جدد موقف رجل الأعمال إبراهيم كامل، عضو الحزب الوطنى، الرافض لبناء المحطة النووية فى منطقة الضبعة، الجدل المحتدم بين رجال الأعمال الذين يملكون مشروعات استثمارية سياحية بجوار الضبعة، وأعضاء هيئة المحطات النووية المسؤولة عن تنفيذ المشروع، التى تبنى خططها حالياً وتعد المواصفات لأول محطة نووية فى مصر، فكان هذا الحوار مع الدكتور إبراهيم العسيرى، كبير المفتشين السابق بالوكالة الدولية للطاقة الذرية والمستشار الفنى للهيئة. حذر العسيرى، من خطورة نقل المشروع من الضبعة، وقال إنه سيكلف البلاد أكثر من 15 مليار جنيه، ، مشيرا إلى أن رجال الأعمال يتعمدون إثارة الرعب من إنشاء المحطة بسبب أجندة خفية وأغراض شخصية، مؤكدًا أن الموقع ملك للمشروع بقرار جمهورى صادر منذ 1981، وقال الخبير النووى إنه اذا كان على أى من الطرفين الرحيل، السياحة أو المحطات النووية، فعلى السياحة أن ترحل من الضبعة إلى حيث تشاء.
وقال أن آخر الدراسات الصادرة عن قاعدة بيانات المحطات النووية بالوكالة الدولية للطاقة الذرية فى يناير الماضى تؤكد أنه يوجد فى العالم حوالى 436 محطة نووية تعمل بالفعل، وهناك حوالى 56 مفاعلاً فى 15 دولة تحت الإنشاء، ومن المخطط إنشاء 143 مفاعلاً جديداً بحلول عام 2030 قدراتها 157 ألفاً و932 ميجاوات فى 26 دولة، والعالم كله مهتم بالمحطات النووية لأنها لا تلوث البيئة ولا تصدر عنها انبعاثات الكربون التى أصبحت خطيرة جداً، ولأنها تنتج كهرباء رخيصة وسعر الكيلووات/ساعة منها أقل من سعر الكيلووات فى الطاقات المنتجة من محطات تقليدية.
وتابع، هناك شهادة أقولها بكل أمانة.. مصر تسير فى المشروع حالياً بخطوات علمية مدروسة وطبقاً للمعايير الدولية، ومن المتوقع طرح المواصفات نهاية هذا العام، ونحن ننتظر حالياً موافقة جهاز الأمان النووى على الترخيص بالإنشاء فى موقع الضبعة، وهو بمثابة إذن قبول الموقع، لأن ذلك يوضع فى الحسبان عند إعداد المواصفات، ومن المتوقع أن يصدر الترخيص خلال شهر أغسطس المقبل.
وأضاف، هذا الكلام غير أمين، والدليل على ذلك أنه بعد حادث تشيرنوبل بنحو 6 أشهر، وبالتحديد فى ديسمبر 1986 قام مجلس الشورى بإعادة دراسة البرنامج النووى المصرى، وشكل لجنة لهذا الغرض برئاسة الدكتورة فرخندة حسن، وكانت تضم 20 عضواً من مجلسى الشعب والشورى، وقادة الفكر والرأى والسياسة، وحضرها الوزراء والمسؤولون المعنيون بالمشروع، واستمر عمل اللجنة 6 أشهر، انتهت بعدها إلى أهمية الإسراع فى تنفيذ المشروع النووى المصرى كبرنامج متكامل يقوم على أهداف قومية تتصل بالنواحى العلمية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية والتنموية والأمنية، وكان من ضمن توصيات التقرير إنشاء جهاز مركزى للأمان النووى يتمتع بالاستقلالية التامة كجهة رقابية، وقد تم ذلك بالفعل، ولكن بعد حوالى ربع قرن، حيث صدر قانون إنشاء هيئة الرقابة النووية والإشعاعية فى مارس الماضي، وينبغى أن تتضافر كل الجهود لتنفيذ هذا المشروع.. كفانا تأخيراً.
أما بخصوص حادث مفاعل تشيرنوبل فكان له ظروفه الخاصة، وللأسف نحن فى مصر الوحيدون الذين لايزال لديهم تخوف بسبب هذا المفاعل الذى كان تصميمه مختلفاً عن تصميمات المفاعلات فى كل أنحاء العالم، لأن الغرض منه كان عسكرياً وتصميمه لم يكن يحتوى على غلاف خرسانى واقٍ لمنع الإشعاع، إضافة إلى أن الحادث وقع نتيجة خطأ بشرى من القائمين على التشغيل، وأوكرانيا التى شهدت الواقعة بها الآن 15 محطة نووية لإنتاج الكهرباء، و3 مفاعلات تحت الإنشاء، ونسبة مساهمة الطاقة النووية فى إنتاج الكهرباء بها تصل إلى 47%، ولم يؤثر ذلك على السياحة بل إن ترتيبها هو الثامن فى قائمة الدول الأكثر جذباً للسياح على مستوى العالم.
