كشف الخبراء عن أن قرارات العسكر وردود أفعالهم قد تبدو مفاجئة أو غريبة أو حتى عنيفة، ولفهم ما يجري يجب الانتباه إلى ما أسميه "عقلية العسكر". فللعسكر عموما - وعسكر مصر خصوصا - "عقلية" خاصة أو طريقة في التفكير لها سمات عامة تميزها سمات "عقلية" العسكر: 1- هناك قائد واحد في الكتيبة، فلا يقبلون أي شريك في الحكم. 2- تخلص من كل من عاونك في الوصول للسلطة. 3- الضغط على الخصم حتى يستسلم. 4- عدم إعطاء شيء للخصم إلا مضطرا. 5- الحرب خدعة. واستنادا إلى هذه العقلية بنى العسكر استراتيجيتهم منذ الانقلاب حتى الآن؛ فكان يعلم علم اليقين - وهو على حق في ذلك - أنه بكلمة واحدة من الإخوان أو من الرئيس مرسي - يعترفون فيها بما جرى أو يتنحى فيها الرئيس أو يستقيل يمكنه حل مشاكله العويصة واستتباب الأمر له في مصر. وبناء عليه فقد اعتمد على سياسة الضغط على الإخوان والتصعيد معهم بكل وسيلة ممكنة لعلهم يرضخون إن عاجلا أو آجلا، ومن هذه السياسات: التهديد بحل الحزب التهديد بحل الجماعة التهديد بإعلان الجماعة إرهابية حل الحزب حل الجماعة إعلان الجماعة إرهابية التهديد بمصادرة أموال الجماعة مصادرة أموال الجماعة التهديد بإصدار أحكام بالإعدام إصدار أحكام بالإعدام التهديد بتنفيذ أحكام الإعدام تنفيذ أحكام الإعدام بالفعل كل هذه الضغوطات لم تدفع الإخوان للرضوخ أو القبول بالانقلاب، على العكس، أصبح سقف الثوار عاليا، وأي قيادة تصدر تصريحا لا يلبي الحد الأدنى المقبول لأنصار الشرعية تسحقه القواعد سحقا فإما يضطر للاعتذار أو يتوارى عائدا للخلف ولا يسمع له صوتا بعدها! *** مشكلات السيسي الأربعة: السيسي الآن - صدق أو لا تصدق - في أضعف حالاته، يواجه ثلاث مشكلات كبرى لا يستطيع أن يفعل معها أي شيء، سوى كلام عاطفي ساذج، والتمسح بمحاربة الإخوان. ومما زاد الأمر سوء أن المشكلات الثلاثة التي يواجهها السيسي ولدت مشكلة رابعة إضافية، لتكتمل مشكلات السيسي التي ستعصف بانقلابه إن شاء الله. 1- مشكلة الشرعية: وهي أقدم مشكلة يواجهها السيسي، و كان ينتظر كلمة من الرئيس كي يتنحى أو يستقيل، أو من الإخوان فيقبلوا بالأمر الواقع ويشاركوا في الحكومة، أو من الحشود في الشوارع كي تنصرف، فيبدو أن هناك إجماعا من الشعب على الانقلاب على مرسي، إلا أن شيئا من هذا لم يحدث. على الرغم أننا أصحاب حق إلا أننا إزاء أحد هذه السيناريوهات - التي لم تحدث - لكنا أمام منشكلة حقيقية ستضعف موقفنا كثيرا: أ- إذا لم يترشح السيسي للرئاسة؛ فكان سيؤكد حينها لمؤيديه أنه لم يقم بانقلاب طمعا في السلطة. ب- إذا لم تكن الانتخابات الرئاسية بهذا القدر من السوء والتزوير وسط مناخ سياسي منعدم. ج- إذا أجرى انتخابات برلمانية. لحسن الحظ لم يحدث شيء من هذا، حتى رأى الجميع أن ما جرى كان انقلابا، وأنهم شاركوا في أسوأ عملية قتل جماعي حدثت في تاريخ مصر. 2- المشكلة الاقتصادية: فكل التقارير الأمنية التي ذهبت إلى السيسي تؤكد وجود حالة سخط غير مسبوقة بين قاطاعت غير مسيسة أصلا، أو حتى بين قطاعات اقتنعت يوما أن السيسي سيخلصهم من الأزمات الحياتية التي واجهتهم بعد الثورة وأثناء حكم الرئيس مرسي. المشكلة أنه من المرشح والمرجح أن تزداد هذه الأزمات في الفترة الاقدمة مع اقتراب الصيف ورمضان. 3- مشكلة الانفلات الأمني وهي الميزة التي قدم السيسي نفسه بها، على أن البلد تحتاج رجل عسكري يضبط الأمن المنفلت منذ 28 يناير 2011، وأن أجهزة الدولة كلها معه ولا سيما الجيش والشرطة. إلا أنه منذ الانقلاب حتى الآن والاختراقات الأمنية على قدم وساق، فسيناؤء خارج التغطية واستهداف الجيش هناك لم يتوقف بل ازداد، أما في الوادي والدلتا، فقد حدثت اختراقات كبيرة لأجهزة سيادية منها، قطع الكهرباء عن مدينة الانتاج الإعلامي وماسبيرو. أما السيسي نفسه فقد اعترف في خطابه "الشهري" الأخير أنهم تم رصد حدوث اختراقات للجيش والشرطة! *** المشكلة الرابعة: صراع الأجنحة! عدم تقديم السيسي أي حلول للمشكلات الثلاثة السابقة منذ الانقلاب حتى الآن ولّد مشكلة رابعة وهي صراع الأجنحة في نظامه، هذا الصراع الذي يتبدى بصورة أوضح من أن ينكرها أحد. فكل من يتنافس مع أحد في النظام يقوم بالتسريب له بصورة مثيرة للسخرية. رأينا تسريب السد البدوي الخطير، وتسريب سامي عتان، ومن قبلها تسريبات السيسي نفسه! كما أن رجال وزير الداخلية الجديد القادم من الأمن الوطني يشكو أن رجال الوزير القديم القادم من الأمن العام لا يتعاونون معه! هذه المشكلات الأربعة تعصف بالسيسي، وتجعله لا يرى مخرجا إلا اعتراف الإخوان بالأمر الواقع والقبول بانقلابه، الأمر الذي يدفعه إلى الضغط بكل ما تبقى له من أوراق، كي يبدو أنه ماض في طريقه، وأن انقلابه أمرا واقعا، وأن عليهم القبول بأي شيء بدلا من أن يفوتهم القطار. الأمر لا يحتاج سوى مزيد من الصبر، فمع عجز السيسي عن تقديم أي حلول للمشكلات السابقة فإن بقاء انقلابه يبدو مستحيلا.