لم يتطرق إليهم أي شك في وجود شبه مجاملات وإهدار للمال العام في تحديد أسعار الأراضي.
واعتبر عبد العظيم أن المتضرر الأول من بطلان عقد "مدينتي" هم حاجزو الوحدات السكنية فربما في حالة صدور قرار ببطلان العقد تضطر الدولة إلى تعديل العقود ورفع أسعار الأراضي مما سيزيد من سعر الوحدات السكنية بمعدل ليس بالقليل.
من جهته، أبدى الدكتور سلطان أبو علي وزير الاقتصاد السابق تحفظه في التعليق على الشق القانوني للقضية، مشيرا إلى أن المحكمة الإدارية العليا هي من ستحسم الأمر في النهاية.
وكان بيان صدر أمس عن مكتب النائب العام أشار إلى أن نيابة الأموال العامة العليا، انتهت إلى قرار الحفظ بعد تحقيقات موسعة أجراها الدكتور محمد أيوب، رئيس النيابة، فور تلقي البلاغات التي تضمنت أن تخصيص المساحة من الأرض تمت بالمخالفة للقانون والقواعد المقررة.
وأكد النائب العام في بيانه أن لجان إدارة الكسب غير المشروع والأموال العامة بوزارة العدل، انتهت إلى عدم وجود ثمة ضرر بالمال العام من جراء التعاقد، حيث حصلت هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة على مبالغ تصل إلى 13 مليار جنيه نظير الحصة العينية المتفق عليها، بما يعني قيام شركة هشام طلعت بشراء متر الأرض بمشروع "مدينتي" بمبلغ يصل إلى 391 جنيه للمتر الواحد دون مرفق الكهرباء والاتصالات، وهو سعر يزيد على سعر المثل الذي كانت تبيع الهيئة به للغير وقت التخصيص عام 2005 الذي لا يصل إلا إلى 237 جنيه للمتر بكامل مرافقه، وهو ما يتناقض مع ما جاء في بلاغ أعضاء مجلس الشعب، والرقابة الإدارية بأن هشام طلعت مصطفى حصل على المتر ب 25 قرشًا فقط بدون مرافق.
وأضاف البيان إنه تم سماع أقوال مقدمي البلاغ ومسئولي هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، وعلى رأسهم وزير الإسكان السابق محمد إبراهيم سليمان، وكذلك نائب رئيس الهيئة والمسئولين بشركة المقاولون العرب والمسئول عن الشركة العربية للمشروعات والتطوير العمراني، وضم المستندات المتعلقة بعملية البيع والتخصيص ودراستها لبيان ثمن المثل وقت التخصيص.
وكانت القضية قد بدأت ببلاغ من النائب سعد الحسيني عضو مجلس الشعب، و45 آخرين من نواب المعارضة والمستقلين إلى النائب العام ضد محمد إبراهيم سليمان، وزير الإسكان السابق، بتهمة إهدار 25 مليار جنيه من المال العام في بيع مساحة من الأرض تقدر ب 20 كيلو مترا لرجل الأعمال هشام طلعت مصطفى بالمخالفة لقانون المناقصات.
يذكر أن محكمة القضاء الإداري كانت قد قضت في 22 يونيو الماضي برئاسة المستشار حسن عبد العزيز نائب رئيس مجلس الدولة ببطلان بيع وزير الإسكان السابق محمد إبراهيم سليمان لمساحة الأرض المذكورة إلى رجل الأعمال هشام طلعت مصطفى لإنشاء مشروع "مدينتي".
وأصدرت هيئة مفوضي الدولة "دائرة العقود والتعويضات" تقريرا في القضية أكد بطلان عقد بيع الأرض؛ مستندًا إلى تجاهل وزير الإسكان السابق أحكام قانون المزايدات، ومنح هشام طلعت تقدر مساحتها ب 20 كيلو مترا لبناء مشروع استثماري، خصوصا أن قانون المزايدات ينص في المادة 30 على أن يكون بيع العقارات بطريق المزايدة العلنية العامة، وفي المادة 31 على عدم جواز التعاقد بالأمر المباشر، فيما تتجاوز قيمته 50 ألف جنيه.