نقيب الأطباء يوضح سبب قرار عدم الاعتراف بشهادة «الدراسات العليا للطفولة» وإلغاءه (تفاصيل)    سعر اليورو اليوم الجمعة 7-6-2024 أمام الجنيه فى البنوك المصرية    وزير المالية: التأمين الصحي الشامل يجذب القطاع الخاص ويشجع التنافسية    وزير النقل يعقد سلسلة لقاءات على هامش اجتماع تجمع دول البريكس في روسيا    الأمم المتحدة تعتزم إدراج إسرائيل في "قائمة العار"    صباح الكورة.. تفاصيل إصابة إمام عاشور وأرقام تاريخية لمنتخب مصر.. حسم جدل الأندية المشاركة إفريقيا وبديل صلاح في ليفربول    ضياء السيد: حسام حسن غير طريقة لعب منتخب مصر لرغبته في إشراك كل النجوم    9 دول إسلامية خالفت السعودية في رؤية هلال ذي الحجة    صحة الوادي الجديد تشن حملات في مركز الفرافرة وتحرر محاضر للمخالفين    رئيس بعثة الحج: انتهاء تفويج الحجاج من القاهرة إلى المدينة المنورة    السيطرة على حريق «محل أدوات منزلية» بالشرقية (تفاصيل)    إطلالة جريئة ل حلا شيحة في «زفاف جميلة عوض».. وأحمد سعد: «عاملين بلاوي» (صور)    القاهرة الإخبارية: بلينكن يسعى خلال زيارته لإسرائيل للتوصل لاتفاق تهدئة بغزة    زيلينسكي: الحرب الروسية ضد أوكرانيا تمثل نقطة تحول في تاريخ أوروبا    مبادرة كلنا واحد توجه قافلة إنسانية وطبية للبحيرة    هشام آمنة: تنفيذ 5130 مشروعا ضمن برنامج التنمية المحلية بصعيد مصر    محافظ أسوان: طرح كميات من الخراف والعجول البلدية بأسعار مناسبة بمقر الإرشاد الزراعي    التعليم العالي: إدراج 15 جامعة مصرية في تصنيف QS العالمي لعام 2025    ذا جارديان: "حزب العمال البريطانى" قد يعلن قريبا الاعتراف بدولة فلسطينية    خلاف داخل الناتو بشأن تسمية مشروع دعم جديد لأوكرانيا    إصابة 7 أشخاص إثر انقلاب ميكروباص بالطريق الدائري بالقليوبية    تعليم البحر الأحمر تنهي استعداداتها لامتحانات الثانوية العامة    الموقع الرسمي ل نتيجة الشهادة الإعدادية محافظة القليوبية 2024 الترم الثاني (تظهر خلال ساعات)    ماكرون يرحب بزيلينسكي في قصر الإليزيه    المتحدة للخدمات الإعلامية تعلن تضامنها الكامل مع الإعلامية قصواء الخلالي    واشنطن تطالب إسرائيل بالشفافية عقب غارة على مدرسة الأونروا    خالد جلال ناعيًا محمد لبيب: ترك أثرًا طيبًا    سلوى عثمان تكشف مواقف تعرضت لها مع عادل إمام    تعرف على فضل صيام التسعة أيام الأوائل من ذي الحجة    صيام العشر الأول من ذي الحجة 2024.. حكمها وفضلها والأعمال المستحبة بها    قافلة طبية مجانية بقرى النهضة وعائشة في الوادي الجديد    رئيس «الرقابة والاعتماد»: معايير الجودة تؤسس لنظام صحي تقل فيه الأخطاء الطبية    مداهمات واقتحامات ليلية من الاحتلال الإسرائيلي لمختلف مناطق الضفة الغربية    توقعات الأبراج اليوم الجمعة 7 يونيو 2024.. ترقيه جديدة