امتحانات الصف الثالث الإعدادي 2024.. تعرف على جدول «محافظة القاهرة»    «طاقة النواب» تشيد بارتفاع إيرادات هيئة البترول إلى تريليون و598 مليار جنيه    برلماني: الرئيس السيسي كشف خطورة تخلي النظام الدولي عن دوره الحقوقي    راصد الزلازل الهولندي يثير الجدل بتصريحاته عن الأهرامات    الشحات: نحترم الترجي.. وجاهزون لخوض مباراة الذهاب    المشدد 3 سنوات للطالبين تاجري المخدرات بالشرقية    «نجوم اف ام» تُكرم أحمد السقا في حلقة خاصة    قصر ثقافة مطروح.. لقاءات عن العمل وإنجازات الدولة وورش حرفية عن النول والمسمار    الاتحاد يتأهل إلى نهائي المربع الذهبي لكرة السلة    الناتو: القوات الروسية أثبتت قدرتها على التقدم بمرونة كبيرة    روسيا تقدم 30 طنًا من المساعدات إلى غزة عبر مطار العريش الدولي    حقيقة إيقاف شهادة 23.5 من بنك مصر بعد قرار التعويم الأخير    خمسة معارض في فعاليات مهرجان ايزيس الدولي لمسرح المرأة (تفاصيل)    قومية المنيا تقدم «دون كيشوت» ضمن عروض الموسم المسرحي ب أسيوط    بالفيديو.. أمين الفتوى للمقبلين على الزواج: محدش هيقدر يغير حد بعد الزواج    بعد وفاة زوجة الفنان أحمد عدوية- كيف يسبب السكري الموت؟    بالفيديو.. كواليس كوميدية للفنانة ياسمين عبد العزيز في حملتها الإعلانية الجديدة    إنطلاق المشروع القومي لتطوير مدربي المنتخبات المصرية لكرة القدم NCE    بالفيديو.. نصيحة هامة من الشيخ خالد الجندي إلى الأباء والأمهات    بالفيديو.. خالد الجندي: أركان الإسلام ليست خمس    جامعة بني سويف من أفضل 400 جامعة عالميا.. والرابعة محليا    شي جين بينغ بمناسبة قمة البحرين: العلاقات الصينية العربية تمر بأفضل فترة في التاريخ    تغيير الشكل الرهباني للراهبة المسؤولة عن دير "الملاك" بملبورن    وزيرا التعليم والأوقاف يصلان مسجد السيدة نفيسة لتشييع جثمان وزير النقل السابق - صور    مترو التوفيقية القاهرة.. 5 محطات جديدة تعمل في نقل الركاب    سكاي: فونيسكا الخيار الأول لخلافة بيولي في ميلان    نقابة المهن الموسيقية تنعي زوجة المطرب أحمد عدوية    لجنة مركزية لمعاينة مسطح فضاء لإنهاء إجراءات بناء فرع جامعة الأزهر الجديد في برج العرب    نائب محافظ الجيزة يتابع ميدانيا مشروعات الرصف وتركيب بلاط الإنترلوك بمدينة العياط    "الصحة" تنظم فاعلية للاحتفال باليوم العالمي لمرض التصلب المتعدد .. صور    كيف تؤثر موجات الطقس الحارة على الصحة النفسية والبدنية للفرد؟    15 يوما إجازة رسمية بأجر في شهر يونيو المقبل 2024.. (10 فئات محرومة منها)    جامعة الفيوم تنظم ندوة عن بث روح الانتماء في الطلاب    تفاصيل اجتماع وزيرا الرياضة و التخطيط لتقييم العروض المتُقدمة لإدارة مدينة مصر الدولية للألعاب الأولمبية    هالة الشلقاني.. قصة حب عادل إمام الأولي والأخيرة    السفير المصري بليبيا: معرض طرابلس الدولي منصة هامة لتسويق المنتجات المصرية    وكيل الصحة بالقليوبية يتابع سير العمل بمستشفى القناطر الخيرية العام    التصلب المتعدد تحت المجهر.. بروتوكولات جديدة للكشف المبكر والعلاج    قطع مياه الشرب عن 6 قرى في سمسطا ببني سويف.. تفاصيل    نجم الأهلي مهدد بالاستبعاد من منتخب مصر (تعرف على السبب)    إطلاق مبادرة لا للإدمان في أحياء الجيزة    الخارجية الكورية الجنوبية تعرب عن تمنياتها بالشفاء العاجل لرئيس الوزراء السلوفاكي    هل يجوز الجمع بين الأضحية والعقيقة بنية واحدة؟.. الإفتاء توضح    ببرنامج "نُوَفّي".. مناقشات بين البنك الأوروبي ووزارة التعاون لدعم آفاق الاستثمار الخاص    بمشاركة مصر والسعودية.. 