قدمت دول الخليج العربي لنظام الانقلاب في مصر بقيادة الجنرال عبد الفتاح السيسي، خلال عامين منذ انقلاب 3 يوليو 2013 أكثر من 50 مليار دولار، في شكل مساعدات ومنح وقروض ميسرة، إلا أن الواقع في مصر وحقائق كشفتها تسريبات مكتب قائد الانقلاب تشهد بأنه لا يوجد ما يثبت أنها دخلت خزينة الدولة، أو استفاد منها المواطن المصري البسيط، فالأوضاع الاقتصادية والمعيشية في مصر في تدهور مستمر مع ارتفاع الأسعار وجميع الخدمات، وانخفاض مستمر الاحتياطيات النقد الأجنبي، وعجز مزمن في الموازنة، وارتفاع معدلات الديون، حسب "شئون خليجية". كما أن الأوضاع بدول الخليج، وبخاصة عقب موجة هبوط أسعار النفط، تكشف عن أزمة في الإنفاق والميزانية والاحتياطي الأجنبي، إلى جانب مشكلات تتعلق بقضايا الفقر والبطالة، ما يؤكد أن شعوبها والمواطن الخليجي كان أولى في هذا التوقيت الحرج بأمواله المهدرة على تدعيم الانقلابات العسكرية، وقتل الشعوب، ووأد ثورات الربيع العربي. ولا توجد في مصر منذ وقوع الانقلاب، وهدمه المؤسسات المنتخبة الممثلة في رئيس الجمهورية الرئيس محمد مرسي، ومجلس الشعب المنتخب، أي شكل من أشكال الرقابة أو المساءلة، وسط انعدام تام للشفافية عن حجم الأموال والمساعدات التي تلقاها النظام الانقلابي من دول الخليج، وأين ذهبت هذه الأموال؟ أين أموال المساعدات لا يوجد إحصاء أو رقم إجمالي محدد لأموال دول الخليج التي دعمت بها الانقلاب في مصر خلال العامين الماضيين، إلا أن أهم التقديرات تشير إلى ضخامة المساعدات المقدمة، التي لا تقل عن 23 مليار دولار حسب أرقام رسمية، و30 مليار دولار أموال فقط، حسب تسريبات مكتب السيسي، بجانب 12.5 مليار دولار مساعدات واستثمارات حصل عليها الانقلاب في المؤتمر الاقتصادي بشرم الشيخ، بخلاف مساعدات نفطية تقدر ب10 مليارات دولار. وقال السيسي، وفق التسريبات المنسوبة إليه: "اللي أخدته وأنا مشير 112 مليار جنيه"، فيضيف عباس مساعدات أخرى تم تحصيلها وهي 14.4 مليار دولار، ويضربها في (7) وهي متوسط سعر صرف الدولار في هذا الوقت، ليخرج لنا بنتيجة تقريبية، وهي 85 مليار جنيه (الصحيح هو 101 مليار جنيه)، مقرّباً إجمالي المساعدات إلى 200 مليار جنيه، فقاطعه السيسي قائلاً: "أكتر من 200 مليار"، كونها تصل في الحقيقة إلى 213 مليار جنيه تعادل نحو 30.5 مليار دولار، وفق متوسط سعر صرف الجنيه آنذاك. غير أن السيسي يُفجّر مفاجأة جديدة، وهي أن هذه المبالغ الهائلة لا تتضمن المساعدات النفطية التي جاءت بعد يناير 2014، وتشير تقديرات إلى بلوغ المساعدات الخليجية قبل المؤتمر الاقتصادي 42 مليار دولار. فهذه الأرقام تشير إلى تقديرات المساعدات قبل المؤتمر الاقتصادي بشرم الشيخ في منتصف مارس 2015، حيث بلغت مساعدات دول الخليج لمصر أثناء المؤتمر وحده 12,5 مليار دولار. ولا يعلم أي طرف أو جهة أين ذهبت هذه الأموال ودخلت في أي حساب؟ وكان قد كشف وزير الاستثمار المصري بحكومة الانقلاب، أشرف سالمان، في مؤتمر اقتصادي بدبي، عن أن بلاده حصلت على 23 مليار دولار من دول الخليج، على مدى 18 شهراً منذ بداية الانقلاب، على صورة منح ومساعدات بترولية، بالإضافة إلى ودائع في المصرف المركزي من الكويت والسعودية والإمارات العربية المتحدة. ولم يوضح أوجه إنفاق هذه المساعدات الضخمة، وما إذا كانت قد تمّت إضافتها إلى الموازنة العامة واحتياطي البلاد من النقد الأجنبي أم لا. وأعلنت وزارة المالية ، في البيان الختامي لموازنة العام المالي 2013 - 2014، أن إجمالي ما دخل الخزانة العامة من دعم خليجي لمصر خلال هذه الفترة لا يتجاوز 10.6 مليارات دولار، وهو ما يتعارض مع تصريحات متفرقة لأكثر من مسؤول