ل«الحمل» و«السرطان»يستقبل مولودًا جديدًا    مرسى جميل عزيز l ملك الحروف .. و موسيقار الكلمات    خبراء عسكريون: الجمهورية الجديدة حاربت الإرهاب فكريًا وعسكريًا ونجحت فى مشروعات التنمية الشاملة    الإسكان: تم وجارٍ تنفيذ 11 مشروعًا لمياه الشرب وصرف صحى الحضر لخدمة أهالى محافظة مطروح    صباحك أوروبي.. قانون جديد في بريميرليج.. تدعيمات برشلونة.. ورسالة الخليفي    ارتفاع حجم التجارة الخارجية للصين بواقع 6.3% في أول 5 أشهر من 2024    منتخب السودان يتصدر مجموعة تصفيات كأس العالم على حساب السنغال    الأخضر بكامِ ؟.. سعر الدولار أمام الجنيه المصري في تعاملات اليوم الجمعة 7 يونيو 2024    تفشي سلالة من إنفلونزا الطيور في مزرعة دواجن خامسة بأستراليا    افتتاح المهرجان الختامي لفرق الأقاليم ال46 بمسرح السامر بالعجوزة غدًا    مفاجأة.. دولة عربية تعلن إجازة عيد الأضحى يومين فقط    الأوقاف تفتتح 25 مساجد.. اليوم الجمعة    رغم الفوز.. نبيل الحلفاوي ينتقد مبارة مصر وبوركينا فاسو .. ماذا قال؟    الصيادلة: الدواء المصري حتى بعد الزيادة الأرخص في العالم    ما قانونية المكالمات الهاتفية لشركات التسويق العقاري؟ خبير يجيب (فيديو)    أمين الفتوى: إعداد الزوجة للطعام فضل منها وليس واجبا    «صلاة الجمعة».. مواقيت الصلاة اليوم في محافظات مصر    مجلس الزمالك يلبي طلب الطفل الفلسطيني خليل سامح    عيد الأضحى 2024| أحكام الأضحية في 17 سؤال    ساتر لجميع جسدها.. الإفتاء توضح الزي الشرعي للمرأة أثناء الحج    غانا تعاقب مالي في الوقت القاتل بتصفيات كأس العالم 2026    حظ عاثر للأهلي.. إصابة ثنائي دولي في ساعات    إبراهيم حسن: الحكم تحامل على المنتخب واطمئنان اللاعبين سبب تراجع المستوى    في عيد تأسيسها الأول.. الأنبا مرقس يكرس إيبارشية القوصية لقلب يسوع الأقدس    بمكون سحري وفي دقيقة واحدة .. طريقة تنظيف الممبار استعدادًا ل عيد الأضحى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



طالبان أفغانستان.. لغز اختفاء الزعيم وتحديات ما بعد الرحيل
نشر في الشعب يوم 31 - 08 - 2015

تتحدث الورقة عن فترة قيادة الملا محمد عمر مؤسِّس حركة طالبان أفغانستان، الذي أُعلنت وفاته أواخر يوليو الماضي، بينما تشير التقارير الخاصة ومعلومات الكاتب إلى وفاته قبل عامين ونصف العام داخل أفغانستان، وهو ما يشكِّل لُغزًا بحاجة إلى تفكيكٍ؛ لمعرفة كيف قاد الملا عمر الحركة خلال سنوات اختفائه الممتدة لاثني عشر عامًا في ظل تعقُّب عالمي استخباراتي غير مسبوق؟ وكيف فشل العالم في معرفة زمن وفاته إلا بعد عامين ونصف العام؟ وتَسْبُر الورقة من خلال لقاءات مع مصادر طالبانية خاصة فضَّلتْ حجب هويتها، كيف تواصل الملا عمر من مخبئه مع قيادات الحركة السياسيين والعسكريين خلال تلك الفترة.