5 صور من التدريب البحري المشترك (الموج الأحمر- 7)    قرار قضائي جديد بشأن سائق أوبر المتهم بالاعتداء على سيدة التجمع    بدء التعاقد على الوصلات المنزلية لمشروع صرف صحي «الكولا» بسوهاج    رئيس جامعة المنيا يبحث مع الجانب الإيطالي تطوير معامل ترميم الآثار بالجامعة لخدمة الباحثين    التحقيق مع عاطل لحيازته مخدر الآيس في منشأة القناطر    أنشيلوتي يقترب من رقم تاريخي مع ريال مدريد    الطاهري يكشف تفاصيل قمة البحرين: بدء الجلسة الرئيسية في الواحدة والنصف ظهرا    «الداخلية»: ضبط 13 ألف قضية سرقة تيار كهربائي خلال 24 ساعة    دون إصابات.. تفاصيل نشوب حريق داخل شقة في العجوزة    أعطيت أمي هدية ثمينة هل تحق لي بعد وفاتها؟.. أمين الفتوى يوضح    محكمة العدل الدولية تستمع لطلب جنوب إفريقيا بوقف هجوم إسرائيل على رفح    كولر يحاضر لاعبى الأهلي قبل خوض المران الأول فى تونس    نتيجة الصف الرابع الابتدائي الترم الثاني 2024 عبر بوابة التعليم الأساسي (الموعد والرابط المباشر)    «الأمن الاقتصادي»: ضبط 13166 قضية سرقة تيار كهربائي ومخالفة لشروط التعاقد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حركة مقاطعة "الكيان الصهيوني" بين الإنجازات والمعوِّقات
نشر في الشعب يوم 03 - 08 - 2015

يصادف الشهر القادم الذكرى العاشرة لتأسيس الحركة العالمية لمقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها، والتي بدأت نشاطاتها مؤخرًا تأخذ زخمًا متصاعدًا؛ الأمر الذي دفع تل أبيب إلى التحذير بأن الحركة يمكن أن تشكِّل "خطرًا استراتيجيًّا" على دولة إسرائيل. تذهب هذه الورقة، وفقًا للحيثيات المعطاة، إلى أن الحركة ربما لن تجبر إسرائيل الآن على الركوع أمام المطالب الفلسطينية، ولكنها -بكل تأكيد- تشكل مرتكزًا حيويًّا في مراكمة الإنجازات التي يمكن البناء عليها مستقبلًا في التأثير على قرارات إسرائيل الاستراتيجية، وبالتالي تغيير قواعد اللعبة والاشتباك. فتراكم إنجازات الحركة يمكن أن يحدث اضطرابًا في السوق الإسرائيلية أو التدفقات الاستثمارية، وهو ما يمكن أن يشكِّل خطوة أولى يمكن أن تؤدي مع الوقت إلى تصاعد المقاطعة ضد إسرائيل بكافة أشكالها، ويحدّ من قدرة الشركات الإسرائيلية أو المستثمرين الأجانب على الاستخدام الفَعَّال والأمثل لموارد السوق. كما أن زيادة زخم التغطية الإعلامية لنشاطات الحركة وإنجازاتها يمكن أن يُسهِم تدريجيًّا في فرض الحركة كواقعٍ مؤثِّر ومُلهِم في المشهد الفلسطيني.
تناقش هذه الورقة أهداف الحركة، واستراتيجيتها، وإنجازاتها، وردّة الفعل الإسرائيلية على تعاظم حضورها على الساحة الإعلامية والدولية، وآفاق النزاع بين الطرفين.
