99% من الأطفال المسلمين في فرنسا يرفضون تناول لحم الخنزير.. إحصائية معروفة جيدًا لدى الفرنسيين تكشف بشكل واضح تنامي ظاهرة التدين والتمسك بالهوية الدينية في أوساط الأقلية المسلمة في فرنسا، خصوصًا لدى أبناء الأجيال الأحدث. وفي ندوة اعتبر إعلاميان فرنسيان بارزان أن تنامي ظاهرة التدين لدى الأجيال الناشئة من مسلمي فرنسا في مجمله بمثابة "ردة فعل" على المعاناة التي عايشها الجيل الأول من المسلمين في هذا البلد، حيث كانوا يمارسون عباداتهم في الخفاء خشية الاضطهاد. كما أكدا من جهة أخرى على القوة الانتخابية لمسلمي فرنسا، متوقعين أن تتعرض الأقلية لمغازلات سياسية مع اقتراب انتخابات الرئاسة في مارس 2007. وقال سامي عبد السلام مدير البرامج الإسلامية بإذاعة فرنسا الحرة (مستقلة) إن: "ظاهرة التدين تتنامى بشكل لافت في أوساط الأجيال الجديدة من مسلمي فرنسا". وأضاف عبد السلام خلال الندوة التي عقدت الثلاثاء 31-10-2006 تحت عنوان "التجربة السياسية للمسلمين في فرنسا": "نعتبر هذا التدين وتمسك الأجيال الجديدة بهويتها رد فعل وثأرًا للممارسات التضييقية التي تعرض لها آباؤهم من مهاجري الجيل الأول والثاني الذين كانوا لا يستطيعون المجاهرة بتدينهم، وكانوا يصلون ويصومون في الخفاء". كما أشار عبد السلام إلى أن ظاهرة التمسك بالهوية الإسلامية وارتداء الحجاب تزداد كلما اشتدت الإساءات الغربية للإسلام والمسلمين، مفسرًا ذلك بأن المسلمين "يشعرون كلما زاد التضييق عليهم أنهم لن يتم قبولهم في المجتمع حتى لو انسلخوا تمامًا عن هويتهم الإسلامية، وبالتالي يجدون في التدين وفي التمسك بهويتهم الدينية أكبر متنفس لهم". وذكر بأن استطلاعًا أجري قبيل رمضان الماضي كشف أن أكثر من 88% من المسلمين في فرنسا يلتزمون بصيام شهر رمضان، كما يمتنع 99% من الأطفال المسلمين عن تناول لحم الخنزير، وهو ما دفع بدوره المدارس الفرنسية بمراحلها المختلفة لتوفير طعام بديل لهم في أيام تقديمه. إلا أن الإعلامي المسلم عبّر عن قلقه من "التدين المغشوش أو المظهري" الذي يتبناه البعض في فرنسا، محذرًا من أن ذلك "سينعكس بالسلب على صورة المسلمين". وعن ملامح المستقبل من وجهة نظره بالنسبة للأقلية المسلمة قال عبد السلام: "ستشهد السنوات القادمة تزايد عدد الهيئات الإسلامية وبروز المراكز الإسلامية الكبرى والتي لاقت تضييقًا على إنشائها بعد أحداث 11 سبتمبر؛ نتيجة وقف التمويل الخارجي لها. ورغم ذلك يتنافس المسلمون وغيرهم من المرشحين في الانتخابات على تأسيسها في المدن المختلفة". الوضع السياسي وحول الوضع السياسي للأقلية المسلمة في فرنسا تحدث "طارق مامي" رئيس إذاعة فرنسا الحرة في باريس قائلاً: "إنه رغم أن مسلمي فرنسا هم أكبر أقلية مسلمة في أوروبا كلها فإنهم للآن لم يستفيدوا من هذه القوة التصويتية؛ نظرًا لغياب المظلة التنظيمية التي تجمعهم تحت كلمة واحدة". لكنه استدرك بقوله: "إن القوة التصويتية المسلمة في فرنسا تظهر بشكل خاص عندما تكون هناك رغبة في التصويت ضد مرشح بعينه، ولا تظهر عند التصويت لمصلحة آخر". وضرب مثلاً على ذلك بتصويتهم ضد مرشح الرئاسة الاشتراكي "ليونال جوسبان" في انتخابات الرئاسة عام 2002 عقب تصريح له صنف فيه حزب الله ك"منظمة إرهابية"، وهو ما اعتبرته الأقلية المسلمة إساءة وتحيزًا ضد المسلمين، فصوتوا ضده، مما ساهم في هزيمته الكبيرة أمام جاك شيراك الرئيس الحالي. وأكد مامى أن الأيام القادمة ستشهد مغازلات سياسية كبيرة