وترصد سيناريوهات ما بعد الرحيل وإمكانية بقاء الحركة موحَّدة، كما حصل بالنسبة لتنظيم القاعدة بعد رحيل زعيمه ومؤسِّسه أسامة بن لادن، وانعكاسات ذلك على الوضع المحلي الأفغاني والإقليمي، وتحديدًا باكستان، ثم تداعياته على الوضع الدولي.
نجحت حركة طالبان أفغانستان خلال عامين ونصف تقريبًا في خداع العالم كله بإخفاء قصة وفاة زعيمها الملا محمد عمر، الذي ظل متواريًا عن أعين العالم كله ومخابراته لاثني عشر عامًا، وبقدر نجاح الحركة الأفغانية الطالبانية في إخفاء سرٍّ كان ثمنه عشرات الملايين من الدولارات أو أكثر، نجحت في قيادة سفينة الحركة خلال هذه الفترة الانتقالية الحرجة المتزامنة مع انسحاب قوات أكثر من 38 دولة جاءت لخلعها من السلطة عام 2001، ونجحت لاحقًا في انتخاب زعيم جديد للحركة هو الملا أختر محمد منصور، الذي أثبت سريعًا قدرته على لملمة جراح الحركة والتعافي السريع من خبر وفاة الملا.
خبر الوفاة قبل عامين ونصف تقريبًا أكَّدته للمؤلف عِدَّة مصادر طالبانية رفيعة، وتحدثت عنه الاستخبارات الأفغانية، إضافة إلى وثائق نشرتها صحيفة الإندبندنت البريطانية، وهي عبارة عن رسائل سرية لطالبان تعود إلى تسعة أشهر من موعد الوفاة، وتتحدث عن وفاة الملا عمر.
كيف قاد الملا عمر حركته من مخبئه؟
من أكبر العوامل التي ساعدت على قيادة الملا محمد عمر حركة طالبان الأفغانية في سنوات غيابه هو حالة الاستقرار بالنسبة للمقاتلين في سنوات حضوره أو غيابه؛ فالغالبية العظمى منهم لم تره شخصيًّا، كما لم يروا صورته، حيث كانت الصورة الوحيدة التي التقطت له جانبيَّة حين مبايعة العلماء له عام 1996 بوصفه أميرًا للمؤمنين؛ ولذلك ظلَّ الملا عمر يدير الحركة بقوة الدفع التي اكتسبها خلال ذروة صعود الحركة ونجاحاتها العسكرية المتلاحقة والسريعة، وفترة حكمها. ويؤكِّد كل من التقينا بهم من قيادات الحركة الفاعلين والمقرّبين من الملا أنه لم يخرج طوال هذه السنوات من أفغانستان، وقد أقسم على عدم الخروج، ورغم معاناته من مرض الموت إلا أنه أصرَّ على البقاء في الداخل والدفن في داخل أفغانستان، وينقل أحدهم للكاتب قَوْلة الملا المشهورة: "لن أورِّث طالبان شيئًا يخجلون منه في المستقبل". ووفقًا لقادة طالبان آخرين التقى بهم الكاتب، فإن الملا كان يُرسِل رسائله الصوتية التوجيهية للحركة ولمجلس شوراها القيادي أو لنائبه أختر محمد منصور طوال فترة غيابه من خلال مِرْسال خاص، بالمقابل كان الأخير ينقل له أخبار الحركة والواقع على الأرض؛ ليبني مواقفه وآراءه وسياساته.
ووفقًا لقيادي طالباني أفغاني تحدَّث للكاتب مفضِّلًا حجب هويته، فإن السبب الرئيسي لعدم الإعلان عن وفاة الملا عمر في وقتها هو تزامنها مع انسحاب القوات الدولية من أفغانستان، وقد كان مجرد الإعلان يهدِّد بالتأثير معنويًّا على مقاتلي الحركة، قد تستغلُّه قوات التحالف الدولي في توجيه ضربات عسكرية قاصمة للحركة؛ ولذا فضَّلتْ قيادات الحركة إخفاء الخبر بعد أن اجتمعت يومها على انتخاب أختر محمد منصور الذي كان نائبًا للملا عمر طوال فترة غيابه.
