ذكرت مصادر مطلعة أن الحكومة المصرية ستعاود الاهتمام بشكل أكبر بمجالات التعاون والمشروعات المشتركة مع دول حوض النيل، وإعادة تطبيق إستراتيجيتها السابقة لإحياء دورها بين دول المنابع، والاستفادة من تجربة شركة النصر للاستيراد والتصدير في استعادة النفوذ المصري في إفريقيا، عبر زيادة الاستثمارات المصرية في تلك الدول، خاصة في المشروعات التنموية، والخاصة بالبنية التحتية. وقالت المصادر، أن الحكومة المصرية ستقدم العديد من الحوافز لشركات القطاع الخاص، لتشجيعها على تنفيذ استثمارات في العديد من دول حوض النيل، وفي مقدمتها إثيوبيا وكينيا والكونغو الديمقراطية، حيث تسعى القاهرة لاستغلال الذراع الاقتصادي لإغراء دول المنابع بعدم إقرار أية سياسات تضر بحصة مصر التاريخية في مياه النيل.
وتبحث القاهرة خلال المرحلة القادمة عن آليات جديدة للتعاون الاقتصادي والفني مع دول حوض النيل، بعد فشل الصندوق المصري للتعامل مع الدول الأفريقية في ظل محدودية الميزانية الخاصة به.
يأتي ذلك في الوقت الذي تشترط فيه عدد من دول المنابع على مصر ضرورة التوقيع أولا على الاتفاق الإطاري الخاص بإعادة تقاسم مياه النيل، كشرط لبدء سلسلة من التعاون الاقتصادي والمشاريع المشتركة سواء في مجالات تنموية أو فنية خاصة بالاستفادة من مياه النيل.
وتسعى القاهرة إلى تجاوز هذا الشرط خاصة مع تحفظها على الاتفاق الذي تعتبره يمس بالحقوق المصرية في مياه النهر، وشجعها على ذلك الترحيب المشروط بتكثيف التعاون الاقتصادي خلال المباحثات مع رئيس الوزراء الكيني رايلا أودينجا والرئيس الكونغولي جوزيف كابيلا خلال زيارتهما القاهرة الأسبوع الماضي.
واعتبر السفير عبد الفتاح الزيني الدبلوماسي السابق، والمحلل السياسي، أن التعاون الاقتصادي وتكثيف التبادل التجاري هو أحد أهم السبل لاستعادة الدور المصري في دول المنبع بما يطلق عليه الدبلوماسية الناعمة التي افتقدتها مصر طوال السنوات الأخيرة.
وطالب الزيني بضرورة استدعاء تجربة شركة النصر للاستيراد والتصدير والتي دعمت الموقف المصري خلال ذروة الصراع العربي والإسرائيلي في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، مشيرا إلى أن مصر رغم تأخرها في تدعم علاقاتها مع الدول إلا أن هناك فرصة لإصلاح هذا الخطأ.
لا وثائق تدعم الحق المصرى وفى مفاجأة مذهلة، كشفت مصادر مسئولة بوزارة الخارجية، عن عدم امتلاك مصر نسخة من اتفاقيتي 1929 و1953، التي تحفظ حقها في مياه النيل.
وقالت المصادر إن الاجهزة السيادية هي الأخرى لا تمتلك نسخة من هذه الاتفاقية، وأنها تكتفي بالمعلومات المتناثرة عن هاتين الاتفاقيتين في المراجع التاريخية.
ولفتت إلى أن عدم وجود نسخ من الاتفاقيتين لدي مصر يضعف من موقفنا القانوني في حالة اللجوء للتحكيم الدولي لحل الخلافات مع دول المنابع، داعية إلي مخاطبة بريطانيا للحصول علي نسخ من هذه الاتفاقيات.
