أكد مراقبون عسكريون أن العودة الميدانية لحركة طالبان بقوة بعد انسحابها العام 2001 أمام قوات الاحتلال الدولية جاءت كنتاجٍ لتخبط الولاياتالمتحدة في أفغانستان ووقوعها في أخطاء أساسية في إدارة الملف الأفغاني الداخلي. وقال المراقبون :"بدأ هذا التراكم مع الفشل في عملية التنمية المفترضة التي كان يجب أن تواكب مرحلة ما بعد طالبان، وضعف البناء في الهيكل السياسي اللازم للاقتراب من فهم العلاقة بين السكان والقوميات والواقع الاجتماعي والقبلي في البلاد، حيث أكدت الإحداث أن نجاح المهمة العسكرية لا يرتبط فقط بالإمساك بالوضع الميداني، بل أن القيادة العسكرية الأميركية في أفغانستان ترى أنه لا بد من التوجه إلى إعادة بناء إدارة محلية تتمكن من كسب ثقة المواطنين الأفغان. غير أن الانتخابات الأفغانية الأخيرة والجدل الذي استمر حول شرعيتها، لم يساعد أصحاب نظرية بناء الدولة الأفغانية كثيراً. في المقابل فإن توظيف المزيد من القوة العسكرية الأميركية في أفغانستان واجهه انقسام حاد في الإدارة الأميركية، وبحسب رؤية المراقبين تنقسم الإدارة في رؤيتها للواقع الأفغاني إلى مجموعتين: المجموعة الأولى يقودها قائد القوات الأميركية وقوات "الناتو" في أفغانستان الجنرال ستانلي ماكريستال، ويدعمه وزير الحرب روبرت غيتس والقيادة العسكرية ووزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، وتهدف هذه المجموعة إلى الحصول على تعزيزات مرحلية قوامها 40 ألف جندي وتوسيع المهمة لحشر حركة طالبان وتنظيم القاعدة وبناء قوات محلية قادرة على مواجهة التحدي الامني. المجموعة الثانية يتزعمها نائب الرئيس جوزيف بايدن، ويدعمه مستشار الأمن القومي جيمس جونز وشخصيات بارزة في الكونغرس من بينها جون كيري وكال ليفين، وتدعو هذه المجموعة إلى تقليص الدور الأميركي بحيث تتراوح مهمة القوات العسكرية بين تأسيس البنية التحتية للحكومة الأفغانية وضمان الحدود ضمن نظرية "الاحتواء والردع"، وتتحدث هذه المجموعة عن طالبان "معتدلة" وأخرى متشددة، وضرورة فتح قنوات تواصل مع أطراف في الحركة بهدف دفعها للإنخراط في العملية السياسية في البلاد وفصلها عن تنظيم القاعدة . غير أن فريق ماكريستال حذر من استراتيجية نائب الرئيس الاميركي واعتبر أنها ستؤدي حتما إلى فوضى. في المقابل شكك بايدن وعدد من كبار المسؤولين الأميركيين في الافتراضات الرئيسية التي بنى عليها قائد القوات الأميركية في أفغانستان نظرته "الكئيبة" للحرب، وحذروا من استعجال ماكريستال، مما قد يكرر سيناريو حرب فيتنام، ويدفع أوباما للوقوع في الخطأ الذي وقع فيه الرئيس السابق ليندون جونسون حين زاد عدد القوات هناك عام 1964 وتخبط في حرب استمرت 15 سنة، وذهب فيها أكثر من 60 ألف جندي أميركي، وبين هذا وذاك يضيع الرئيس الاميركي في تحديد الإتجاه الذي سيسلكه في التعامل مع المأزق الأفغاني. ويشير مراقبون في الولاياتالمتحدة إلى تذبذب سياسة باراك اوباما - سواء بسبب تردده الشخصي أو بفعل الصراعات الداخلية في صفوف إدارته - على أنه وصفة مسمومة تلحق الكثير من الضرر بالمصالح القومية الاميركية. غير ان هذا التخبط الأميركي الذي رافقته "اعتذارات" للعالم الإسلامي عما يسمى ب "فترة ما قبل أوباما" هو نتاج عقلية موروثة من الإدارات الأميركية المتعاقبة التي تنزلق من خطأ إلى آخر في تعاملها مع قضايا هذا العالم، والأسوأ أن هذا الانزلاق يزداد سوءاً مع الوقت، ولن تستطيع الإدارة الحالية إنقاذ نفسها من المستنقع الأفغاني تحديداً على الرغم مما يبدو من تراجع الإدارة الحالية قليلاً عن المسرح الدولي وتسليط اهتمامها أكثر على أولويات الأميركيين الداخلية. وأكد المراقبون أن الولاياتالمتحدة الاميركية فقدت البوصلة الإستراتيجية وتتجه نحو "اللاهدف واللاقرار"، وتكثر الأمثلة على تردد الأدارة الحالية فقرار أوباما إلغاء مشروع الدرع الصاروخية في بولندا والتشيك فُسّر على أنه ضعف امام موسكو، وكوريا الشمالية لم تعبأ بتهديدات واشنطن وقامت باختبارت نووية جديدة، فيما شكل الثبات الإيراني في الملف النووي تحدياً كبيراً لقدرة الولاياتالمتحدة في فرض حضورها الدولي. وتسري حالة الضعف الحالي لإدارة أوباما على السياسات الخاصة بأفغانستان، ويشير التأرجح الحالي الى ان اوباما لم يثق في وقت من الاوقات في قائده العسكري في أفغانستان الجنرال ستانلي ماكريستال، ولا في مبعوثه الخاص للمنطقة السفير السابق ريتشارد هولبروك. وقال المراقبون :" يبدو ان أوباما يشعر بأنه ليس من المناسب سياسياً أن يتابع تنفيذ سياسته الأفغانية في وقت تتصاعد فيه معارضة الديمقراطيين وبعض الجمهوريين للحرب، فيما تتراجع نسب التأييد للحرب في أوساط الرأي العام الأميركي، اذ حسب استطلاع "سي بي أس" يرى 53 % من الأميركيين أن الأمور تسير في شكل سيئ هناك، ويحبّذ 41 % الانسحاب مقابل 29 % يقبلون بزيادة عديد القوات الاميركية، كما لا تساعد العوامل الداخلية الاميركية في التحضير لزيادة بكلفة 5.5 مليار دولار في ظل الأزمة الاقتصادية ومساعي أوباما لخفض العجز في الموازنة. ومن المفارقات أن الخطط الإستراتيجية لأي من الإدارات الاميركية المتتالية تبدأ في الأشهر الأولى من عمر الإدارة، غير أن واشنطن لم تشر بشكل واضح حتى الآن للاتجاه الذي ستمضي إليه سياساتها الخارجية خلال الاشهر ال 39 المتبقية من عمرها، مما يعني ان أمامها المزيد من الأخفاقات الواسعة في المستنقع الافغاني.