إعلان الوفاة: الأسباب والتداعيات الداخلية والخارجية
أوَّل من تحدث عن وفاة الملا محمد عمر صفحة "فدائيان محاذ" على الفيس بوك، وهي تابعة للقائد نجيب الله المقرَّب من منصور داد الله شقيق القائد العسكري للحركة سابقًا داد الله، وهي مجموعة مخالفة لحركة طالبان أفغانستان، وتحدَّت الحركة على صفحتها أن يظهر الملا عمر، وتبع ذلك تسريبات رئيس اللجنة العسكرية السابق للحركة عبد القيوم ذاكر.
ووفقًا لصحيفة النيويورك تايمز فقد تم التقاط بعض المكالمات والرسائل والإشارات بين قيادات طالبانية تتحدث عن غياب الملا محمد عمر عن الساحة، وكان مدير المخابرات المركزية الأميركية ليون بانيتا قد أبلغ الرئيس الباكستاني آصف زرداري عام 2011 أن معلومات الأجهزة الأميركية تفيد بأن الملا عمر مريض ويعالج في مشفى آغا خان بكراتشي، وهو ما نفته باكستان للمبعوث الأميركي في حينه.
ويشرح ميلت بريدن مدير عمليات السي آي إيه في باكستان وأفغانستان سابقًا، خلفية الفشل في معرفة خبر الوفاة لعامين ونصف العام بقوله: إن "هناك قضية أخرى غير صعوبة جمع المعلومات في تلك البقعة من العالم، والقضية أن الحقيقة مغلَّفة بسياقات، ولها أجندات مختلفة، ولا نفهم منها شيئًا". ومما يلفت النظر إعلان الحكومة الأفغانية عن طريق المتحدث الرسمي باسم جهاز مخابراتها، خبر الوفاة قبل يومين فقط من الجولة الثانية من المحادثات المقررة بينها وبين طالبان في إسلام آباد، وهو ما تسبَّب في تأجيل طالبان للمحادثات، أعقبه تصعيد عسكري طالباني استهدف مواقع عسكرية أفغانية كان من بينها مبنى المخابرات الأفغانية الذي أعلن خبر الوفاة. وأدت الهجمات إلى سقوط أكثر من 57 قتيلًا وأكثر من 300 جريح. وقد ألمحت الخبيرة البريطانية للشؤون الأفغانية ليز دوسيت -التي غطَّت الجهاد الأفغاني وما بعده لفترة طويلة، والمذيعة حاليًا في البي بي سي- إلى أن الإعلان جاء بضغوط من المعسكر المعادي للتقارب مع باكستان.
إنَّ إعلان وفاة الملا عمر من كابول يدعم معسكر الصقور في كلا الطرفين، ويقلِّص فرص نجاح المفاوضات، فقد أراد الأمير الجديد من وراء التصعيد العسكري الطالباني الأخير تأكيد قوته على الأرض أولًا، وحشد الحركة خلفه ثانيًا، وهو ما أفقد الحكومة الأفغانية أو أمراء الحرب السابقين المبادرة في إضعاف الحركة والاستفادة من غياب الملا عمر وحالة الفوضى التي توقَّعوا وقوع الحركة فيها، فقد سارع بعض أمراء الحرب الشماليين السابقين لتوحيد صفوفهم وتحديدًا الزعيم الأوزبكي عبد الرشيد دوستم، والقائد الطاجيكي الميداني عطا محمد لتوحيد جهودهما في الشمال؛ قصد توجيه ضربة لمقاتلي الحركة، ومنعهم من اختراق الشمال غير البشتوني.
