يتناول الشيخ والداعية والباحث الإسلامي عصام تليمة، موقف مصر تجاه ليبيا والغارات التى شنتها على مدن ليبية، مما أدت لمقتل المدنيين بغير وجه حق، فيقول؛ ربما تختلط على الناس الأحداث، فتجعلها تندفع عاطفيا لاتخاذ موقف مؤيد أو معارض لفعل ما، أو لرد فعل ما من باب الانتقام، والواجب على العلماء في مثل هذه المواقف بيان موقف الشرع، بلا تعصب لطرف، أو تحامل على طرف، بل بتجرد كامل، متمثلين قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين) النساء: 135، وقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى إن الله خبير بما تعملون) المائدة: 8، وقوله تعالى: (الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله وكفى بالله حسيبا) الأحزاب: 39. كلنا نتابع بلا شك ما يدور في ليبيا، من ذبح لواحد وعشرين مصريا على يد (داعش)، وما يحدث من ضرب لليبيا على يد القوات المسلحة المصرية، ونتج عن الحادثين قتلى مدنيين برآء، وبداية أعلن: أنني ضد ما قامت به داعش من خطف لمصريين مدنيين، كما أني ضد خطف الكنيسة لمسيحيات أسلمن، وهي تحديدا: وفاء قسطنطين، وضد قتل داعش لهؤلاء المدنيين، وضد قتل الجيش المصري لمدنيين في ليبيا، كل هذه أفعال حرمها الإسلام، فالدم كله حرام، لا تفريق فيه بين دين أو جنس. لكن ما يحتاج إلى موقف واضح وبين ما يتبناه البعض من فقه لا صلة له بصحيح الإسلام، كما نرى ذلك في فقه تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، أو من يريد رد الظلم عليهم بانتقام يطال البريء وغير البريء، فهذا ما يحتاج من أهل العلم إلى بيان، ورد على مثل هذه الشبهات التي تثار، وتجد صدى لدى بعض الشباب ممن لا عمق لديهم في فقه الإسلام وشريعته. استند الفقه الداعشي في قتل المخطوفين المصريين: أنهم مسيحيون، وإن لم يكونوا محاربين، وأن القرآن الكريم يقول: (وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة) التوبة: 36. وأن هؤلاء كفار، وأن ولاءهم للكفار، فيعتبرونهم محاربين يجوز لهم قتلهم، وهنا أمر مهم يجب أن يتضح، حتى يعلم الناس حكم هؤلاء المصريين الذي قتلوا، حقيقة أمرهم أنهم مجموع من المصريين دخلوا ليبيا للعمل، وللسعي على لقمة العيش، فهل دخول غير المسلم إلى بلاد مسلمة يحل دمه؟ أم أن دخوله بلاد المسلمين يوجب عليهم حقن دمه؟ حكم غير المسلم الذي يدخل بلاد المسلمين: إن من يدخل بلدا من بلاد المسلمين، بتأشيرة دخول، أو بإذن دخول من السلطات، أو من عامة الشعب، فقد أصبح له حكم الأمان بما يسميه الفقه الإسلامي، أي صار مؤمنا على ماله، ودمه، وعرضه، فلا يحل لأحد من المسلمين كائنا من كان، سواء أمنه رجل أو امرأة، أو هيئة أم أفراد، دولة أو مؤسسة من مؤسساتها، فعن أم هانئ بنت أبي طالب رضي الله عنها قالت: ذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح، فوجدته يغتسل، وفاطمة ابنته تستره بثوب، فقالت: فسلمت، وقال: "من هذه"؟ فقلت: أنا أم هانئ بنت أبي طالب، فقال: "مرحبا بأم هانئ"، فلما فرغ من غسله، قام، فصلى ثماني ركعات ملتحفا في ثوب واحد، ثم انصرف، فقلت له: يا رسول الله، زعم ابن أمي علي بن أبي طالب، أنه قاتل رجلا أجرته فلان بن هبيرة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ، وذلك الضحى ثمان ركعات".1 وفي رواية: عن أم هانئ بنت أبي طالب قالت ذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله إني أجرت حموين لي من المشركين فأراد هذا أن يقتلهما فقال صلى الله عليه وسلم: "ما كان له ذلك"2، وكان اللذان أجارت أم هانئ عبد الله بن أبي ربيعة بن المغيرة والحارث بن هشام بن المغيرة كلاهما من بني مخزوم. وفي رواية: "قد أجرنا من أجرت، وآمنا من آمنت".3 يقول الإمام البغوي: (وقوله: "أجرنا"، أي أمنا، ومنه قوله سبحانه وتعالى: (وهو يجير ولا يجار عليه) المؤمنون: 88، أي يؤمن من أخافه غيره، ومن أخافه هو لم يؤمنه أحد. وفيه بيان أن أمان المرأة نافذ، وروينا عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: "المسلمون يد على من سواهم يسعى بذمتهم أدناهم". وقال شقيق بن سلمة: كتب إلينا عمر بن الخطاب رضي الله عنه ونحن بخانقين، إذا قال أحدكم للرجل: مترس، فقد أمنه، فإن الله عز وجل يعلم الألسنة. قال الإمام: وإنما يصح الأمان من آحاد المسلمين إذا أمن واحدا أو اثنين). 4 وقال ابن المنذر: (في قوله: "يسعى بها أدناهم" أن الذمة: الأمان، يقول: أن كل من أمن أحدا من الحربيين جاز أمانه على (جميع المسلمين) ذميا كان أو شريفا، عبدا كان أو حرا، رجلا كان أو امرأة، وليس لهم أن يحقروه). 5 وقال ابن قدامة المقدسي: (ومن أعطاهم الأمان منا؛ من رجل، أو امرأة، أو عبد، جاز أمانه) وجملته أن الأمان إذا أعطي أهل الحرب، حرم قتلهم ومالهم والتعرض لهم. ويصح من كل مسلم بالغ عاقل مختار، ذكرا كان أو أنثى، حرا كان أو عبدا. وبهذا قال الثوري، والأوزاعي، والشافعي، وإسحاق، وابن القاسم، وأكثر أهل العلم). وروى فضيل بن يزيد الرقاشي، قال: جهز عمر بن الخطاب جيشا، فكنت فيه، فحصرنا موضعا، فرأينا أنا سنفتحها اليوم، وجعلنا نقبل ونروح، فبقي عبد منا، فراطنهم وراطنوه، فكتب لهم الأمان في صحيفة، وشدها على سهم، ورمى بها إليهم، فأخذوها، وخرجوا، فكتب بذلك إلى عمر بن الخطاب، فقال: العبد المسلم رجل من المسلمين، ذمته ذمتهم. رواه سعيد). 6 وقال الإمام الزركشي: (يصح إعطاء الأمان للكفار في الجملة بالإجماع، فيحرم قتلهم ومالهم والتعرض لهم، قال الله تعالى؛ (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ) التوبة: 6، وقد شاعت الأحاديث بذلك). 