مقدمة
تنامت مؤخرًا وبشكل سريع الحركة العالمية لمقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها أو ما تُعرف اختصارًا ب"بي دي إس"، على مستويات متعددة في أنحاء العالم، وهو ما أدى إلى اضطراب القيادة الإسرائيلية التي حذَّر رئيسها مؤخرًا، روفين ريفلين، من أن الحركة يمكن أن تشكِّل "تهديدًا استراتيجيًّا للدولة". فانخفاض التوقعات بجدوى عملية السلام الفلسطينية-الإسرائيلية والسياسات العنصرية والقمعية التي تمارسها إسرائيل ضد الفلسطينيين، اضطر الناشطين الفلسطينيين وحلفاءهم الدوليين للسعي لإيجاد بدائل متنوعة لعزل إسرائيل ومعاقبتها؛ بهدف إجبارها على الاعتراف بحق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم. ونتيجة لتراكم إنجازات الحركة، فقد بدأت أهدافها تحظى بدعم عدد متزايد من الفنانين، والنقابات الطلابية والمهنية، والزعماء الدينيين في بلدان متعددة؛ مما صعَّد من الهجمة الإسرائيلية على الحركة وناشطيها بهدف محاصرتهم وتحجيمهم. تسلِّط هذه الورقة الضوء على الحركة العالمية لمقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها من حيث أهدافها، واستراتيجيتها، وإنجازاتها، وردّة الفعل الإسرائيلية على تعاظم حضورها على الساحة الإعلامية والدولية، وآفاق النزاع بين الطرفين.
ما هي بي دي إس؟
تأسست حركة بي دي إس عام 2005، وهي اختصار للكلمات الثلاثة: المقاطعة (Boycott) وسحب الاستثمارات
(Divestment) وفرض العقوبات (Sanctions)، أو ما يتم الإشارة إليه في أغلب الأحيان ب(BDS). مستلهمةً أهدافها
واستراتيجياتها من حركة الحقوق المدنية في الولايات المتحدة الأمريكية بقيادة مارتن لوثر كينغ، وحركة النضال ضد الفصل العنصري في جنوب إفريقيا بقيادة نيلسون مانديلا. وقد وقّع أكثر من مائة وسبعين منظمة فلسطينية غير حكومية، وأحزاب سياسية، ونقابات مهنية، وهيئات واتحادات، وحملات شعبية على عريضة نداء حركة المقاطعة.
وكما يظهر على الموقع الإلكتروني للحركة، فإنّ نداء المقاطعة يطالب إسرائيل بالاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، والانصياع للقانون الدولي عن طريق:
أولًا: إنهاء احتلالها واستعمارها لكل الأراضي العربية وتفكيك الجدار.
ثانيًا: الاعتراف بالحق الأساسي بالمساواة الكاملة لمواطنيها العرب الفلسطينيين.
ثالثًا: تطبيق حق العودة بناءً على قرار ا?مم المتحدة رقم 194.
أي إنَّ أهداف الحركة الثلاثة ترتكز على مطالب ومظلومية جميع الفلسطينيين، وليس فقط فلسطينيي الضفة الغربية وقطاع غزة
الذين يشكِّلون فقط 38% من مجموع الفلسطينيين في العالم، حسب الحركة. فالحركة تريد أيضًا أن تعالج مطالب فلسطينيي
الشتات (يشكِّلون تقريبًا 50% من الفلسطينيين)، والفلسطينيين المقيمين في إسرائيل منذ عام 1948 (يشكِّلون 12% من مجموع
الفلسطينيين) والذين يتعرضون لتمييز عنصري متنامٍ من قِبل المجتمع الإسرائيلي.
تركيز الحركة على المظالم الواقعة على جميع الفلسطينيين جعلها عُرْضة لانتقادات متزايدة لضبابية مواقفها السياسية، وأنها لا
تطرح برنامجًا متماسكًا للحل السياسي، خاصة أن بعض مؤيدي الحركة والفاعلين فيها يتبنُّون فكرة حل الدولة الواحدة عوضًا عن
حل الدولتين.