طالبان الجديدة والإشكالات المتوقَّعة
ستظل العلاقة مع تنظيم القاعدة الإشكالية الأهم لحركة طالبان، وهي التي طَبَعتْ مسيرتها وربما تؤثِّر عليها في المرحلة المقبلة، فقد تحدَّتْ بسببها العالم، وكانت سببًا لخلعها من السلطة. وقد حسم المسألة أختر منصور أخيرًا بقبوله بيعة الزعيم الحالي للقاعدة أيمن الظواهري، وهو قرار فاجأ الكثير من المتابعين، لكون ذلك يُحرِج الحركة عالميًّا، ويحرج باكستان المقرَّبة من الحركة، في حين سعت الحركة طوال الفترة الماضية إلى النأي عن القاعدة، إذ الطرفان يحتاج كل منهما إلى الآخر.
ويؤكِّد أيمن الظواهري من خلال البيعة على مرجعية تاريخية، تتمثَّل في كون أمير المؤمنين من طالبان وليس البغدادي، في حين يحتاج أختر منصور للبيعة لينزع الشرعية عن تنظيم الدولة الذي بدأ يشقُّ طريقه في أفغانستان على حساب طالبان، وإن كان قد تراجع في الأسابيع الأخيرة. وبهذه البيعة يضمن منصور أمام مقاتلي الحركة أنه أمين وضامن إرث الملا عمر في حماية ابن لادن والقاعدة.
يدرك الأمير الجديد أن رصيد وأتباع تنظيم الدولة مستند إلى العنصر القتالي المهاجر، ولسحب البساط من تحت قدميه يتحتَّم أن يعزِّز أختر منصور علاقته مع القاعدة، وربما لاحقًا مع الجماعات الإسلامية الأوزبكية والتركمانية والطالبانية الباكستانية، حيث تتمثَّل الأولوية بالنسبة إليه في ترتيب أوراق الداخل وليس في المفاوضات، أو إقناع العالم الآخر بمرونته واعتداله.
وتدرك القاعدة وطالبان أن زخم القاعدة العالمي وتأثيره في السياسة الدولية واهتمام الأخيرة به، لم يعُدْ كما كان عليه الأمر قبل سنوات، إذ اختطف تنظيم الدولة راية "إرهاب وإرعاب العالم الآن"، ولم تعُدْ ورقة القاعدة في يد طالبان مهمَّة ومغرية لجذب الغرب في التعامل والتعاطي معها.
زاد تعيين أختر منصور لسراج الدين حقاني نائبًا له من مصاعب الحركة والباكستانيين مع الأمريكيين الذين ينظرون إلى شبكة حقاني على أنها إرهابية، وقد جاء الرد الأميركي على ذلك بشكل مباشر باتهام باكستان بأنها لم تفعل ما يكفي لملاحقة شبكة حقاني.
تنتظر طالبان إشكالية أخرى تتمثل في مدى قدرة أختر منصور على ملء فراغ الملا محمد عمر، حيث يعتمد تعزيز ذلك على عامليْن اثنيْن:
أولًا: قدرته على التعافي من الانقسامات الداخلية الطالبانية، وذلك بخلاف تقييمها فيما إذا كانت مؤثرة أم لا؟ وتتمثَّل القوة الرئيسية المُعارِضة للملا أختر في مولوي عبد الرزاق، وهو وزير الدفاع السابق، ومعه منصور داد الله شقيق المسؤول العسكري الراحل داد الله، ومعتصم آغا جان وزير المالية السابق قبل خلع حكومة الحركة من السلطة، إضافة إلى عبد المنَّان شقيق الملا عمر، حيث يتمتَّع هذا المعسكر بنفوذ عسكري على الأرض. أمَّا العامل الثاني لقوَّة وزعامة منصور فيتمثَّل في قدرته على التعاطي مع تنظيم الدولة، وإن كانت المؤشرات تشير إلى تراجعه في معاقله بننجرهار شرقي أفغانستان، وانعزاله في مديريتين أو ثلاث مديريات، بعد أن كان تواجده في أكثر من عشر مديريات.
