إشارات انفراج الأزمة اليمنية بدأت تلوح في الأفق، على نحو يمكننا من القول بأننا مقبلون على أسبوع حاسم قد يضع نهاية للحرب العبثية الدائرة هناك. (1) إعلان تعيين السيد خالد بحاح نائبا لرئيس الجمهورية (الأحد 12/4) يعد أبرز تلك الإشارات. فالرجل البالغ من العمر خمسين عاما يلقى قبولا من كل الأطراف. ولذلك عين فى العام الماضي رئيسا لحكومة التوافق الوطني (كان فى السابق وزيرا للنفط ومندوبا لليمن بالأمم المتحدة)، وإلى جانب انتمائه إلى الجنوب (من حضرموت) وخبرته الطويلة فى العمل العام، فالمهم أنه كان مرشح الحوثيين في وقت سابق ليكون على رأس المجلس الرئاسي الذي اقترحوه لحكم اليمن، وهو ما يعني أن اختياره نائبا للرئيس إلى جانب رئاسته للحكومة بمثابة نقطة التقاء بين الطرفين المتحاربين، والذي لا يقل أهمية عن ذلك أن تعيينه في المنصب يعد مقدمة لتراجع دور الرئيس عبدربه هادي منصور، والتمهيد لخروجه من المشهد السياسي. خصوصا أنه أبدى رغبة في ذلك بعد إجرائه عملية القلب المفتوح، وقد أصبح خروجه من السلطة في المرحلة القادمة مسألة وقت متفق عليها بين مختلف الأطراف، بمن فيهم المملكة العربية السعودية. وفي حين أعلن نبأ تعيين السيد بحاح نائبا للرئيس في الرياض، فإن اجتماعات مهمة كانت تعقد بعيدا عن الأضواء في صنعاء بين الطرفين المتحاربين لإيجاد مخرج من الأزمة. وحسب معلوماتي التي استقيتها من سياسي يمني رفيع طلب عدم ذكر اسمه فإن الاجتماعات بدأت بعد انطلاق غارات التحالف، في وقت متزامن مع انعقاد قمة شرم الشيخ (في 28 مارس). وقد استضافها في مقره بصنعاء أحد الدبلوماسيين اليمنيين السابقين المستقلين، الذي اشترك معه نائب سابق لرئيس الوزراء شغل قبلا منصب وزير الداخلية وهو مقرب من حزب المؤتمر. ومن الطرف الممثل للحوثيين كان هناك محافظ سابق لصعدة، ومعه أحد ممثلي الطائفة الإسماعيلية. وقد انضم إلى المباحثات هذا الأسبوع ممثلون عن الناصريين والحزب الاشتراكي، ولم يبق خارج الحوار من ممثلي القوى السياسية الفاعلة غير حزب الإصلاح الذي اعتقل الحوثيون أغلب قياداته. حسب تعبير السياسي اليمني المتابع لمشاورات صنعاء فإن موضوع البحث الأساسي هو كيفية وقف الحرب وإنهاء السلطة العسكرية للحوثيين تمهيدا لمشاركتهم في السلطة السياسية. وهو ما يقتضي ثلاثة أمور هي: انسحاب الحوثيين من المناطق التي تمددوا فيها وتحول أنصار الله الذي يمثلهم إلى حزب مدني ومشاركتهم في السلطة جنبا إلى جنب مع الأحزاب اليمنية الأخرى. وتحت هذه العناوين تندرج تفصيلات كثيرة يفترض أن يحسم أمرها هذا الأسبوع. لكن ورقة الاتفاق النهائي لم تستكمل بعد. وحسب المعلومات المتوفرة فإن السيد عبدالملك الحوثي القيادي المعروف يتابع المباحثات بصورة يومية من مقره في صعدة، وهو الآن من مشجعي التوصل إلى اتفاق. خصوصا بعد إضعاف موقف أنصاره عسكريا، رغم تمددهم النسبي على الأرض الذي اقترن بالنقص الكبير في الوقود والمواد الغذائية، إضافة إلى الشلل الذي أصاب المرافق العامة. (2) الذي لاشك فيه أن كثافة الضربات الجوية التي شنتها طائرات التحالف الذي قادته السعودية (1200 طلعة حتى الآن) وحجم الدمار والترويع الذي حدث نتيجة لذلك كان لهما وقع الصدمة التي قلبت موازين المواجهة. ذلك أن الثمن الباهظ الذي دفع لم يعرفه اليمن في تاريخه الممتد، منذ عهد مملكة سبأ في القرن العاشر قبل الميلاد كما ذكر السياسي اليمني. وهو ما ينطبق عليه القول بأن العملية العسكرية نجحت لكن اليمن انكسر ودمر العمران فيه، حتى وصفت عدن مثلا بأنها أصبحت مدينة أشباح. لذلك لم يبالغ تقرير خبيرة مجموعة الأزمات الدولية الذي أعدته «ابرل لونجلى آللى»، حين ذكرت أن هذه من قبيل الحروب التي لا يخرج فيها أى طرف منتصرا. فالهوة صارت