الفاعلون واستراتيجيتهم
ينشط في الحركة مجموعة كبيرة من الفاعلين الذين يتجاوزون الحدود المحلية إلى المستوى الدولي. وعلى الرغم من أن مرجعية
الحركة وقيادتها تُعتبر فلسطينية كما يوضِّح عمر البرغوثي، أحد مؤسِّسي الحركة، إلا أنها تعتمد -وبشكل كبير- على الجهود
التطوعية لأفراد ومؤسسات مؤيدين لحقوق الفلسطينيين على مستوى العالم، إضافة إلى المبادرات الفردية والجماعية المنظمة؛ حيث
تنسق الحركة مع حلفائها حول العالم. كما ينتمي للحركة عدد قليل من الإسرائيليين المناصرين لها والمعادين للصهيونية والمتبنِّين
لأهداف الحركة المنادية بالمقاطعة الكاملة، وهو ما أسهم في نزع الفكرة الإسرائيلية التي تروِّج في الغرب على أن الحملة معادية
للسامية.
ويمكن تقسيم استراتيجية الحركة والمساندين لها إلى قسمين رئيسيين: قسمٍ يعمل خارجيًّا، وقسمٍ يعمل داخليًّا.
أولًا، العمل خارجيًّا: تعتمد استراتيجية بي دي إس على التغيير التدريجي الذي تسعى من خلاله كخطوة أولى إلى مقاطعة إسرائيل
وسحب الاستثمارات منها في كافة المجالات (الاقتصادية والأكاديمية والثقافية والرياضية والعسكرية)؛ وذلك للوصول إلى الخطوة
النهائية المتمثّلة في عزل إسرائيل وفرض حصار دولي عليها بأشكال متعددة.
تدرك بي دي إس تعقيد التحالفات الدولية الداعمة لإسرائيل واختلاف السياقات الدولية؛ لذلك تتبنَّى الحركة مبدأ "حساسية السياق"،
بمعنى أن نشطاء الحركة وحلفاءهم يقومون برسم أهدافهم واستراتيجياتهم التي تراعي ظروفهم المحلية وسياقات التفاعل معهم.
لذلك، يتم وضع حملات الحركة المختلفة بصورة غير مركزية. فبعض النشطاء يمكن أن يقرروا مقاطعة جميع الجامعات
الإسرائيلية، بينما يرى البعض الآخر مقاطعة الشركات المتورطة في الاستثمار بشكل غير قانوني في مستوطنات الضفة الغربية
والأراضي المحتلة عام 1967. لهذا السبب بالتحديد، يستهدف غالبية نشطاء الحركة في أوروبا -على سبيل المثال-
الاستثمارات في المستوطنات الإسرائيلية، والتي لا تشكِّل انتهاكًا للقانون الدولي فقط، بل أيضًا يمكن أن تشكِّل انتهاكًا لبعض
القوانين والإجراءات الأوروبية التي تحظر الاستثمار في المستوطنات.
ولإجبار الشركات على سحب استثماراتها من إسرائيل، يقوم ناشطو الحركة بحملات منظمة ومستدامة تستهدف مهاجمة الشركات
التي تستثمر في إسرائيل (وخاصة في مستوطنات الضفة الغربية) من خلال التهديد بمقاطعة منتجاتهم أو التحريض عليها، أي إن
الحركة تسعى إلى تعبئة المستهلكين للامتناع عن شراء منتجات الشركات أو خدماتها، وبالتالي تقليل الإيرادات وفرض تكاليف
إضافية في السوق عن طريق إحداث ردود فعل سلبية بين جمهور المستهلكين وتدمير سمعة هذه الشركات بين زبائنها؛ بهدف
زيادة الضغوط على هذه الشركات من خلال التركيز على صورتها وسمعتها.
ثانيًا، العمل داخليًّا: تقوم استراتيجية الحركة داخل الأراضي المحتلة عام 1967 على السعي لمقاطعة المنتجات والمؤسسات
الإسرائيلية ونشر التوعية بين الفلسطينيين حول أهمية المقاطعة. وتعتبر "اللجنة الوطنية لمقاطعة إسرائيل" و"اللجنة التنسيقية
للمقاطعة الشعبية" والتي تشكَّلت حديثًا إحدى أهم الأدوات التي يتم استخدامها للتعبئة الشعبية. كما تسعى الحركة إلى تشجيع
المنتج الوطني وتوفير البديل للمنتج الإسرائيلي من حيث الجودة والسعر.