وتنص الاتفاقية الأولى التي وقعت عام 1929، على منع إقامة أي مشروعات للري أو لتوليد الكهرباء أو القيام بأي أعمال علي النيل وفروعه وعلي البحيرات التي ينبع منها في البلدان الواقعة تحت الأراضي البريطانية بغير الحصول علي إذن من الحكومة المصرية.
وبدأت الاتفاقية بخطابين متبادلين بين رئيس الوزراء المصري آنذاك محمد محمود باشا والمندوب السامي البريطاني في مصر.
أما الاتفاقية الثانية فهي اتفاقية عام 1953، والتي تم توقيعها بين مصر وبريطانيا وتعهدت فيها بريطانيا بأن تشغيل سد أوين في أوغندا التي تحتلها بريطانيا لن يخفض كمية المياه التي تصل إلي مصر.
وكانت مصر قد رفضت الجمعة الاتفاق الاطاري الجديد بشأن تقاسم مياه نهر النيل الذي وقعته اربع من دول شرق افريقيا مؤكدة معارضتها الشديدة لهذا المشروع، وهددت باتخاذ اجراءات للحفاظ على حصتها التاريخية من المياه.
وقد وقع ممثلو اربع من دول حوض النيل هي اثيوبيا واوغندا ورواندا وتنزانيا الجمعة في عنتيبي اتفاقا جديدا حول تقاسم مياه نهر النيل بعد نحو عشر سنوات من المفاوضات بين دول المنبع والمصب التسع على تقاسم اكثر عدالة لمياه هذا النهر.
ولم تشارك مصر والسودان، المستفيدان الرئيسيان من مياه النيل بموجب الاتفاقية الاخيرة الموقعة في 1959، في التوقيع على هذا الاتفاق الجديد واللذان يعارضانه بشدة.
مبادرة سودانية وفى سياق ذى صلة، دعا السودان دول حوض النيل إلى حل الأزمة الناشبة حول حصص مياه النهر عن طريق التشاور، وأكد استعداده لطرح مبادرة لحلّ الأزمة.
وقال السماني الوسيلة، وزير الدولة السوداني للشئون الخارجية اليوم السبت "الأمر يتطلب عقد لقاء بين دول المنبع ودولتي المصب للحيلولة دون تحول الأزمة إلى مشكلة حقيقية".
وأضاف "يجب علينا الجلوس للتشاور حول الاستخدام الأمثل لمواردنا، وذلك من خلال المشروعات المشتركة الكبرى التي تمّكن شعوب هذه الدول وحكوماتها لمزيد من التعاون".
وأكد الوزير السوداني استعداد بلاده لتقديم مبادرة لحل أزمة مياه النيل بهدف المحافظة على التوزان الدقيق في هذا الإقليم والتعاون فيما بين دول الحوض.
دعوة للضغط على إثيوبيا وفي السياق، قال عمرو صابح الباحث في التاريخ والعلوم السياسية: "اتفاقية مياه النيل لعام 1959 هي مكملة لاتفاقية 1929، ويمكن استغلال القبائل الإريترية في الضغط على إثيوبيا التي تكثر بها القبائل أيضًا وتسيطر على مجريات الأمور هناك، نظرًا لكثافتها السكانية، وذلك أسوة بما كان يفعله الرئيس الراحل جمال عبد الناصر عندما استضاف جميع زعماء إريتريا، بصفتها مراقب لاتفاقيات حوض النيل".
ونقل صابح عن مذكرات وزير الخارجية الصهيونى السابق ابا ايبان قوله "في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، انتشر الإسلام في القارة الأفريقية لدرجة أن سبعة من كل عشرة أفريقيين يتم عرض الإسلام عليهم يعتنقوه".
وأضاف صابح "إسرائيل استغلت فرصة ابتعادنا عن القارة الأفريقية، وقامت بتوطيد علاقتها بإريتريا لمعرفتها المسبقة بأنها تستطيع أن تشكل ضغطًا كبيرًا على إثيوبيا".