مصري، من بينهم السيسي نفسه، والذي قال في 7 مايو 2014، إن المساعدات الخليجية لبلاده، ليست "12 ولا 15 ولا 20 مليار دولار"، مضيفاً: "أتكلم عن أموال فقط، أكثر من 20 مليار دولار". بلا أثر ملموس وبحسب محللين اقتصاديين، لم يظهر للمساعدات الخليجية أي أثر ملموس؛ سواء في الموازنة العامة للدولة المصرية التي استمر العجز الحاد بها؛ بل وزاد العجز بعد وصول المساعدات لمصر لتصل قيمته 253 مليار جنيه في العام المالي الأول للانقلاب 2013 - 2014، مقابل 239 مليار جنيه في العام الذي حكم فيه محمد مرسي البلاد 2012 - 2013، كما لم تنعكس المساعدات في شكل تحسن في الأحوال المعيشية للمواطنين؛ بل حدث العكس، حيث زادت معدلات الفقر والبطالة، وشهدت الأسعار ارتفاعات قياسية، واستمر تراجع احتياطيات البلاد من النقد الأجنبي لدى البنك المركزي المصري، وهو ما يعني عدم تغذيتها بالمساعدات المقدمة لمصر. الخليج أولى بأمواله وأشار محللون إلى أن الخليج كان أولى بأمواله المهدرة من قبل سلطة الانقلاب في مصر، فقد أظهرت البيانات الرسمية لمؤسسة النقد العربي السعودي "ساما" في تقريرها في مارس 2015، أن الاحتياطي العام للمملكة انخفض بنحو 100 مليار ريال في نهاية شهر فبراير الماضي، مقارنة بنهاية يناير من العام الجاري. وتعاني السعودية أزمة بطالة أيضًا، فقد أصدرت مصلحة الإحصاءات العامة ووزارة العمل في السعودية بيانًا مشتركًا حول بيانات ومعلومات البطالة في 16 فبراير 2015، حيث اشار البيان إلى استقرار مؤشر عدد السعوديين العاطلين والعاطلات عن العمل في المملكة عند قرابة ال 651 ألف عاطل، منهم (258 ألف رجل و392 ألف امرأة)، وبلغ إجمالي معدل البطالة 11.7 %، حسب "شئون خليجية". وكشفت دراسة أعدها معهد "تشاتام هاوس" البريطاني في فبراير 2015، أن "انخفاض عائدات النفط والسكان صغار السن قد يتسببوا في صداع متزايد لحكام الشرق الأوسط، في وقت تواجه فيه دول الخليج أزمات اجتماعية واقتصادية". وطالبت الدراسة دول الخليج بضرورة التوقف عن الاعتماد على الوقود الحفري كمصدر أساسي للدخل، أو في المقابل سيواجهون أزمات اجتماعية واقتصادية مستقبلًا. وحذرت الدراسة من أن زيادة الشباب صغار السن المطالبين بمزيد من الحريات، في ظل انخفاض أسعار النفط عالميًا، يضع حكومات المنطقة تحت ضغط مكثف، وتحدثت عن أن التزامات الإنفاق تنمو بشكل حاد، في مقابل انخفاض عائدات النفط، في ظل صعوبة فرض ضرائب لما لها من عواقب وتداعيات سياسية. تقليص برامج الإنفاق وأوضحت دراسات أن انخفاض أسعار النفط في الأسواق العالمية، أثر سلبًا على اقتصاديات دول مجموعة "اوبك" المصدرة للنفط، بما فيها دول مجلس التعاون الخليجي التي تواجه جملة من التحديات والصعوبات الإضافية المهمة، التي قد تكون سببًا في حدوث بعض المشكلات والأزمات الداخلية، خصوصًا وأن النفط يعد أهم مكونات الحياة الاقتصادية لدول الخليج التي تعيش، وكما يشير بعض الخبراء إلى أنها مرحلة استثنائية تقتضي اتخاذ إجراءات وتدابير خاصة لمواجهة التداعيات المحتملة. وهبوط أسعار النفط أدى، وبحسب بعض المصادر، إلى حدوث تغيرات هائلة في الموازين المالية والحسابات الجارية لدول الشرق الأوسط ودول الخليج. ووفقًا لتقديرات صندوق النقد الدولي، فإن الدول المصدرة للنفط ينبغي عليها "التعامل بحذر مع هبوط أسعار النفط على أنه ظاهرة دائمة"، مضيفًا أنه ينبغي عليها أيضًا تقليص برامج الإنفاق. وكشف موقع "أويل برايس" العالمي، أن الهبوط الحاد في أسعار النفط كان له أصداء سلبية كبيرة في الدول المنتجة للنفط، التي تكبدت خسائر فادحة في الإيرادات، التي كانت تستخدمها في برامج الإنفاق لاسترضاء مواطنيها.