وبالرغم من النجاحات المتتالية التي تحققها حركة "بي دي إس" على الصعيد الدولي، إلا أن تأثيرها لا يزال ضعيفًا على المستوى
المحلي؛ حيث تعتبر السوق الفلسطينية في المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة الأميركية من حيث تسويق المنتجات الإسرائيلية.
يرجع ذلك بشكل كبير إلى ضعف التنسيق ما بين الحركة والسلطة الفلسطينية؛ فالأخيرة لا تزال تعوِّل على إحياء عملية السلام
والمفاوضات الثنائية مع الجانب الإسرائيلي؛ حيث تتخوّف من ردّة فعله في حال أقدمت على تبنِّي المقاطعة الشاملة. وإذا أخذنا
بعين الاعتبار أن السلطة الفلسطينية محكومة باتفاقية باريس الاقتصادية التي تُضعف سيطرة السلطة على السوق الفلسطينية
الداخلية أو تحكمها في المعابر الخارجية، وهو ما يُسهِم أكثر في إضعاف المناعة الفلسطينية الداخلية أمام المقاطعة. كما أن
المقاطعة في قطاع غزة تعتبر صعبة للغاية، لاسيما بعد هدم الأنفاق الواصلة ما بين مصر وقطاع غزة، وإحكام إسرائيل لحصارها
الاقتصادي وتدمير العديد من المصانع في الحرب الأخيرة على القطاع.
تراكم الإنجازات
بالرغم من أن الحركة قد تأسست قبل عشر سنوات إلا أن إنجازاتها الفعليّة والقلق الإسرائيلي المتزايد بدآ يظهران خلال السنوات
الثلاث الماضية. ومع أن أي معطيات دقيقة حاليًا عن حجم تأثير المقاطعة على إسرائيل، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر،
غير متوفرة إلا أن ردَّات الفعل الإسرائيلية العنيفة على نشاطات الحركة وبعض المؤشرات الاقتصادية تدلِّل على أن نشاطات
الحركة بدأت تشكِّل مصدر إزعاج للقيادة الإسرائيلية.
فعلى صعيد المقاطعة الأكاديمية والثقافية، بدأت الحركة مؤخرًا حملة كبيرة في العالم تدعو إلى المقاطعة الأكاديمية للمؤسسات
الإسرائيلية، وهو ما أدى إلى اضطراب القيادة الإسرائيلية التي تخشى ليس من فقدان تأثيرها داخل الجامعات فقط، بل أيضًا من
خسارة "جيل المستقبل"؛ أي الجيل الذي يمكن أن يتبوأ مناصب قيادية عليا في بلادهم، وبالتالي التأثير في القرارات السياسية
والاقتصادية والثقافية. فنتيجة المجهودات المتتالية من قبل ناشطي الحركة انضمَّ -على سبيل المثال لا الحصر- اتحاد الطلبة في
بريطانيا والذي يضم حوالي سبعة ملايين عضو للمقاطعة، وكذلك اتحاد الطلبة في مقاطعة أونتاريو الكندية المهمة والذي يضم
حوالي ثلاثمائة ألف عضو. إضافة إلى مقاطعة بعض الجامعات للمؤسسات التعليمية الإسرائيلية، مثل جامعة "دي بول" الأمريكية
وجامعة "نورث ويسترن".
وفي خطوة تظهر الزخم الذي وصلت إليه الحركة، وتنبئ بمزيد من التراكمات انضمَّ بعض المشاهير للحملة أمثال المغني العالمي
روجر ووترز والكاتبة الكندية اليهودية ناعومي كلاين؛ مما أسهم في مزيدٍ من الاهتمام من قِبل وسائل الإعلام العالمية، وأبقى
التغطية الإعلامية للحركة ونشاطاتها مستمرة. كما نجحت الحركة في إجبار بعض المغنِّين على الالتزام بالمقاطعة الثقافية
لإسرائيل، وعدم إقامة أيٍّ من نشاطاتهم الفنية في إسرائيل، كما حصل -على سبيل المثال- مع المغني النرويجي مودي أو
المغنية الأميركية لورين هيل عندما ألغيا حفلاتهما في تل أبيب.