7 ما يعتبره العلماء أمانا: وقد اعتبر الفقهاء الكلام أو الإشارة الدالة على إعطاء الأمان لغير المسلم في غير وطنه، أمانا يحرم به دمه، وماله، وعرضه فما بالنا بالتعامل الرسمي للدولة، يقول الإمام الزركشي: وقال: "من دخل دار أبي سفيان فهو آمن". وبقية الألفاظ في معناهما، وعند أصحابنا أن حكم: قِفْ أو ألق سلاحك. حكم ذلك، لأن الكافر يعتقده أمانا، أشبه ما لو قال: أمنتك. وقد روى مالك في موطئه عن رجل من أهل الكوفة: أن عمر بن الخطاب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كتب إلى عامل جيش كان بعثه: بلغني أن رجالا منكم يطلبون العِلْج (أي: الكافر المحارب) حتى إذا اشتد في الجبل وامتنع قال رجل: مترس. يقول: لا تخف؛ فإذا أدركه قتله. وإني والذي نفسي بيده لا أعلم مكان أحد فعل ذلك إلا ضربت عنقه. وحكى أبو محمد احتمالا ومال إليه أنه لا يكون أمانا، لأن ذلك يستعمل للإرهاب والتخويف، أشبه ما لو قال: لأقتلنك؛ ويرجع إلى القائل، فإن نوى به الأمان فهو أمان، وإلا فيسأل الكافر فإن قال: اعتقدته أمانا، رد إلى مأمنه). 8 وكل قول أو إشارة أو إجراء يعتبره الناس أمانا، فهو أمان لمن دخل أي بلدة مسلمة، وصار دمه محرما عليهم، يقول ابن مفلح: (أو: لا بأس عليك) لأن عمر لما قال للهرمزان: لا بأس عليك، قالت له الصحابة: قد أمنته، لا سبيل لك عليه. رواه سعيد. (أو: أجرتك) لقوله عليه السلام: "قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ"، (أو: قف) كقم (أو ألق سلاحك) لأن الكافر يعتقده أمانا أشبه ما لو سلم عليه. (أو مترس) ومعناه: لا تخف، وهو بفتح الميم، والتاء، وسكون الراء، وآخره سين مهملة، ويجوز سكون التاء، وفتح الراء، وهي كلمة أعجمية. (فقد أمنه) لقول ابن مسعود: إن الله يعلم كل لسان فمن كان منكم أعجميا فقال: (مُتْرسٌ) فقد أمنه. والإشارة كالقول قال عمر: لو أن أحدكم أشار بأصبعه إلى السماء إلى مشرك فنزل إليه فقتله، لقتلته. رواه سعيد، وقال أحمد: إذا أشير إليه بشيء غير الأمان، فظنه أمانا، فهو أمان، وكل شيء يرى العلج أنه أمان، فهو أمان). 9 الموقف من قتل المدني البريء غير المسلم: رأينا حكم الإسلام في كل غير مسلم دخل بلاد المسلمين، فله الأمان، ويحرم دمه، وماله، وعرضه بذلك، فإذا قام أحد الناس، فردا كان أو جماعة، أو كيانا سياسيا، أو فصيلا، أو أحد أفراد الدولة، أو جهازا من أجهزتها، بالاعتداء عليه، فموقف الإسلام من ذلك هو التحريم والتجريم بلا شك، بل يراه الإسلام غدرا، وحد من يغدر بقتل غير المسلم هو القصاص منه بقتله، وإليكم بعضا من أدلة تحريم قتل غير المسلم المدني: 1 قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في شأن من غدر بمن أعطاه الأمان، فسفك دمه: "أيُّما رجل أَمَّن رجلا على دمه ثم قتله، فأنا من القاتل بريء، وإن كان المقتول كافرا"10، وفي رواية: "فإنه يحمل لواء غَدْر يوم القيامة".11 وفي رواية: "إذا اطمأن الرجل إلى الرجل؛ ثم قتله: رُفع له لواء غدر يوم القيامة".12 وقد كان هذا الحديث مانعا من قتل صحابي جليل للمختار الثقفي الكذاب، فعن رفاعة بن شداد القتباني قال: لولا كلمة سمعتها من عمرو بن الحمق الخزاعي لمشيت فيها بين رأس المختار وجسده، سمعته يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أَمَّن رجلا على دمه فقتله: فإنه يحمل لواء غدر يوم القيامة".13 والمختار الثقفي ادعى النبوة، وعده شراح الأحاديث من الدجالين