أفردت شبكة " سي إن إن" الأمريكية تقريرا تناولت فيه الأزمة التي تشهدها أسعار النفط العالمية وإصرار المملكة العربية السعودية، اللاعب الرئيسي في "أوبك" على الإبقاء على الإنتاج النفطي عند مستوياته المرتفعة الحالية بالرغم من المشكلات التي تواجهها في الداخل مثل اتساع عجز الموازنة التي تعتمد بدرجة كبيرة فيها على الإيرادات النفطية. فبعد مرور تسعة أشهر على القرار الذي اتخذته منظمة الدول المصدرة للنفط " أوبك" بالإبقاء على مستويات الإنتاج دون تغيير ومحاولة زيادة حصتها في السوق العالمي بدلا من رفع الأسعار، تواجه المنظمة مجموعة من المشكلات والقرارات المعقدة التي يتعين اتخاذها. ولأول وهلة، فإن انهيار أسعار النفط والمرونة التي تتمتع بها صناعة النفط الصخري الأمريكية يبدو أنها مثلت هزيمة منكرة ل "أوبك" والعضو الأبرز فيها المتمثل في المملكة العربية السعودية. فمستويات إنتاج النفط الصخري الأمريكي تشهد استقرار نسبيا، ولكنها لم تسجل انخفاضا دراماتيكيا، في حين تراجعت إيرادات الدول الأعضاء في "أوبك" على نحو حاد جراء هبوط أسعار الخام. وتقع السعودية تحت وطأة ضغوط شديدة. فحكومة الرياض تدرس خفض الإنفاق بنسبة 10% في الوقت الذي تسعى فيه لسد عجز الموازنة، علما بأن صندوق النقد الدولي قد توقع أن يرتفع عجز الموازنة العامة للسعودية إلى ما نسبته 20% تقريبا من الناتج المحلي الإجمالي، حسب مصر العربية. وتتجلى تداعيات انخفاض أسعار النفط على المملكة العربية السعودية في جوانب مختلفة. فلن يتعين على الرياض أن تخفض الإنفاق فحسب، ولكنها لجأت أيضا إلى أسواق السندات، حيث أجبرت أسعار النفط المنخفضة المملكة إلى إصدار سندات بآجال تزيد عن 12 شهر وذلك للمرة الأولى في ثماني سنوات، حيث جمع 35 مليار ريال ( حوالي 10 مليار دولار) حتى الآن هذا العام. في غضون ذلك، تتعرض العملة السعودية لضغوط متنامية. وتربط السعودية " الريال" بالدولار بمعدل 3.75:1، لكن تشير التوقعات إلى أن السلطات السعودية قد تحتاج لخفض سعر الريال، بالنظر إلى أن الرياض لن تكون قادرة على الدفاع على هذا المعدل لأجل غير مسمى. وفي الأسواق الآجلة لعام واحد، هبط الريال السعودي إلى 3.79، بحسب صحيفة " الفاينانشيال تايمز" البريطانية، ما أجبر الحكومة على إصدار بيان تقول فيه إن مؤسسة النقد العربي السعودي " ملتزمة بسياسة ربط الريال بالدولار الأمريكي.” لكن إذا لم ترتفع أسعار النفط، سيكون لزاما على الحكومة أن تلجأ إلى احتياطي النقد الأجنبي كي تحافظ على ثبات العملة المحلية. الدول الأعضاء في " أوبك" تتحمل القسط الأكبر من الضغوط الناجمة عن أسعار النفط المنخفضة، ولعل هذا ما دفع وزير النفط الجزائري أن يرسل خطابا إلى إلى الأمانة العامة للمنظمة يطالبها بضرورة التحرك واتخاذ الإجراءات اللازمة على الرغم من أن الخطاب لم يتضمن المطالبة بخفض مستويات الإنتاج. ومنذ شهرين، ضغط مسئولون فنزويليون، قبل الاجتماع الأخير ل "أوبك" في يونيو الماضي، من أجل إجراء تغيير في إستراتيجية المنظمة وزيادة أسعار النفط. ومؤخرا، قال وزير النفط الإيراني إن بلاده سترفع مستويات الإنتاج " بأي ثمن"، لكنها أيدت أيضا عقد اجتماع طارئ ل " أوبك" قبل القمة المقررة في ديسمبر لمناقشة إستراتيجية المنظمة. وإذا كانت إستراتيجية الرياض في السعي وراء اقتناص حصة سوقية عالمية قد باءت بالفشل، وحتى إذا ما كانت الدول الأخرى الأعضاء في "أوبك" تريد تغييرا في سياستها، فربما تعيد الرياض النظر في ذلك وتقرر الآن فرض قيود على الإنتاج لدعم الأسعار. لكن وجهة النظر تلك تبدو غير محتملة. فبالتأكيد أن الرياض تعاني من أسعار النفط المنخفضة، لكن منافسيها قد تضرروا على نحو أكبر. فالإنتاج النفطي في الولاياتالمتحدة، بعد سنوات من النمو المتقطع، لم يصل إلى الحضيض ولكنه بدأ في التراجع. وانخفض إنتاج النفط الأمريكي من أعلى مستوياته في مارس الماضي ( 9.69 مليون برميل يوميا) إلى 9.51 مليون برميل يوميا في مايو الماضي. وسيستمر إنتاج النفط الأمريكي في الانخفاض طالما واصلت السعودية المضي في إستراتيجيتها الحالية. وعلاوة على ذلك، فإن شركات عديدة قد أعلنت إفلاسها جراء أزمة النفط، ما سيتيح للسعودية أن تحقق هدفها المتمثل في السيطرة على السوق العالمي.