أما على صعيد المقاطعة الاقتصادية، وهي أكثر ما يُقلِق إسرائيل، يبدو أن "بي دي إس" أخذت في الاتساع والتراكم؛ فقد بدأت
القيادة الإسرائيلية تتخوَّف من أن تؤدي تراكمات الحركة النضالية في المستقبل إلى اضطراب الاقتصاد الإسرائيلي، وبالتالي خلخلة
وتراجع الاستثمارات الأجنبية وتوسعها؛ حيث تعتبر هذه الاستثمارات أحد أهم مصادر القوة لنمو اقتصاد الدولة العبرية.
كما أدت استراتيجية الحركة ونشاطها الفاعل في الساحة الأوروبية -على سبيل المثال- إلى خلخلة نسبية واضطراب في بعض
الشركات الإسرائيلية أو المستثمرة فيها؛ مما قلَّل من أرباحها وبالتالي قدرتها على الحفاظ على قيم سوقية عالية. ومع أننا لا نتوفر
على أي أرقام حقيقية عن الخسائر التي تكبّدها الاقتصاد الإسرائيلي نتيجة حملة المقاطعة، فإنه -وبحسب المكتب المركزي
الإسرائيلي للإحصاء- قد خسر الاقتصاد الإسرائيلي نتيجة حملة المقاطعة الأوروبية للمنتجات الزراعية من المستوطنات
الإسرائيلية ما يُقدّر ب 6 مليارات دولار في 2013 و2014، ومن المرشّح أن تصل الخسائر نتيجة المقاطعة إلى 9,5 مليارات
دولار مع نهاية هذا العام.
إضافة إلى ذلك، فقد أعلنت في الفترة الماضية، أعدادٌ متزايدة من الشركات الكبرى أو البنوك عن سحب استثماراتها، سواء من
إسرائيل أو شركات داعمة لها. فعلى سبيل المثال، أعلن صندوق بيل غيتس سحب استثمارات بقيمة 182 مليون دولار من شركة
G4S الأمنية التي تعدّ أكبر شركة أمنية في العالم، وتقدِّم خدماتها لإسرائيل في مجال حماية الحواجز العسكرية وخدمات مصلحة
السجون. كما خسرت الشركة مجموعة من العقود في بريطانيا، والنرويج، والاتحاد الأوروبي وجنوب إفريقيا. علاوة على ذلك،
انضمَّ إلى قائمة المقاطعين بعض صناديق التقاعد الضخمة وشركات وبنوك، مثل: صندوق التقاعد الهولندي (PGGM)،
وصندوق التقاعد الحكومي النرويجي اللذين سحبا استثمارات من شركات إسرائيلية متورطة في دعم الاحتلال والاستيطان
الإسرائيلي.
كما بدأت أيضًا بعض الشركات الإسرائيلية تخسر بعض عقودها في مجموعة من دول العالم؛ نتيجة نشاط حركة المقاطعة كما
حصل مع شركة "ميكوروت" الإسرائيلية للمياه التي خسرت عقدًا في الأرجنتين بقيمة تصل إلى 170 مليون دولار. وإضافة إلى
ذلك، خسرت الشركة عقديْن في كلٍّ من هولندا والبرتغال.
استراتيجية إسرائيل المضادة
أدى الاهتمام المتزايد من قِبل وسائل الإعلام العالمية والمقاطعة الفعليّة من قبل بعض الشركات أو التجمعات الأكاديمية الكبيرة للنشاطات الإسرائيلية إلى اضطراب القيادة الإسرائيلية، التي باتت تتخوّف من فقدان مكانتها في العالم. فقد اعتبرت الحكومة الإسرائيلية في يونيو/ 2013 حركة المقاطعة أنها باتت تشكِّل "تهديدًا استراتيجيًّا" للوجود الإسرائيلي. وظهر القلق الإسرائيلي من تنامي حركة المقاطعة على لسان العديد من المسؤولين الإسرائيليين؛ فقد صرَّح يائير لبيد، وزير المالية الإسرائيلية الأسبق، بأن "عدم الشعور بتأثير المقاطعة حاليًا سببه أنها عملية تدريجية، لكن الوضع الحالي خطير جدًّا؛ فنظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا لم يتنبّه إلى بداية حملة المقاطعة التي تعرَّض لها". وكانت وزارة المالية الإسرائيلية قد أصدرت تقريرًا نصَّ على "أن المقاطعة هي أكبر خطر على الاقتصاد الإسرائيلي". ردّة فعل القادة الإسرائيليين الغاضبة أبرزت النجاحات المتتالية التي حققتها الحركة، وقدرتها على تغيير قواعد اللعبة. ولمواجهة الحركة وناشطيها تبنَّتْ إسرائيل استراتيجيتين مترابطتين: قمع الحركة داخليًّا، وتحفيز الحلفاء خارجيًّا.