أعمق بين الزيود والشوافع. والحوثيون الذين تمددوا في أرجاء اليمن ضعفوا كثيرا. والرئيس السابق على عبدالله صالح اللاعب الأكبر والأخطر في الساحة انتهى سياسيا والجيش الذي أعده تلقى ضربات قاصمة، ودمرت معه القدرة العسكرية اليمنية. وحزب الإصلاح (إخوان اليمن) الحليف الرئيسي للسلطة الذي أيد غارات التحالف خسر التأييد الشعبي له. والسعودية التي كسبت المعركة العسكرية خسرت تأييد الشمال اليمني وحملها المثقفون مسئولية الدمار الذي حدث. ومجلس التعاون الخليجي الذي حسمت مبادرته على عبدالله صالح وحصنته، أصبح غيابه محل سخرية وتندر. وإيران خسرت أيضا بوقوفها إلى جانب الحوثيين ومساندتها الاستيلاء على صنعاء وتمددهم صوب عدن في الجنوب. وإذا صح أن تنظيم القاعدة حقق بعض المكاسب، سواء باعتباره حائط الصد ضد الحوثيين أو لأن أنصاره أطلقوا سراح المئات من رفاقهم المسجونين، فتلك أيضا خسارة من وجهة نظر المصلحة اليمنية العليا. يرى البعض أن ما جرى لم يخل من إيجابية. تمثلت في انكشاف الدور الخطر للرئيس السابق علي عبدالله صالح الذي أعد عدته للعودة إلى السلطة بعدما أمضى في منصبه 33 عاما. فهو من شجع الحوثيين على احتلال صنعاء وهو من دفعهم إلى الزحف على الجنوب، ثم أبدى استعدادا للانقلاب عليهم بعد بدء غارات التحالف. وكانت النتيجة أنه فقد ثقتهم ولم يتخل عن عدائه للقوى الوطنية، كما أنه فقد ثقة المملكة السعودية التي رعته طول الوقت، وقد أدرك الرجل أنه بات مرفوضا من الجميع، حتى بات يبحث الآن عن مكان يلجأ إليه في خارج اليمن. وكانت المملكة المغربية مرشحة لاستضافته في السابق، إلا أنه أرسل في الأسبوع الماضي وفدا يمثله إلى سلطنة عمان كانت قد استضافت بعض قادة الحزب الاشتراكي اليمني في الجنوب. ورأس الوفد وزير خارجيته أبوبكر القربى. ورغم ما قيل عن أن الوفد يطرح مبادرة للسلام، وأنه بعد مسقط يعتزم زيارة القاهرة وموسكو وواشنطن، إلا أن فكرة المبادرة ليست سوى غطاء لمحاولته البحث عن مكان يلجأ إليه بثروته التي نهبها طوال سنوات حكمه بعدما صار مرفوضا من جانب كل الأطراف (الشائع أنه هرب أمواله إلى الخارج وله استثماراته الكبيرة في دبى، التي نشط فى تحويلها إلى مصارفها بعدما عين ابنه أحمد سفيرا في أبوظبي). هكذا فإن خروج علي عبدالله صالح الذي يوصف بأنه «رأس الأفعى» من المعادلة السياسية ومن اليمن، بات يعد في نظر الطبقة السياسية الإيجابية الوحيدة للحرب التى وقعت. (3) الأطراف الخارجية ليست بعيدة تماما عن المشاورات الراهنة للخروج من الأزمة، صحيح أن الدول العربية التى أيدت «عاصفة الحزم» لم تعد طرفا في الحل السياسي، وأن دور سلطنة عمان بات مقصورا على حدود الوساطة التي لم تتهيأ ظروفها بعد. كما أن السفراء الأجانب غادروا صنعاء، وكان السفير الروسي آخرهم؛ حيث غادر هذا الأسبوع بعد إجلاء آخر خبير روسي في اليمن، إلا أن هناك دولتين لا تزالان في قلب المشهد هما: الولاياتالمتحدةوإيران، فالولاياتالمتحدة ظلت طول الوقت على صلة بكل الأطراف لأسباب عدة على رأسها أنها تعتبر وجود تنظيم القاعدة في اليمن بالقرب من باب المندب. بمثابة تهديد مستمر لمصالحها. وقد سبق أن أشرت إلى ما نقلته الصحافة الإسرائيلية عن اتصالهم بالحوثيين وعلمهم المسبق بمخططاتهم. لذلك فإنه في حين عاد السفراء الأجانب إلى بلادهم، فإن السفير الأمريكي لدى صنعاء مايتو تويلر لم يعد إلى واشنطن، لكنه نقل محل إقامته ومعه نشاطه إلى الرياض. بالقرب من ترتيبات الوضع اليمني المقبل؛ وحيث يوجد الرئيس عبدربه ونائبه خالد بحاح، وإذ يتابع ما يجرى بهذا الخصوص من العاصمة السعودية، فإنه على اتصال بالمشاورات التي تجرى في صنعاء، ومعلوماتى أنه يتابع نتائجها أولا بأول. إيران ليست بعيدة عما يجرى. وحضورها