حذر نشطون مسلمون في بريطانيا مسئولي حزب العمال الحاكم من مواصلة حملة ضد المسلمين باتت على أشدها في محاولة لاستدرار عطف الناخبين استعدادا للانتخابات المحلية، منتهجين نفس سياسة الجمهوريين الأمريكيين التي قادتهم إلى خسارة فادحة في الكونجرس. فقبل أشهر قليلة من الانتخابات المحلية البريطانية يشير مراقبون إلى أن حزب العمال، برئاسة رئيس الوزراء توني بلير، ينتهج نفس سياسة الحزب الجمهوري الأمريكي بالإسهاب في الحديث عن الإرهاب ومحاربته، ومحاولة الربط بينه وبين الإسلام في مسعى لحشد التأييد قبل الانتخابات. وعن ذلك قالت الصحفية البريطانية المسلمة "إيفون ريدلي" : إن المسئولين البريطانيين يحاولون استغلال عنصر الخوف، مستفيدين من العنصرية التي تولدها السياسة الأجنبية. وأعربت عن استيائها من تصريح القائد العام لشرطة لندن إيان بلير، التي اتهم فيها مسلمي بريطانيا بأنهم لا يساعدون الشرطة على مواجهة الإرهاب. وتعجبت الصحفية البريطانية من محاولته برهنة أن المسلمين ينكرون ما يعرفونه عن الإرهاب بقوله إن: "أي مساعدة من المسلمين تتسم بالبطء". ووصفت إيفون (43 عاما) -التي أسرتها حركة طالبان في أفغانستان عام 2001 لمدة عشرة أيام- السياسات التي تنتهجها السلطات البريطانية في هذا السياق بأنها "قذرة". وقارنت الصحفية البريطانية المسلمة ما يقوم به المسئولون البريطانيون لتخويف الناخبين من المسلمين بالسياسة التي انتهجها النازيون للتنفير من اليهود في الثلاثينيات. وحذرت إيفون مسئولي حزب العمال من مواصلة الربط بين الإرهاب والمسلمين كوسيلة لزيادة شعبيتهم قبل الانتخابات المقررة 3-5-2006 في إنجلترا وأسكتلندا. واعتبرت أن اللعب على هذا الوتر قد يعطي نتائج عكسية، مشيرة إلى أن عليهم أن يتعظوا بما حدث مؤخرا في انتخابات التجديد النصفي للكونجرس الأمريكي، والتي فقد خلالها الحزب الجمهوري، الذي ينتمي إليه الرئيس جورج بوش، السيطرة على مجلسي النواب والشيوخ. ووصفت إيفون حملة العمال ب "الموسم المفتوح" لمهاجمة المسلمين، مشيرة إلى أن الهجوم يستهدف جميع مناحي حياتهم من قول وفعل وملبس. بدأت بالنقاب أنس التكريتي، المدير التنفيذي لمعهد "قرطبة" للدراسات العربية -وهو مؤسسة تعمل في مجال البحث بالتعاون مع هيئات صناعة القرار في بريطانيا وأوروبا لدعم الحوار- اعتبر من جانبه أن الحملة بدأت بالنقاب. وقال: "لقد أصبح كافة المسئولين البريطانيين على وعي تام بالنقاب رغم أن عددا قليلا من المسلمات في بريطانيا يرتدينه". وأضاف التكريتي، الرئيس السابق للرابطة الإسلامية في بريطانيا، أن السلطات البريطانية تحاول جعل المسلمين بمثابة "شبح مخيف". وحذر الناشط البريطاني المسئولين من تأثير السياسة التي ينتهجونها "ليس على المسلمين وحدهم، بل على المجتمع كافة"، موضحًا أنه "لن يتقدم مجتمع يشعر بالخوف". واستنكر الناشط المسلم تصريحات وزارة الداخلية عن وجود 120 ألف مسلم يتعاطفون مع الإرهاب والتطرف بقوله: "هل هذا صحيح أم أنه مجرد تخمين؟"، مؤكدا أنهم لا يحاولون سوى "إيجاد مناخ من الخوف"، وحذر من أن "تكرار هذا الكلام يولد الإيمان به حتى إن لم يكن صحيحا". وتطرق التكريتي إلى تصريحات مديرة الاستخبارات البريطانية الداخلية "إم.آي.5"، إليزا مانينجهام بولر، بشأن قائمة مزعومة لنحو 1600 مشتبه بهم، معظمهم مسلمون تتعقبهم الاستخبارات، وحذر من أن "مثل تلك التصريحات تخلق نوعا من الهستيريا، وتدمر كل أمل يلوح في الأفق". وكانت إليزا صرحت في خطاب عام حضره جمع قليل بأن عملاءها "يتعقبون 1600 شخص مشتبه بهم من بين 200 جماعة إرهابية، غالبيتهم بريطانيون اعتنقوا الإسلام، وهم على علاقة بتنظيم القاعدة في باكستان". وانتقد التكريتي لهجة التعميم التي ميزت خطاب إليزا، والذي بدوره "يتسبب في نفور المجتمع البريطاني من كافة المسلمين حتى الأطفال". وبنبرة تعلوها السخرية قال التكريتي: "يبدو أن مصطلح التهديد الإسلامي قد يستمر معنا لأجيال"، متعجبا من حجم الجلبة التي أثارها عدد من المسئولين البريطانيين كرد فعل على تلك التهديدات التي قال إنها: "ما زالت عارية عن الصحة". وعبر الناشط المسلم عن صدمته من تصريحات مسئولين بأن "هناك مئات بل آلاف المسلمين البريطانيين الذين يؤمنون بأن التطرف والإرهاب هو الطريق الصحيح". استطلاعات الرأي وتأتي تصريحات المسئولين البريطانيين رغم استطلاعات للرأي نشرت مؤخرًا تؤكد أن الأغلبية الكاسحة من مسلمي بريطانيا يرفضون استهداف متشددين للمملكة المتحدة أو مجرد انتماء قريب لهم إلى تنظيم القاعدة. فقد أظهر استطلاع نُشر قبل أسابيع أن 93% من المسلمين البريطانيين يرون أن الهجمات الانتحارية بالمملكة المتحدة غير مبررة. كما أوضح التقرير الذي نشر تلك الإحصائيات، أن 98% من مسلمي بريطانيا الذين أدلوا بآرائهم أكدوا أنهم سيشعرون بالخجل إذا قرر فرد من العائلة الانتماء إلى القاعدة. ويرى مراقبون أن تحذيرات الحكومة البريطانية من مؤامرات إرهابية مزعومة تهدد أمن البلاد تأتي كمحاولة لصرف الأنظار عن ضغوط متوقعة على بلير، زعيم حزب العمال، والحليف الإستراتيجي لبوش في غزوه للعراق وأفغانستان، من أجل سحب قواته من العراق بعد الإقرار الأمريكي بالفشل في هذا البلد. يشار إلى أن عدد المسلمين في بريطانيا يقدر بنحو 1.8 مليون نسمة، أي ما يعادل نحو 2.7% من إجمالي عدد السكان البالغ حوالي 60.6 مليون نسمة.