بقلم: د. إبراهيم علوش "مراجعة المحرقة: نظرة كونية" جاء عنوان مؤتمر طهران يوم الاثنين في 11/12/2006 بالتزامن مع يوم حقوق الإنسان العالمي.
والجهة الداعية للمؤتمر هي معهد الدراسات السياسية والدولية التابع لوزارة الخارجية الإيرانية. ويتألف المعهد في الواقع من مراكز دراسات مختلفة تعمل تحت سقف مؤسسي واحد يعنى كلٌ منها بأحد جوانب السياسة الخارجية، مثلاً، مركز أوروبا وأمريكا، والمركز القانوني والدولي، مركز آسيا الوسطى والقوقاز، مركز "الشرق الأوسط والخليج الفارسي"، مركز المعلومات والاتصالات، وغيرها من المراكز، ويصدر المركز ثماني دوريات، اثنتان بالإنكليزية، وواحدة بالروسية، وواحدة بالعربية، وأربعة بالفارسية. على سبيل المثال مجلة أموداريا بالإنكليزية المعنية بشؤون آسيا الوسطى والقوقاز..
وينظم المعهد المؤتمرات الدولية بانتظام، وقد أقام حتى الآن ثلاثة عشر مؤتمراً دولياً حول آسيا الوسطى والقوقاز فقط. ويفترض أن يقيم المعهد في 27-28/2/2007 مؤتمراً دولياً بعنوان: "أمريكا اللاتينية: دورها وموقعها في النظام الدولي المستقبلي". وعادة، لا تكون مثل هذه المؤتمرات مغلقة بإحكام، بل تنشر دعوة عامة لتقديم الأوراق على موقع وزارة الخارجية وموقع المعهد على النت، وتجري اتصالات على نطاق عالمي لاستقطاب المشاركين، وهؤلاء ليسوا بالضرورة جماعة منسجمة أيديولوجياً. على سبيل المثال، يشارك في مؤتمر "مراجعة المحرقة" في 11 و12/12/2006 خليطٌ من النازيين الجدد واليساريين والأوروبيين والعرب - وبعض اليهود حتى، على حد زعم بعض التقارير الصحفية التي لم يمكن التأكد منها.
ولا يعني ذلك على الإطلاق أن "الأمور سايبة"، كما يقال بالعامية، ولو افترضنا جدلاً أن المضيفين يرغبون أن يوحوا بذلك. إذ أن مجرد 1) عقد مؤتمر لمراجعة المحرقة، 2) بعد تبني الأممالمتحدة قراراً بالإجماع في 1/11/2005 يدين ويجرم مراجعة المحرقة، و3) حشد عدد كافٍ من المشاركين القادمين من بلدان مختلفة ومن خلفيات أيديولوجية مختلفة - منهم قلة أتت للدفاع عن المحرقة - يعطي المؤتمر مصداقية كافية، ويشكل بحد ذاته نصراً كبيراً للمؤرخين المراجعين المضطهدين في أوروبا خاصةً أيما اضطهاد، وكسراً لحاجز معنوي رهيب مفروض منذ سنوات على مؤتمرات مراجعة المحرقة، في أوروبا وخارجها، كان أخرها مثلاً مؤتمر مراجعة المحرقة الذي منعته حكومة رفيق الحريري في لبنان في 31/3/2001 بعد مطالبة مجموعة من المثقفين العرب بمنعه على صفحات اللوموند الفرنسية في 15/3/2001، كان منهم محمود درويش وإدوار سعيد وإلياس خوري وغيرهم.
إذن المستفيد الأول من عقد المؤتمر هو العلماء والمؤرخون والكتاب والباحثون المراجعون الذين حصلوا على منبر دولي الآن بعد تعرضهم للسجن وقطع الأرزاق والتشهير والتصفية والاعتداءات الجسدية بسبب دراساتهم العلمية والتاريخية التي تكشف زيف أساطير المحرقة المزعومة.
ولكن المحرقة ليست مجرد قضية تاريخية، بل أيديولوجيا، وهي بالتحديد أيديولوجيا الهيمنة اليهودية من مرج ابن عامر في فلسطين إلى مرج البيت الأبيض في واشنطن، أي أن تبني إيران أحمدي نجاد لهذه القضية الآن لا يأتي بالضرورة حرصاً على حرية البحث العلمي، مع كامل التقدير، بل يأتي بصراحة مدروسة جيداً بقصد تحدي المركز الإقليمي المنافس – "إسرائيل".
وهذه القضية "الأكاديمية"-المسيسة، قضية مراجعة المحرقة، تصبح بدورها ورقة لا تقل أهمية عن ورقة المفاعل النووي، بغض النظر عن طريقة استخدامها. فالمحرقة تمثل الهالة المقدسة التي تكلل رأس الكيان والحركة الصهيونية، فإزالة تلك الهالة، ومن ثم دوسها بالأقدام، يمثل المعادل الأيديولوجي للمفاعل النووي الإيراني. أما عقد المؤتمر بمناسبة يوم حقوق الإنسان العالمي فلتسجيل نقطة تكتيكية على الدول الغربية التي كثيراً ما تتشدق بالديموقراطية وحقوق الإنسان والحيوان والباذنجان (أي النبات/البيئة) فيما تمارس أبشع الانتهاكات بحق المؤرخين المراجعين عندها، خاصة في أوروبا وكندا.
وقد كان يفترض أن يعقد مؤتمر مراجعة المحرقة في طهران في بداية صيف عام 2006 ولكن تم تأجيله حسبما قالت مصادر مطلعة بسبب المفاوضات مع الأوروبيين وقتها حول المفاعل النووي!
والسؤال الآن هو كيف سيستعمل الرئيس أحمدي نجاد ورقة مراجعة المحرقة، وهل سيتابعها حتى نهاياتها المنطقية والمبدئية أم لا؟ هل سيتمخض عن المؤتمر مركز لدراسات المحرقة ومجلة تتابع هذا الموضوع بشكل منهجي، أم أن هذا المؤتمر سيكون مجرد هبةً موسمية ذات بعد وتوظيف إعلامي عابر؟
النقطة الأخرى هي أن عدداً من المؤرخين المراجعين يرتبطون بنزعات نازية أو نازية جديدة، دون أن يكون كل المؤرخين المراجعين كذلك طبعاً، وهؤلاء ما زالوا لم يخرجوا من عقلية الحرب العالمية الثانية، وما زالوا يعتبرون عدوهم الأساسي الاتحاد السوفياتي. وهذا التوجه يضر بقضية المراجعة التاريخية كثيراً في الوقت الذي تعود فيه روسيا لاعباً أساسياً على المسرح الدولي وتفيض مشاعر أهلها بالعداء للصهيونية والهيمنة اليهودية! في الواقع، لاحظنا من الدعوات عدم وجود عدد كافٍ من المندوبين الروس في المؤتمر للأسف.
أخيراً، بغض النظر عن كل مشاعر الدعم والتأييد لعقد مؤتمر مراجعة المحرقة في طهران، وكان الأولى أن تتصدى لهذه المهمة دولة عربية أصلاً، لولا الجبن والذلة، فإن ذلك لا يقلل من خطورة السياسة الإيرانية في العراق، وهذه نقطة لا بد من ذكرها لآن مصداقية إيران في مواجهة المركز الإقليمي الصهيوني ستبقى ناقصة دوماً ما دامت السياسة الإيرانية هكذا في العراق.