وعلى العكس من الاعتقاد السائد، الطاقة النووية تمثل عامل جذب سياحى حالياً، وهناك مفهوم جديد حالياً هو «السياحة النووية»، ودولة التشيك أعلنت منذ شهرين أن السياحة النووية فيها فاقت السياحة العادية لأن السائح يكون متلهفاً لرؤية المفاعلات من الداخل، ومعرفة طريقة عملها، وفرنسا التى يذهب إليها 80 مليون سائح سنوياً بها 58 محطة نووية تنتج 80% من الكهرباء المستهلكة، وعندما تنظر إلى خريطة توزيع المحطات النووية فيها فستجدها منتشرة فى مناطق الكثافة السكانية، ومعظم هذه المحطات مقامة على مصادر مياه عذبة.
أما عن السياحة، فقال العسيرى، أنه من الأجدر أن تذهب السياحة إلى أى مكان فى المليون متر لتمارس فيه نشاطها؟ وهو أمر أسهل بكثير من نقل المحطة النووية، والحملة المضادة للمشروع تعبر عن تخوف لا مبرر له إطلاقاً، أو «شماعة» تعلّق عليها أخطاء أو أغراضاً خفية ومصالح شخصية.
وأضاف، نحن لا نقدس الضبعة، ولكن دعنا نحسب الأمر بالأرقام، ونعرف حجم الضرر الذى سيقع لو تم التخلى عن الموقع. موقع الضبعة كان نتيجة لدراسات أجريت منذ أوائل الثمانينيات وأنفقنا عليه مبالغ كبيرة جداً، وكان الموقع من بين 23 موقعاً خضعت للدراسة على مستوى الجمهورية فى مناطق الساحل الشمالى وشمال سيناء وخليج السويس ومحافظات البحر الأحمر والدلتا وبحيرة ناصر، وثبت أن موقع الضبعة هو الأفضل، وأصبح الآن مصنفاً بأنه من أحسن مواقع المحطات النووية على مستوى العالم، وهذا تصنيف الوكالة الدولية للطاقة الذرية وليس مصر، لأن جميع مقومات إنشاء مشروع ناجح متوافرة فيه، وبه بنية أساسية من شبكات الطرق والصرف الصحى والمياه وأجهزة قياس الأشعة والنشاط الزلزالى، وحتى مدخل تبريد المياه للمحطة تم تحديده، وعندما أعدنا الدراسة مرة أخرى منذ عدة شهور على الموقع، جاءت النتائج مطابقة للدراسة الأولى، ومؤيدة لإنشاء المحطة الأولى فيه.
أما إذا قررنا تغيير موقع الضبعة، واخترنا أى موقع آخر للمحطة الأولى، فدراسة أى موقع جديد تحتاج إلى 3 سنوات، إضافة إلى سنتين لإجراءات الترخيص.. أى أننا سنتأخر 5 سنوات، وعلى مستوى التكلفة الاقتصادية فإجراء الدراسات على أى موقع بمستوى الضبعة يتكلف 1.7 مليار دولار، ويمكن أن تزيد خلال الفترة المقبلة إلى 2 مليار دولار، أى أننا سنخسر نحو 8 مليارات دولار لإجراء دراسات بديلة للمحطات الأربع المستهدف إنشاؤها فى موقع الضبعة، إلى جانب التكاليف الباهظة لتوفير المرافق والخدمات وشق الطرق إلى المواقع الجديدة، وخلال هذه السنوات الخمس سنستمر فى إهدار البترول والغاز لتوليد الكهرباء، وسندفع 5 مليارات دولار للوقود خلال هذه المدة.
وينبغى الانتباه إلى نقطة أخرى هى أن الشركات المصنعة لا يمكننا التنبؤ بظروفها بعد 5 سنوات، وفى ظل إقدام دول عديدة بالمنطقة على إقامة مفاعلات يمكن لهذه الشركات القليلة فى السوق العالمية أن تنشغل بشكل لا يسمح لنا بإبرام تعاقدات معها، ولو كنا أنشأنا المحطة النووية منذ 20 سنة ما كانت تكلفتها لتتعدى 10% من التكلفة الحالية، وأقولها بصراحة إن تأجيل المشروع ولو سنة واحدة جريمة فى حق الوطن والأجيال المقبلة.
وقال، إنه ليس معنى وقوع حادث يتعلق بأى تكنولوجيا أن أوقف العمل بها.. فحوادث الطائرات لم تدفع العالم لوقف استخدامها، وحوادث المناجم ينتج عنها ضحايا بالعشرات، ومازال العمل بها مستمراً.