والكذابين الذين أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بخروجهم. ويقول شراح الحديث: (من أمن رجلاً على دمه): عقد له أمانًا، سواء كان ذلك المؤمِن إماماً، أو رجلاً من أي المؤمنين، أو امرأة. (فقتله) بعد الأمان، أو على ماله فأخذه، (فأنا بريء من القاتل)، لأن الله أوجب الوفاء بالعهود، والأمان عقد ذمَّة (وإن كان المقتول كافراً) فإن كفره لا يبيح نقض أمانه، وهذا أمر تعداه غالب ملوك الدنيا، وكثير من أشرار الأمة). 14 2 ويكفينا في ذلك استدلالا على أخلاق المسلم مع غير المسلمين في بلاد المسلمين، حتى وإن طاله ظلم من بعضهم، فيجيب أن يكون منه الوفاء والخلق، موقف خبيب بن عدي رضي الله عنه، وقد كان ممن أُسِرُوا في فاجعة بئر الرجيع، فاشتراه بنو الحارث بن عامر بن نوفل، ليقتلوه بالحارث الذي قتله خبيب يوم بدر، فمكث عندهم أسيرا، حتى إذا أجمعوا قتله استعار مُوسَى (أداة حلاقة) من بعض بنات الحارث ليستحدَّ بها، فأعارته، وغفلت عن صبي لها، فدرج فجلس على فخذه، تقول المرأة: ففزعت فزعة عرفها خبيب في وجهي لئلا يقتله انتقاما منه، فقال خبيب رضي الله عنه: أتخشين أن أقتله؟! ما كنت لأفعل ذلك إن شاء الله. فكانت تقول: ما رأيت أسيرا قط خيرا من خبيب.15 وكانت أخلاقه سببا في إسلامها فيما بعد. إنه موقف رائع يدل على سمو الروح، وصفاء النفس، والالتزام بالمنهج الإسلامي، فقد قال تعالى: (ولا تزر وازرة وزر أخرى) الإسراء: 15. إنه الوفاء يتعلمه الناس ممن غدر بهم، فإن الاستقامة طبيعة سلوك المسلم في حالتي الرخاء والشدة.16 وفي قول خبيب رضي الله عنه (ما كنت لأفعل إن شاء الله) يشير هذا الأسلوب في البيان العربي إلى أن هذا الفعل غير وارد، ولا متصوَّر، ولا هو في الحسبان، في هذا الظرف الحاسم، الذي قد يتعلق فيه الاستثناء لموقع الضرورة، وإنقاذ المُهَج، لكن المبدأ الأصلي: الوفاء، والكف عن البرآء لا تنهض له هذه الاعتبارات الموهومة، 17 وهذا مثل من عظمة الصحابة رضي الله عنهم حين يطبقون أخلاق الإسلام على أنفسهم مع أعدائهم - وإن كانوا قد ظلموهم - وهذا دليل على وعيهم، وكمال إيمانهم.18 3 وعن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: بعثتني قريش إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فلما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم، وقع في قلبي الإسلام، فقلت: يا رسول الله لا أرجع إليهم، قال: "إني لا أخيس بالعهد، ولا أحبس البرد، ولكن ارجع إليهم، فإن كان في قلبك الذي فيه الآن فارجع".19 يقول الإمام الشوكاني: (أي لا أنقض العهد، من خاس الشيء في الوعاء: إذا فسد، فيه دليل على أنه يجب الوفاء بالعهد للكفار كما يجب للمسلمين، لأن الرسالة تقتضي جوابا يصل على يد الرسول فكان ذلك بمنزلة عقد العهد). 