للمسلمين من جانب المرشحين في الانتخابات الرئاسية التي ستجرى في مارس 2007 لاستمالتهم إلى جانبهم. كما توقع أن تشهد الانتخابات البرلمانية المزمع إجراؤها في مايو من العام نفسه ظهور أول نائب مسلم في البرلمان الفرنسي. واسترجع مامي تاريخ المسلمين الحديث في فرنسا فقال: "في البداية كان ينظر إلينا على أساس أننا مهاجرون، ثم كانت سياسية الانسلاخ بمعنى أن يتم سلخ المسلمين عن هويتهم الأصلية، إلا أن الحكومة الفرنسية عجزت عن ذلك فكانت سياسية الاندماج". وأشار مامى إلى تمسك الأقلية المسلمة بالمواطنة، وقال: "نحن مواطنون لا نقبل بغير ذلك وعندما أمثل الإذاعات في المؤتمرات أتحدث باسم فرنسا وليس باسم الإسلام". واستنكر مصطلح "إدماج المسلمين" قائلاً: "نحن بالفعل مندمجون على الصعيد الاجتماعى، أما على الصعيد السياسي فنحن نحتاج إلى ذلك". ودلّل على ذلك بالقول: "عندما تذهب إلى أي مجمع تجاري كبير وتقف على الباب تجد أن كثيرًا من الداخلين من العرب والأفارقة وأغلبهم مسلمون.. وفي المقابل عندما تقف على باب البرلمان لا يسمح بالدخول إلا لذوي البشرة البيضاء". ويصل إجمالي عدد المسلمين في فرنسا إلى نحو 6 ملايين نسمة من بين إجمالي عدد السكان البالغ 62 مليونًا. اللوبي الصهيوني وحول علاقة المسلمين بأصحاب الديانات الأخرى في فرنسا قال مامي: "بطبيعة الحال، تتعرض الأقلية المسلمة في فرنسا لحملات تشويه من جانب اللوبي الصهيوني الذي يطلق التصريحات المحذرة لساسة فرنسا من إدماج المسلمين في العملية السياسية، زاعمين أن المسلمين إذا وصلوا سوف يحولون من فيها لأهل ذمة". وعن كيفية مواجهة هذه الحملات قال: "نحاول أن يكون خطابنا منطلقًا ليس من كوننا مسلمين، ولكن من منطلق أننا مواطنون فرنسيون بالأساس". وأضاف: "أنا شخصيًّا عندما أتحدث لا أتكلم كثيرًا عن الإسلام، ولكني أتحدث عن المبادئ الإنسانية بشكل عام، وبعد أن أثق في أني كسبت ثقة من أتحدث إليهم، أبدأ في توضيح أن هذه المبادئ الإنسانية موجودة بحذافيرها في الإسلام، وقد يستغرق هذا شهورًا". أما عن العلاقة مع الكنيسة، فقد ذكر رئيس إذاعة فرنسا الحرة أن الكنيسة تحترم المسلمين؛ لتمسكهم بدينهم في الوقت الذي يبتعد فيه الكثير من أتباعها عن الذهاب إليها ولو في المناسبات. وأشار إلى تحول عدد من الكنائس إلى مساجد، وفي ذلك قال: "نظرًا لقلة المقبلين على الكنائس من المسحيين في فرنسا يفضل القائمين عليها منحها للمسلمين، خاصة إذا لم يكن في المنطقة مسجد للمسلمين". تواجد إسلامي قديم وحول الجذور التاريخية لتواجد العرب والمسلمين في فرنسا، أوضح مامي أنه يعود إلى الحرب العالمية الأولى (1914 : 1918) التي خسرت فرنسا فيها أعدادًا كبيرة من جنودها، وهو الأمر الذي دفعها لجلب جنود آخرين يحاربون تحت رايتها من المستعمرات التي كانت تحتلها في شمال إفريقيا والسنغال، وبعض البلدان الإفريقية الأخرى، وبعد انتهاء الحرب تم إرجاعهم إلى بلادهم مرة أخرى. وتابع بقوله: في الحرب العالمية الثانية (1939 : 1945) كان النظام نفسه، حيث تم الاستعانة بجنود مسلمين إلا أنه بعد انتهاء الحرب لم يتم إعادتهم إلى بلادهم الأصلية؛ نظرًا لحاجة فرنسا لأيدي عاملة تلبي طموحاتها في التقدم الصناعي، ففتحت باب الهجرات أمام أعداد كبيرة من بلدان الشمال الإفريقي، وهو ما ساهم بدوره في تنامي الأقلية المسلمة هناك بالشكل الذي هي عليه الآن، بعد أن رفض الكثير منهم العودة مرة أخرى إلى بلدانهم الأصلية، وقام باستقدام أسرته.