تمثِّل العلاقة مع باكستان والقوى الإقليمية والدولية إحدى الإشكاليات الأساسية للحركة، فقد أوقفت طالبان أفغانستان المفاوضات برعاية باكستان، ونقلت مهام اللجنة السياسية بالكامل إلى مكتب الدوحة الذي يترأَّسه شير عباس ستانكزي بعد أن استقال محمد طيب آغا من منصبه، وهو ما سيُخفِّف الضغوط الباكستانية على الحركة، ويُضعِف الورقة الطالبانية بيد المفاوض الباكستاني؛ ولذا فإن قراءة الموقف الأميركي والهندي والإيراني في ما يتعلق بباكستان يُظهِر خيطًا جامعًا في الآونة الأخيرة، وهو الضغط عليها بذريعة مكافحة "الإرهاب والتطرف والطائفية"، ويخدم كل واحد منها إحدى هذه الدول، وقد يخدم الثلاثة مجتمعين.
سيناريوهات ما بعد الملا عمر
يصعب الجزم بسيناريو محدَّد لما بعد مرحلة الملا محمد عمر، فلا تزال تمثل طالبان لُغْزًا للكثيرين، سواء من حيث نشأتها أو من حيث إدارتها قبل وأثناء وبعد غياب الملا محمد عمر، وهو ما يجعل التكهُّن بالمستقبل صعبًا للباحثين والمتخصصين، لاسيما أن الحركة مُقِلّة في تصريحاتها ولقاءات مسؤوليها مع وسائل الإعلام، لكن من خلال المتابعة الحثيثة للحركة واللقاءات الخاصة مع قادتها يمكن رسم ثلاثة سيناريوهات محتملة لمستقبل الحركة في مرحلة ما بعد الملا محمد عمر.
السيناريو الأول: استمرار الحركة في سياستها التقليدية المحافظة تحت قيادة الملا أختر محمد منصور، ويعزِّز هذا السيناريو قيادة منصور للحركة طوال السنوات الماضية من غياب الملا محمد عمر، فهو الأخبر والأعرف بالحركة وتعرُّجاتها ومشاكلها، باعتباره المتعامِل اليومي مع الحركة منذ عام 2001، ويعزِّز ذلك بيعة علماء الحركة وقادتها له، حيث لم يُبدِ أي قائد عسكري أو جبهة عسكرية معارضتها لهذه البيعة. ولعلَّ بيعة الظواهري لمنصور تشير إلى قوَّته وسطوته، وبدون ذلك ما أقدم على مبايعة الحصان الخاسر.
وبعد مرور أكثر من شهر على إعلان خبر وفاة الملا عمر لم يقدِّم المعارضون لإمارته ما يشير إلى قوتهم السياسية أو العسكرية أو الشعبية، وواصل منصور كسب قلوب وعقول أتباع الحركة بوقفه المحادثات والمفاوضات مع الحكومة الأفغانية، وتنفيذه عدة عمليات عسكرية أوقعت عشرات القتلى وأكثر من 300 جريح مستهدفة مراكز عسكرية حيوية في كابول؛ وذلك لإثبات قوته وتحكُّمه بالمقاتلين على الأرض، وكانت المفاجأة أخيرًا بتلقِّيه بيعة رئيس الجامعة الحقانية مولانا سميع الحق، وهي مسألة شرعية مهمة للأمير الجديد.
السيناريو الثاني: يتمثل في إمكانية تشظِّي الحركة الطالبانية، حيث تمتلك الشخصيات المعارضة لمنصور دعمًا ماليًّا وعلاقات خارجية، إضافة إلى أن سحب صلاحيات اللجنة السياسية الطالبانية لصالح مكتب الحركة في الدوحة سيُضاعِف من الضغوط الباكستانية عليها لصالح المعارضين، وهو ما قد يدفع باكستان إلى الانحياز للمعارضين، وتقديمهم على أنهم الحركة الشرعية والمخوّلة بالتفاوض مع الحكومة الأفغانية والخارج بشكل عام.