وقد ثبت علمياً أن متوسط الجرعة الإشعاعية الناتجة من تشغيل المحطات النووية يقل حوالى 10 آلاف مرة عن متوسط الجرعة التى يتعرض لها الفرد فى البيئة العادية، واحتمال الحوادث يكاد يكون منعدماً، ولكن لو وقعت ماذا نفعل.. هذا هو السؤال.
وشدد، لابد أن نمتلك هذه التكنولوجيا من أجل المستقبل، وإذا لم نفعل فلن نكون قادرين على استيعاب أى تكنولوجيات جديدة ستظهر فى العالم، وهذا المشروع مصدر فخر وطنى، وفوائده الاقتصادية ضخمة للغاية، وإلى جانب توفير البترول والغاز وهما ثروة يجب ألا تهدر ويتم توفيرها للأجيال المقبلة، فالمحطة النووية بها إنشاءات مدنية وتكنولوجية وصمامات وكابلات وطلمبات وخزانات ومواسير وقطاعات كثيرة تستوعب القطاع الصناعى المحلى، وهذا سيعظم قدرة المشاركة المحلية بنسبة ستزيد مع التوسع فى بناء محطات إضافية.
أما عن القرار بالبدء فى المشروع، فأنا لا أرى أن القرار السياسى تأخر صدوره، فنحن نعمل بناء على قرار صدر فعلاً فى عام 1981 بتخصيص موقع الضبعة لإقامة المحطة النووية من أجل المنفعة العامة، وهذا القرار سارى المفعول حتى الآن، وإجراءات تنفيذ المشروع يتم استكمالها حسب الجدول الزمنى وبدون أى مشاكل مطلقاً، ولا يوجد مسؤول فى الدولة قال لا تقتربوا من الضبعة أو أوقفوا المشروع.
كما أنه لا داعى لأسلوب جلد الذات، ويكفى الكوادر التى خسرناها على مدى 30 سنة، ولسنا الآن فى مرحلة تشغيل ولكننا فى مرحلة إعداد الكوادر، وهناك بعثات سافرت إلى روسيا وأخرى سيتم تدريبها فى دول مثل أمريكا وألمانيا وفرنسا وكوريا، بالإضافة إلى أن فترة إنشاء المحطة التى ستستغرق مدة تتراوح بين 5 و6 سنوات سيتم خلالها تدريب الكوادر اللازمة للإنشاء والتشغيل.
وأضاف مشددا، المهم هو أننا نسير فى هذا البرنامج طبقاً للاتفاقيات الدولية التى توفر الثقة والشفافية للمشروع، والبرنامج سلمى بالكامل، ويتم وفق تعاون كامل مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، إذن ما الذى سيجعل أمريكا تقف ضدنا؟ بل إن مصر وقعت ثلاث اتفاقيات مع فرنسا وأمريكا وألمانيا فى الثمانينيات لتورد كل منهما محطتين نوويتين إلى مصر، ووقعنا اتفاقية تعاون نووى مع أمريكا مازالت سارية حتى الآن.
فالوقود النووى من ضمن الاحتياجات المأخوذة فى الاعتبار، وهناك ورقة عمل متكاملة يتم إعدادها تتعلق باستراتيجية دورة الوقود النووى وكيفية التعامل معها لتشغيل المشروع، إلى جانب تأمين الوقود النووى، ومن حكمة الله أن اليورانيوم هو أوفر الخامات فى الأرض على مستوى العالم، ولكن ما يحكم الأمر هو تكلفة استخراجه، والتكنولوجيات القادمة فى المفاعلات مستقبلاً لن تعتمد على اليورانيوم فقط كوقود بل ستعتمد على المواد الناتجة من احتراق اليورانيوم لتكون وقوداً ثانياً فى تشغيل المفاعل، وهيئة المواد النووية فى مصر تقول إن لديها احتياطياً كبيراً، وفى حالة تكامل الدول العربية فيمكنها تحقيق الاكتفاء الذاتى من اليورانيوم. والنقطة المهمة فى هذا الموضوع أن أسعار اليورانيوم ستظل متمتعة بميزة كبيرة عن البترول والغاز حتى لو زادت 100% فلن تزيد تكلفة الكهرباء إلا بنسب بسيطة جداً لن تؤثر على المستهلكين.
وهناك سيناريو يتم إعداده حالياً لتدبير التمويل من خلال أوجه كثيرة منها الدول الموردة التى يمكن أن تعطى قروضاً، أو من البنوك المحلية وصناديق الاستثمار، وهناك استراتيجية موضوعة لهذا الغرض مازالت قيد الدراسة، وسوف يتم إعلانها فى حينه.