ليس ممثلا في البوارج التي أرسلتها إلى باب المندب فحسب، ولا في الجولات التي يقوم بها وزير الخارجية والمبعوثون الذين تم إيفادهم إلى مختلف دول المنطقة داعين إلى حل سياسي للأزمة، إلا أن لهم حضورا أهم وأخطر. إذ لم يعد سرا أن طهران تظل المرجع الأساسي الذي يرجع إليه الحوثيون في قراراتهم السياسية. وهو ما كشف عنه الدكتور عبدالكريم الإرياني المستشار السياسي للرئيس اليمني ورئيس الوزراء الأسبق، الذي كان أحد المفاوضين مع الحوثيين قبل احتلال صنعاء في حوار نشرته له صحيفة 26 سبتمبر اليمنية في 11 ديسمبر عام 2014. إذ قال إن أمورا تم الاتفاق عليها مع الحوثيين لم يحسم أمرها إلا بعدما تلقت صنعاء موافقة طهران عليها، من خلال وسيط عماني. لسنا نبالغ والأمر كذلك إذا قلنا إن ما ستسفر عنه المشاورات الجارية التى تتم الآن في صنعاء، سيؤخذ فيها رأي طهران. ولن يلتزم بها الحوثيون إلا إذا تلقوا تلك الموافقة. بسبب ذلك فإنني أزعم أن التصعيد المتبادل الحاصل الآن بين الرياضوطهران لا يخدم مساعي الحل السياسي، وهو ما يسري أيضا على مجمل التعبئة الحاصلة من مختلف المنابر في العديد من الدول العربية مصر من بينها التي بالغت كثيرا في الخطر الإيراني وأججت المشاعر ضد الفرس تارة وضد الزيود تارة أخرى. ولم تقصر الأبواق السلفية في ذلك حتى أن أغلب خطب الجمعة خصوصا في الحرم المكي باتت مكرسة للهجوم عليهم باعتبارهم من «الروافض». (من سخرية الأقدار أن المصطلح أطلقه مؤسس المذهب الزيدى زيد بن على زين العابدين (حفيد الإمام على بن أبى طالب) حين طلب منه نفر من أهل الكوفة أن يتبرأ من الصحابيين أبي بكر وعمر، وحين امتنع عن ذلك وقالوا له إنا نرفضك فرد عليهم قائلا: اذهبوا فأنتم الرافضة، ثم دارت دورة الزمن وأصبح السلفيون يتهمون الزيود بأنهم رافضة!). كنت أحد الذين انتقدوا سياسة إيران في اليمن ودعمهم غير المتحفظ للحوثيين، كما انتقدت التصريحات التي خرجت من طهران على لسان مستشاري المرشد ورئيس الجمهورية وبعض الكتاب، التي تباهت بتمدد النفوذ الإيراني إلى أربع عواصم عربية (بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء) وكان رأيي ولا يزال أن ما خص اليمن كان راجعا إلى سوء تقدير وغرور غير محسوب إضافة إلى الجهل بحقائق الوضع في اليمن وحتى المذهب الزيدي ذاته. لكن نقد السياسة الإيرانية والاختلاف معها شيء، واعتبار إيران عدوا إلى جانب إشعال نار الفتنة بإعلانها حربا بين الشيعة والسنة شيئا آخر ما كان ينبغي التورط فيه. ولئن تمنيتُ أن يعطي الأمر حجمه الطبيعي في حينه، فإن هذه الدعوة أصبحت الآن أكثر إلحاحا ليس فقط لأسباب استراتيجية مفهومة، ولكن أيضا لأننا بحاجة في الوقت الراهن إلى التهدئة وإلى صوت العقل في إيران، للإسهام في إنجاح مفاوضات الحل السلمي الجارية في صنعاء ووقف كارثة الحرب الدائرة. (4) لا أستطيع أن أختم دون أن أنقل تعبيرا صادقا عن مشاعر المواطن اليمني العادي، سجلته في قصيدة تتناقلها مختلف المواقع اليمنية، لستُ أعرف اسم صاحبها للأسف، لكنني تلقيتُها من يمنية مقيمة في النرويج هي السيدة رانيا المهدي. عنوان القصيدة هو: ضدهم وضدكم، وفيها يقول الشاعر: أنا ضدهم وأنا كذلك ضدكم ولذا سأكرهكم وأكره من تحالف ضدكم أنا ضد «عاصفة» اللئام صراحة وأنا كذلك ضد زيف صراخكم أردتم دمار بلادنا وخرابها فليس من جلب «العواصف» غيركم يا معشر الأوغاد إن بلادنا ليست دمى يلعب بها صبيانكم يا معشر الأوغاد إن كرامتى تأبى وترفض أن تقر لظلمكم فكفى سكوتا وانهضوا وتكلموا يا شعبنا إن السكوت يذلكم ما بين صرخة كاذب تشقوا بها وبين «عاصفة» تهب لقتلكم هذا مع إيران يخطب ودها وذاك يستجدي الخليج لضربكم فكفى مراهنة على أعدائنا وكفى فقد مل الكلام كلامكم