20 4 كان بين معاويةَ رضي الله عنه والروم عهدٌ، وكان يسيرُ نحو بلادِهم، حتى إذا انقضى العهدُ غَزاهُم، فجاء رجل على فرسٍ أو بِرْذَونٍ وهو يقولُ: الله أكبرُ، الله أكبرُ، وفاءٌ لا غَدْرٌ، فنظروا فإذا عَمرو بن عَبَسَةَ، فأرسَلَ إليه معاويةُ، فسأله، فقال: سمعتُ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلم يقولُ: "مَن كانَ بينهُ وبين قومٍ عهدٌ: فلا يَشُدُّ عُقدةً ولا يحلُّها حتى يَنقضيَ أمَدُها، أو يَنْبِذَ إليهم على سَوَاءٍ" فرجع معاوية".21 يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: (ولهذا جاءت السنة بأن كل ما فهم الكافر أنه أمان كان أمانا لئلا يكون مخدوعا، وإن لم يقصد خدعه). ثم ذكر موقف معاوية رضي الله عنه السابق والحديث النبوي الشريف، وقال: (ومعلوم أنه إنما نهى عن ذلك لئلا يكون فيه خديعة بالمعاهدين، إن لم يكن في ذلك مخالفة لما اقتضاه لفظ العهد، فعلم أن مخالفة ما يدل عليه العقد لفظا، أو عرفا خديعة وأنه حرام).22
5 عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: "لَا إِيمَانَ لِمَنْ لَا أَمَانَةَ لَهُ، وَلَا دِينَ لِمَنْ لَا عَهْدَ لَهُ".23 قال الإمام المناوي في تعليل نفي الدين عمن لا عهد له: (لأن الله إنما جعل المؤمن مؤمنا ليأمن الخلق جوره والله عدل لا يجوره وإنما عهد إليه ليخضع له بذلك العهد فيأتمر بأموره). 24
6 كان المغيرة صحب قوما في الجاهلية فقتلهم وأخذ أموالهم، ثم جاء فأسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أما الإسلام فقد قبلنا، وأما المال فلست منه في شيء"25، وفي رواية: "وأما المال فإنه مال غدر لا حاجة لنا فيه".26 قال ابن حجر: (ويستفاد منه: أنه لا يحل أخذ أموال الكفار في حال الأمن غدراً؛ لأن الرفقة يصطحبون على الأمانة، والأمانة تؤدى إلى أهلها مسلماً كان أو كافراً). 27 وقال الإمام الخطابي: (وذلك أن المغيرة إنما صحبهم صحبة الرفقاء في الأسفار"، والرفيق في السفر يأمن رفيقه على نفسه وماله، فكان ما أتاه المغيرة من سفك دمائهم وأخذ أموالهم غدرا منه، والغدر محظور غير جائز، والأمانة مؤادة إلى البر والفاجر). 28 وقال ابن بطال: (أما المال فلست منه فى شىء) يعنى: فى حل؛ لأنه علم أن أصله غصب، وأموال المشركين وإن كانت مغنومة عند القهر فلا يحل أخذها عند الأمن، وإذا كان الإنسان مصاحبًا لهم فقد أمن كل واحد منهم صاحبه، فسفك الدماء وأخذ المال عند ذلك غدر، والغدر بالكفار وغيرهم محظور). 29 وقال ابن المنذر: (وإنما حرم ذلك على المغيرة لأمنهم لما صحبوه، وقد أمن كل منهم صاحبه، على نفسه وماله، فكان سفكه دماءهم وأخذه أموالهم في الوقت غدرا منه بهم، والغدر غير جائز، والأمانات مؤداة إلى الأبرار والفجار، والمؤمنين، والمشركين). 30 إن ما قامت به (داعش) هو أمر مجرم ومحرم شرعا، ومن ثم لا يجوز كذلك لأهل المقتول المظلوم، ولا لدولته (مصر وجيشها) أن ترد على إجرام داعش، بإجرام مماثل، بل الحق هنا القصاص وقتل من قتلوهم، لا أن يكون الرد عشوائيا يطال الأبرياء المدنيين ممن ليس لهم جريرة في الأمر، وهو ما ندينه ونجرمه كذلك. نسأل الله أن يعصم أيدينا وألسنتنا وأقلامنا من المشاركة في دم حرام، اللهم آمين.