فقد سنَّ الكنيست الإسرائيلي عام 2011 ما يُعرف ب"قانون المقاطعة"، والذي صادقت عليه المحكمة العليا الإسرائيلية في إبريل 2015 ضدّ كل من يُطالب بمقاطعة إسرائيل. ويتيح القانون الملاحقة القانونية وطلب تعويضات من كل شخص يحمل الهوية الإسرائيلية ويدعو للمقاطعة بأيّ شكل كان، كما يمنح القانون وزير المالية الحق في فرض عقوبات اقتصادية كبيرة على المؤسسات الإسرائيلية التي تدعو للمقاطعة، بينما تتلقى تمويلًا من الحكومة الإسرائيلية وهيئاتها. إضافة إلى ذلك، قامت إسرائيل بشنّ حملة قمع مستمرة بحق الناشطين الفاعلين في الحملة، وتصعيد العمل الاستخباري في ملاحقتهم.
أما على الصعيد الخارجي، فإسرائيل تدرك جيدًا أن معركتها ليست ضمن نطاق الأراضي المحتلة، بل هي معركة تُخاض في الأساس على الساحة الدولية وفي وسائل الإعلام ومراكز التأثير؛ لذلك قامت إسرائيل بتجنيد وتحفيز ماكينتها الإعلامية الضخمة التي خصَّصت لها مبلغ 100 مليون شيكل، إلى جانب استنفار سفاراتها على مستوى العالم لمواجهة تنامي الحركة محليًّا ودوليًّا. كما سعت للاستعانة بحلفائها في الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا، وذلك للتحرك قانونيًّا ضد الحملات الداعية للمقاطعة وتشريع قوانين تجرِّم المقاطعة؛ وذلك من أجل التأثير ومن ثَمَّ ثني المجموعات المختلفة عن المقاطعة. فعلى سبيل المثال لا الحصر، اقترح النائبان في الكونجرس عن ولاية إلينوي، بيتر روسكام ودان ليبينسكي، في مارس الماضي مشروع قانون ينصّ على وقف جميع مصادر التمويل الفيدرالي للمؤسسات الأكاديمية المشاركة في المقاطعة الأكاديمية لإسرائيل، وذلك ردًّا على مقاطعة جمعية الدراسات الأمريكية للمؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية. كما يتضمن أحد بنود المشروع مادة تحظر التمويل الحكومي لأي مؤسسة تعليمية أو جامعية تنشط فيها الحركات التي تنادي بالمقاطعة الأكاديمية لإسرائيل. إضافة إلى ذلك، يسعى حلفاء إسرائيل لإقرار قوانين تعتبر نشاطات المقاطعة الأكاديمية لإسرائيل معاداة للسامية تجب المعاقبة عليها، كما حصل في ولاية إلينوي في مارس الماضي، أو اعتبار مقاطعة المنتجات الإسرائيلية جريمة "كراهية"، كما قررت إحدى المحاكم الفرنسية. إضافة إلى ذلك، يقوم حلفاء إسرائيل في الولايات المتحدة الأمريكية بحملات مستمرة للتأثير على الشركات والمؤسسات التي قرّرت مقاطعة إسرائيل ومواجهة الحملة دوليًّا. فعلى سبيل المثال، يسعى الملياردير الأميركي شيلدون أدلسون لوقف حملة المقاطعة في الولايات المتحدة من خلال التأثير على السلطة السياسية والمالية في واشنطن.
المصدر: د. محمود جرابعة - الجزيرة للدراسات


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.