في الوقت الذي يفكر فيه مصريون في نهاية لحكم الرئيس حسني مبارك المستمر منذ 30 عاما يريد جيران مصر وحلفاؤها الغربيون استمراره ويتوقعونه في دولة تعد مثالا للاعتدال في الشرق الأوسط. فاستمرار حكم مبارك بالنسبة للقوى الغربية مثل الولاياتالمتحدة التي تسعى الى إنهاء الصراع الفلسطيني الاسرائيلي المستمر منذ عقود يعني ضمان أن تظل مصر صوتا للاعتدال الدبلوماسي ودعامة في مواجهة انتشار التشدد الإسلامي.
وبالنسبة لزعماء منطقة الشرق الأوسط التي يفتقر الحكم فيها للشفافية ويندر التسامح مع المعارضة ربما كان تولي مبارك الحكم لولاية أخرى او فوز خلف له يختاره بنفسه أمرا محبذا نظرا لقلقهم من أن أي انفتاح ديمقراطي في مصر قد يفرض تغييرا في الداخل.
قال هاني صبرا المحلل بمجموعة يوراسيا في نيويورك "تتطلع دول المنطقة الى مصر وتقول.. حسنا. مبارك حقق الاستقرار. هذا هو ما يريدون رؤيته: الاستمرارية".
وتتصاعد التكهنات بشأن ما اذا كان مبارك (82 عاما) القائد الجوي السابق الذي تثور تساؤلات حول حالته الصحية بعد إجراء جراحة له مؤخرا سيكون في حالة تسمح له بخوض انتخابات عام 2011 .
وإذا تنحى فإن ابنه جمال او اي مرشح آخر من قبل المؤسسة سيضمن الفوز فعليا في دولة طالما واجهت انتقادات للجوئها لأساليب استبدادية لسحق المعارضة وخنق الديمقراطية حتى اذا كان هناك تحد من المدير العام السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية محمد البرادعي او اي مرشح مستقل غيره.
وقال عماد جاد من مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية "النخبة السياسية في الدول العربية لا تريد نشر قيم الديمقراطية لأنها تعلم جيدا أن الديمقراطية تمثل خطرا شديدا على مصالحها في مصر وبقية أنحاء العالم العربي".
وتابع قائلا "هذا لأن الديمقراطية تعني التغيير وحقوق الانسان والمساءلة والشفافية".
ويقول منتقدون لحكم مبارك الذي تولى السلطة عام 1981، بعد اغتيال الرئيس انور السادات، إنه أنشأ نظاما حافظ على وجود حزبه الوطني في الحكم وإنه ألقى المعارضين في السجن بالآلاف.
ودفع ظهور البرادعي كمنافس محتمل بعض المعارضين الى الخروج للشوارع لكن من غير المرجح أن ينجح في تغيير النظام الانتخابي بحيث يمكنه الترشح في الانتخابات. ولا تعتزم جماعة الاخوان المسلمين المحظورة في مصر رسميا رغم أنها اكبر جماعة معارضة تقديم مرشح وتشكو من أن النظام متحفز ضدها.
ويحذر البعض من أن الاستقرار الموعود المتمثل في استمرار حكم مبارك سيكون له ثمن إذ ربما يذكي الدعم لجماعات إسلامية متشددة مثل تلك التي شنت هجمات دموية في التسعينات حين سعت الى إقامة دولة إسلامية بمصر.
وقال المحلل السياسي نبيل عبد الفتاح 'الاستمرارية بدون إصلاح قانوني وسياسي ودستوري ستؤدي الى المزيد من إحكام السيطرة على الحكم ... والمزيد من المواجهة الاجتماعية والسياسية'.
ولم تعد مصر تتمتع بزعامة المنطقة التي كانت تتمتع بها في الخمسينات والستينات بل إن عليها الآن في بعض الأحيان أن تتنافس على النفوذ مع دول خليجية منتجة للنفط والغاز مثل قطر التي لا تمثل الا جزءا صغيرا من مساحتها.
لكن موقع مصر بين الشرق الأوسط وشمال افريقيا وحجمها - إذ أن هناك مصريا بين كل أربعة عرب - وعلاقاتها باسرائيل والغرب تعني أنها تحتفظ بأهمية رمزية ونفوذ سياسي بالمنطقة.
قال رشيد حمد الحمد سفير الكويت التي تتمتع بعلاقات وثيقة مع مصر منذ أرسل مبارك آلاف الجنود للمساعدة في الدفاع عنها حين احتلها العراق في عهد الرئيس الراحل صدام حسين عام 1991 "لا أحد يستطيع القيام بهذه الأمور سوى مصر".
وأضاف "اذا كان سيحدث تغيير فإن الكويت تتطلع دائما للاستقرار هناك أيضا لذا لن يحدث تغيير في نوعية النظام القائم او الظروف الحالية".
وقال خالد الدخيل المحلل بالمملكة العربية السعودية إن دولا مثل المملكة تود أن تظل مصر شريكا له نفوذ في أولوياتها بالمنطقة كلبنان والفلسطينيين.
وأضاف أن السعودية تريد زعيما "حساسا ومعتدلا في الحديث عن العلاقة مع الغرب... هناك دائما خلافات بين الدول العربية. الأهم هو كيفية التعامل مع تلك الخلافات". واستمرار العنف بالعراق يذكر بالمخاطر التي تصاحب التغيير السياسي المفاجئ مما يجعل استقرار مصر وأمنها الهم الأكبر للجيران مثل ليبيا.
وقال مصطفى الفيتوري المحلل السياسي والاستاذ الجامعي المقيم في طرابلس "المهم بالنسبة لليبيا أن يجري اي تغيير في مصر سلميا". والسؤال الآخر هو كيف سيتعامل أي زعيم مصري جديد مع علاقة مصر المعقدة بالصهاينة.
فمصر تتوسط بين الفلسطينيين والصهاينة منذ توقيع معاهدة السلام بينها وبين الدولة الصهيونية عام 1979، لكنها تندد دوما بمعاملة الصهاينة للفلسطينيين بينما هي تدرأ عن نفسها انتقادات الجماهير العربية التي تتهمها بأنها تأخذ صف الصهاينة في فرض الحصار على غزة.
وقال ادوارد جرجيان الذي عمل سفيرا للولايات المتحدة لدى سورية والدولة الصهيونية "إن اسرائيل تعتبر مبارك (ميزة تكتيكية) بعد تعامل دام لثلاثة عقود" وأضاف "من تعرفه افضل ممن لا تعرفه".
وقال مسئول صهيوني بارز طلب عدم نشر اسمه "هناك تقدير عظيم في اسرائيل للرئيس مبارك والسياسات التي يعلنها ويتبعها لتشجيع عملية السلام والاستقرار بالمنطقة".
واحتلت مصر على مدى عقود المركز الثاني بين الدول التي تتلقى المعونة الأمريكية وهي علامة على الدور الرئيسي الذي تلعبه في جهود الولاياتالمتحدة لتحسين العلاقات بين العرب والصهاينة والتصدي لتيار التشدد الإسلامي.
وبعد أن أثارت إدارة الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش غضب مصر بالضغط من أجل الإصلاح الديمقراطي يبدو الرئيس الحالي باراك أوباما حريصا على توازن العلاقات مع مصر فيما يواجه تحديات اكثر إلحاحا في العراق وأفغانستان.