قد يدعم ما حدث لتنظيم القاعدة وحركة طالبان باكستان أصحاب هذا السيناريو، حيث تعرضت القاعدة للتشظِّي بعد رحيل مؤسسها أسامة بن لادن وبروز تنظيم الدولة "داعش" وتراجع قوة وسطوة القاعدة على أَفْرُعها، مثلما حصل مع تنظيم طالبان باكستان بعد رحيل بيت الله محسود ثم حكيم الله محسود، ومبايعة بعض أجنحة الحركة لتنظيم الدولة وتفتُّت التنظيم، إلا أنه من الضروري الأخذ بالاعتبار أن لدى حركة طالبان أفغانستان إرثًا تنظيميًّا وحزبيًّا ممتدًا إلى أبعد من تاريخها، وهو امتداد للحركة الجهادية الأفغانية، إضافة إلى خبرة حكم وحاضنة اجتماعية قوية.
السيناريو الثالث: يتمثَّل في إمكانية تنامي ظاهرة تنظيم الدولة في أفغانستان، خاصة إذا تواصلت الخلافات داخل الحركة الطالبانية؛ مما سيفقد إمارة أختر منصور شرعيتها، ويدفع مقاتلي الحركة إلى بيعة أبي بكر البغدادي أميرًا شرعيًّا ما دام الأمير أختر منصور لم يحظَ بالإجماع الأفغاني، ورغم حالة الضعف التي انتابت تنظيم الدولة أخيرًا بسبب مقتل قادته في ضربات جوية للتحالف، إلا أنه لا يزال يتحكم ببعض المديريات شرقي أفغانستان ووسطها.
الخلاصة
حركة طالبان أفغانستان أمام مفترق طرق، فقد اعتمدت الحركة التي قادتها شخصية غامضة ممثّلة بزعيمها الراحل الملا محمد عمر سياسة الغموض والكاريزمية والشخصانية أكثر من اعتمادها على المؤسساتية، وقد يكون مفهومًا لقصر فترة ظهور الحركة والظروف التي مرّت بها، لكنه تحدٍّ كبير أمام الزعيم الجديد للحركة، فهل سيكون نهجه امتدادًا لنهج سابقه، أم سيسعى لاكتساب شرعية جديدة؟ وفوق هذا كله، هل يستطيع الزعيم الجديد الملا أختر منصور التعافي أمام أتباعه والعالم من إخفائه لسرِّ وفاة الملا محمد عمر، واستمرار تصدير الرسائل الموقّعة باسمه على الرغم من وفاته؟
الحركة أمام تحدٍّ جديد -أيضًا- ممثّلًا باستمرار علاقتها مع تنظيم القاعدة الذي كان السبب في خلعها من السلطة، لاسيما بعد إعلان زعيم القاعدة أيمن الظواهري البيعة للأمير الطالباني الجديد وقبول الأخير ذلك، وهو ما سيضعها أمام استحقاقات خارجية صعبة، لكن طالبان الآن معنيّة -على ما يبدو- بتعزيز جبهتها الداخلية، وتجلّى ذلك باستمرار علاقتها بالقاعدة؛ للحفاظ على مقاتليها من التحوُّل إلى تنظيم الدولة، وسحب شرعية "أمير المؤمنين" البغدادي.
باكستان حليفة طالبان الوحيدة حتى الآن على الرغم من شكوك الطرفين بعضهما في بعض، فهي تواجه تصعيدًا هنديًّا ضدها في ظل انشغال نصف جيشها تقريبًا على الجبهة مع أفغانستان، إضافة إلى انتهاء شهر العسل بينها وبين الحكم الأفغاني الجديد بزعامة أشرف غني الذي اتهمها برعاية الإرهاب، حيث ترى الأوساط الباكستانية أن ذلك قد جاء بإشارة أو تشجيع إقليمي.
المصدر: الجزيرة للدراسات


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.