دعا قادة من الأقلية المسلمة بألمانيا الكنيسة إلى تبني حوار حقيقي مع المسلمين، رافضين القيود التي يفرضها رجال الكنيسة لإجراء حوار بشروط مسبقة. واستنكرت قيادات إسلامية بارزة مطالب أحد الأساقفة بالفصل بين الأطفال المسيحيين وغيرهم في الاحتفالات الدينية بالمدارس، واصفة ذلك بأنه خطوة إلى الوراء على طريق حوار الأديان. جاء ذلك في الوقت الذي حذرت فيه دراسة حديثة من تنامي رفض الرأي العام الألماني للإسلام، خاصة ما يتردد حول الربط بين الإسلام والعنف في البرلمان الألماني، وما تنقله التقارير الإعلامية من صور مشوّهة للإسلام. الانفتاح على الآخر وقال "علي كيزلكايا" رئيس المجلس الإسلامي بألمانيا في لقاء أجرته معه وكالة الأنباء الألمانية الأحد 10-12-2006: إنه يجب أن يبدي رجال الدين المسيحي في ألمانيا مزيدًا من الاستعداد والانفتاح تجاه "حوار حقيقي مع ممثلي الديانة الإسلامية"، مشيرًا إلى عدم وجود بديل آخر سوى الحوار المفتوح غير المشروط. ومن جهة أخرى استنكر المجلس الأعلى للمسلمين بألمانيا ما دعا إليه الكاردينال الألماني "يواخيم مايزنر" من ضرورة منع الاحتفالات المشتركة بالمناسبات الدينية بين الأطفال المسيحيين وغيرهم. وقال مايزنر في تصريحات لصحيفة "بيلد" الألمانية في عددها الصادر الجمعة 8-12-2006: "إنه لا يمكن لمعتنقي الديانتين المسيحية والإسلام أداء صلاة مشتركة في احتفال ديني، إلا أنه يمكن لكل منهما تأدية صلاته منفردًا في نفس المكان". وأضاف: "إننا كناضجين نظل صامتين إذا ما صلى المسلمون في المسجد، كما أنهم يصمتون إذا ما صلينا نحن، أما الأطفال فلا يمكنهم الالتزام بهذه الأصول؛ لأنهم لا يفهمونها". وتابع مايزنر: "حتى يعرف الأطفال عقيدتهم دون خلط، يجب ألا يوضعوا في موقف لا يستطيعون التمييز فيه بين عقيدتهم وعقيدة الآخرين". وتعقيبًا على تصريحات مايزنر قال المتحدث الإعلامي باسم المجلس منير عزاوي: "إننا كمسلمين أيضًا نعارض الخلط بين المسيحية والإسلام فيما يتعلق بأداء الشعائر، ولكن المنع الشامل الذي يصل إلى منع الاحتفال المشترك بالمناسبات الدينية يُعَدّ خطوة للوراء". وقال: "يجب أن يصدر توضيح من جانب مؤتمر الأساقفة الألمان تجاه دعوة الكاردينال مايزنر، فما ذهب إليه مايزنر يتعارض مع البنود الأساسية التي دعا إليها المؤتمر، خاصة فيما يتعلق بالاحتفالات متعددة الأديان". ومن جهته استنكر بكير ألبوجا مسئول شئون الحوار بمؤسسة "ديتيب" التركية بألمانيا منع الأطفال من الاحتفال المشترك بالمدارس، منوهًا إلى أن المشاركة تعطي معنى للحوار متعدد الأديان، وتسهم في تحقيق اندماج ناجح، بل تنمي روحًا طيبة من التواصل بين التلاميذ من مختلف الأديان. ومن ناحية أخرى أصدر مجلس الكنائس البروتستانتية بألمانيا مؤخرًا ورقة بحثية في 124 صفحة حول الإسلام وسبل الحوار مع المسلمين بألمانيا، تحت عنوان "الوضوح والجيرة الحسنة.. الفرص والنزاعات بين المسلمين والمسيحيين". وتُعَدّ هذه الورقة نسخة معدلة لدعوة الحوار مع الإسلام التي تبنتها الكنيسة البروتستانتية بألمانيا عام 2000، إلا أن الدعوة المعدلة نحت منحى سلبيًّا، متسائلة عن وضع المرأة في الإسلام، وتأييد الإسلام للعنف القائم على خلفيات دينية. الحجاب وانتقدت الورقة البحثية حجاب المعلمات المسلمات بالمدارس الحكومية، وشكّك الأسقف فولفجانج هوبر رئيس مجلس الكنائس البروتستانتية في مدى ملاءمة الحجاب مع مهنة التدريس. وألمح هوبر إلى نظرته السلبية تجاه الإسلام قائلاً: "الكنيسة تؤمن بأحقية المسلمين في العقيدة والإيمان، ولكن هذا الحق لا يبرر عدم احترام الآخرين والدعوة إلى التهديد والعنف، ووضع حقوق الإنسان محل تساؤل". وانتقدت الورقة ما وصفته بإساءة معاملة المرأة المسلمة من قبل بعض من يجدون في العادات والدين مبررًا لقهر المرأة. واعتبرت الورقة أن معارضة نقد الدين وصمة يجب التخلص منها، مشيرة إلى أن "الجماعات الإسلامية التي ترى في النقد تهجمًا يتعارض مع المعتقد يجب أن تغير من نفسها وتطور فكرها، خاصة أن الحوارات القائمة حاليًّا تثبت صعوبة تقبل المسلمين للنظام الديمقراطي". وقالت الورقة: "ليس كافيًا عرض رسالة السلام التي يمثلها الدين الإسلامي، بل يجب أن يتبين أن التنازل عن العنف من أسس الإسلام، ويجب على المسلمين إبداء الاستعداد للعمل مع المسيحيين على إحلال السلام في العالم". فقدان الثقة ووصف كيزلكايا ما ورد في الورقة الكنسية بأنه يعبر عن حالة من فقدان الثقة، قائلاً: "إن الكنيسة لا تلتزم موقفًا إيجابيًّا فيما يتعلق بالحوار مع الإسلام، مما يصعب عملية الحوار بالرغم من الإشارات الإيجابية التي أطلقها بابا الفاتيكان أثناء زيارته لتركيا". وتابع كيزلكايا: "يسعدني أن تتأسى الكنيسة في ألمانيا بنموذج البابا، فالتعارف بين الأديان يجب أن يتم بصورة أفضل". وعلى صعيد آخر أظهرت الدراسة التي أعدها معهد الدراسات التركية بمدينة إيسن الألمانية، ونشرت الصحف الألمانية مقتطفات منها، إلى تخوف الشارع الألماني من الإسلام؛ بسبب الربط الدائم في وسائل الإعلام بين الإسلام والإرهاب، خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 في الولاياتالمتحدة الأمريكي.