تناول المراسل الصحفى محمود الششتاوى مقالاً جديداً عن الوضع فى ليبيا واصفاً إياه بعيون مصرية داخل الأراضى الليبية الشقيقة . ويرصد الششتاوى وصف الحالة التى تخيم على الوضع المصرى الليبى من ناحية الشعوب ومدى إنتمائها لبعضها دون النظر لما يفعله الطغاه بمصير الشعبين من قتل وتآمر وتضليل من إعلامهم الموجهه. كما لفت الششتاوى إلى ذبح المصريين ومن المسؤل الحقييقى عن ال21 قبطياً وأكثر من مليون مصرى هناك وكيف سيتعامل النظام الانقلابى معهم. وقال الششتاوى فى مقاله. بخلاف الكثير من المصريين الذين تعاطوا مع الحادث الإجرامي البشع الذي قامت به مجموعة إرهابية تابعة لما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية المختصر إعلاميا باسم " داعش " وطالبوا بالثأر لدماء 21 بريء ذبحوا غدراً بدون أي ذنب ارتكبوه وربما ذبحوا على فعل لم يسمعوا عنه أصلاً ولا يعرفون عنه أي شيئ .. كان حال المصريين في ليبيا مزيج من الفجيعة والقلق. بحزن مختلف عن حزن كل المصريين وقلق وريبة تلقينا الخبر وشاهدنا المشهد المؤلم، فهؤلاء هم نحن، نشبه بعضنا البعض أتينا من بلادنا إلى هنا في ليبيا لنفس الظروف، وان اختلفت التفاصيل. فجعنا وصدمنا بما حدث وجلسنا في دهشة وذهول، يفكر كل منا بحزن ما الذي سيحدث وما ردود الفعل وما ذنب هؤلاء؟ علمنا ان هناك خطابا للسيسي تعليقاً على ما حدث وعلى اختلافنا بين مؤيد ومعارض جلسنا ننتظر باهتمام لما سيؤل عنه البيان ، دقائق وبدأ الخطاب.. الذي تضمن جملة مطمئنة لنا وقتها وهي " ان مصر تحتفظ لنفسها بحق الرد في الوقت والمكان والطريقة المناسبة " فبالرغم من انها من الجمل المطاطة لكننا كنا نخشى من أي رد فعل في هذا الوقت وهذا الظرف كنا نخشى من أننا ربما نكون أول الضحايا لأي رد فعل غير محسوب . كانت حساباتنا أننا قد نصبح في عداد الرهائن، لكن الجملة طمأنتنا لساعات، لنصحو بعد ليلة كان النوم فيها زائر خفيف على خبر توجيه ضربات جوية مصرية لعدد من الأهداف داخل ليبيا في مددينة درنة وان مصر أعلنت ذلك بشكل رسمي فكان ذلك لنا بمثابة الصدمة الثانية التي ضاعفت قلقنا بعد فاجعة ذبح إخوتنا .. في هذة اللحظة أدركنا اننا أصبحنا محاصرين، فهذة المرة ليست كأي مرة ففي المرات السابقة لم تكن مصر طرفا مباشرا في الصراع ولكننا أصبحنا فجأة وبشكل رسمي طرفا في ذلك الصراع الدموي .. وكنا نود تأجيل التورط .. كانت المشاعر متضاربة بين وجع على رفاق واهل ذبحوا وقلق على مستقبل مليء بالاحتمالات السيئة .. أو على الأقل كانت هذه حساباتنا وقتها كنت أمارس عملي كمندوب انتقل من مكان لآخر وأحاول رصد ردود أفعال الجميع مصريين و ليبيين ، كان الجميع حزينا بصدق على مقتل المصريين وكذلك كان جميع من قابلت وعلى خلاف توجهاتهم رافضين للضربات الجوية والتي راح ضحيتها مدنيين كما أُعلن وقتها، وكنت أتلقى تحذيرات من الجميع بتوخى الحذر لأن هناك حالة من الغضب مما حدث معتبرين ان تلك الضربات تعدي على سيادة دولتهم المفقودة بين تناحر أبنائها. أنهيت أنا وزملائي المنتشرين في معظم أحياء طرابلس وقتها أعمالنا مبكراً وعدنا إلى مقر عملنا وسكننا ليسأل كل منا الآخر عما لاحظه، وشاهده كانت الاجابات تقريبا واحدة والتحذيرات واحدة، وكان كل منا يختتم كلامه بنفس السؤال ماذا سنفعل ؟ توقفنا عن العمل منذ ذلك اليوم – الإثنين – وحاصرنا القلق داخل أنفسنا قبل أن أن نحاصر داخل مساكننا خوفاً من رد فعل مجهول لم يحدث حتى الآن، لكننا كنا ومازلنا نتوقع حدوثه في أي لحظة مع أي تطور للأحداث. فكر الكثير منا في العودة إلى مصر ولكن الأزمة لم تكن في قرار العودة وانما كانت ومازالت في كيفية تنفيذ ذلك القرار، فالطريق البري المؤدي لمعبر " مساعد – السلوم " أسرع الطرق للانتحار حال السير فيه فمصر تقع شرق ليبيا، أي أن الطريق من طرابلس – غرب ليبيا – لمعبر مساعد في أقصى الشرق لابد وان يمر بمدن الشرق التي تشهد نزاعات والتي يسيطر على بعضها موالين لتنظيم " داعش " كتنظيم أنصار الشريعة المبايع لهم ، أو بوابات أمنية بعضها لقوات عملية "فجر ليبيا " المعارضة لعملية الكرامة التي يقودها اللواء خليفة حفتر ضد التيار الإسلامي وبعضها يسيطر عليها قوات تابعة لعملية الكرامة الموالية لحفتر ناهيك عن المعارك التي تدور في بعض مدن الشرق الرئيسية كبنغازي .. أما العودة عن طريق المطارات الموجودة، كمطار " معتيقة " بطرابلس الواقع تحت سيطرة قوات فجر ليبيا والذي تعمل به شركات الطيران الليبية فقط بعد أن تم تدمير مطار طربلس الدولي في معارك يوليو واغسطس 2014 فتحفها نفس المخاطر بعد ان تسبب تدمير مطار طرابلس في ضغط شديد على المطار وشركات الطيران الليبية ذات القوة المحدودة ونظراً للظروف السياسية والأمنية بين البلدين الرحلات محدودة جداً، والحجز يكاد شبه متوقف بسبب الضغط الموجود بطبيعة الحال فما بالك في الظروف الحالية؟ .. إذاً فالطريق الوحيد المتاح يمر عبر معبر رأس جدير بين ليبيا وتونس للسفر عبر الأراضي والأجواء التونسية لكن تبقى الأزمة هنا في الطريق للمعبر ،فإن كان الخطر فيه أقل إلا انه تحت سيطرة قوات تابعة لفجر ليبيا، وهذا ليس سببا كافيا للقلق .. وانما القلق الرئيسيي في حالة الفراغ الأمني فقد تكون ضحية لأي عملية اختطاف وتصفية انتقامية في ظل الظروف الحالية خاصة واننا عندما اتصلنا بأرقام وزارة الخارجية أبلغونا انه علينا حماية أنفسنا داخل ليبيا، حتى وصولنا لمعبر رأس جدير لأنهم لن يستطيعوا فعل أي شيئ لنا داخل ليبيا نظراً لعدم وجود أي تمثيل دبلوماسي حالياً بعدما تم سحب طاقم السفارة في يناير 2014 بعد خطف الملحق الإداري وأربعة من الموظفين آن ذلك .. هكذا صار قرار العودة محفوفا بالمخاطر بعد الضربات الجوية التي رأينا أنها لم تضعنا في حسابها، ولم تحسب حساب آلاف العمال الذين أصبحوا في لحظة في حكم الرهائن .. داخل طرابلس ومن حين لآخر نسمع عن القبض علي أعداد من المصريين بعض هذه الأخبار شائعات وبعضها حقيقي، لكن المؤكد والحقيقة الثابتة ان هناك بالفعل عمليات قبض تمت على مصريين أغلبها بتهمة عدم وجود أوراق ثبوتية أو إقامات، وبعضها بتهمة تزوير أوراق الإقامات وفي المحصلة النهائية وفي ظل غياب الدولة فلا تعرف من يقوم بالقبض على هؤلاء فكل كتيبة مستقلة بذاتها تقوم بعمل بوابات أو بمداهمة سكن للعمالة المصرية، وتلقي القبض على العمال ويتم الاحتجاز والاعتقال في معسكرات هذة الكتائب في ظل ظروف إنسانية سيئة بسبب أن هذة المعسكرات غير مؤهلة ولا مخصصة للاحتجاز، فيعاني العامل المعتقل الأمرّين حتي يمن الله عليه بشخص ما يتوسط له ان كان له معرفة ويتم الإفراج عنه بعد دفع مبلغ من المال وعلى ضمان الشخص أو ان يتم ترحيله في رحلة عذاب بعد سجن لفترة غير معلومة ومؤلمة. لو اردنا التحدث بصدق فلابد أن نؤكد انه وحتى الان لا يوجد اضطهاد للمصريين من المواطن الليبي، لكن هناك تضييق على العمالة المصرية الموجودة داخل ليبيا كالتشدد معهم فيما يتعلق بأوراقهم الثبوتية والقبض على العشرات تحت ذريعة عدم وجود أو تزوير أقامات أو كما حدث بمدينة مصراتة التي تعتبر معقل للقوام الرئيسي لقوات فجر ليبيا التي أعطت العمالة المصرية الموجودة 48 ساعة كمهلة لمغادرة مصراتة بعد القصف المصري لأهداف عسكرية في مدينة درنة .. ختاماً .. من دفع الثمن هو المواطن المصري الذي هرب من الفقر المدقع في بلاده وجاء إلي ليبيا بحثأ عن لقمة العيش ، فدفع ثمن أفعال لم يرتكبها وربما لم يعرف عنها شيئ وثمن قرارات أتخذها نظام الحكم في بلاده بسبب سياسات وحسابات سياسية لا نعرف لصالح من تصب .. لعنة الله على من يستبيح دماء الأبرياء من أجل السياسة أو المال أو ظلماً باسم الدين ..