- أكثر من 1200 شركة أمريكية استفادت من المعونات في تصريف منتجاتها المرتفعة سعرًا والمنخفضة كفاءة عن مثيلاتها العالمية - مهزلة ... 26 ألف خبير أمريكي يحصلون على 35% من القيمة السنوية للمعونة - 10% من المعونة الأمريكية تستلمه مصر في صورة نقدية الباقي مشاريع بقروض مرتفعة الفائدة - برنامج الواردات السلعية يجبر الحكومة المصرية على شراء المنتجات الأمريكية بأسعار مرتفعة عن الأسعار العالمية - المعونة العسكرية لا يتجاوز حجمها 2% من إجمالي الدخل القومي المصري - الاعتماد على المعونة الأمريكية في تمويل توريد الحاصلات الزراعية حول المحاصيل الاستراتيجية إلى مزارع للفراولة والكنتالوب مقدمة لابد منها مازالت المعونة الأمريكية تمثل سمًا قاتلا يتجرعه المصريون كل يوم، هذه المبالغ الضئيلة التي لا تتعدي 2% من الدخل القومي المصري جعلت حكامنا يرضخون لماما أمريكا ويتحولون إلى وكلاء لها في المنطقة. هذه المعونة الملعونة تستنزف أغلبها شركات و مصانع صهيونية وأمريكية من خلال جيوش من الخبراء والعمالة الرديئة التي تفرض علينا بضاعات غثة، ورديئة بأسعار مرتفعة تفوق مثيلاتها العالمية. ولم تتوقف المأساة عند هذا الحد بل أصبحت أمريكا تتحكم في كل المنتجات بما فيها الزراعية لتتحول المحروسة من دولة كبرى مصدرة للأقطان والقمح لدولة زراعية هزيلة تهتم بزراعة الكنتالوب والفراولة. ليس هذا كلامنا بل هو دراسة علمية موثقة نشرتها الأهرام العربي إحدى المجلات الحكومية العتيقة عن المعونة، ونشرتها منذ سنوات لتقرع جرس الإنذار، ولكن دون فائدة لأن حكامنا الأشاوس تحولوا إلى لعبة في يد ماما أمريكا وإليكم الدراسة المنشورة *** من حين لآخر، يثار جدل صاخب، وتتعالى بعض الأصوات الرافضة للمعونة الأمريكية لمصر، خصوصًا في ظل التهديدات الأمريكية المستمرة بقطعها، ولعل القراءة الموضوعية لهذه القضية التي بلغت ذروتها عقب القبض على 19 أمريكيًّا يعملون لدى بعض المنظمات غير الحكومية الأمريكية - إبان فترة حكم المجلس العسكري- وآنذاك انقسم الرأي العام المصري إلى قسمين كبيرين: الأول تباكى على فقد المعونة، وما سوف يستتبع ذلك من تأثير سلبي على الاقتصاد المصري. أما القسم الثاني فتمثل في بعض المطالب الشعبية التي ترفض المعونة بالأصل؛ حفاظًا على الكرامة المصرية، وبين هذا وذاك، تاهت بديهيات الحكم على جدوى هذه المعونة من عدمه والتي تقول إنه" في عالم السياسة والاقتصاد لا يوجد من يقدم معونات أو منح من دون مقابل"، هذا إذا أخذنا في الاعتبار أن العلاقات بين الدول تقوم بالأساس على تحقيق المصالح. المعونة ...وكامب ديفيد ومن هذه الزاوية طرحت الأهرام العربي تقريرًا يرصد الحقائق الموضوعية المبنية على المعلومات والبيانات الموثقة، وإيضاح مدى تأثير المعونة الأمريكية على الجانبين الاقتصادي والسياسي، وكذا على استقلال وصناعة القرار المصري، وذلك استنادًا إلى منطق الإيجابيات والسلبيات بعيدًا عن التهويل أو التهوين من خلال دراسة متكاملة أجراها الدكتور وليد محمد مصطفى، الباحث في الشأن العربي والدولي متتبعًا للمعونة الأمريكية لمصر منذ عام 1946 إلى 2012 بخلاف ما هو شائع أن المعونة الأمريكية بدأت في أعقاب توقيع مصر على اتفاقية كامب ديفيد عام 1979. الأهداف المعلنة ويقول الدكتور وليد مصطفى: إن نشأة برامج المساعدات الإنمائية الرسمية تعود لخمسينيات القرن الماضي، وتحديدًا منذ عام 1946 كإحدى أدوات تحقيق أهداف السياسة الخارجية الأمريكية، والتي أثبتت كفاءتها كأداة فاعلة ومؤثرة في تحقيق تلك الأهداف والمصالح، خصوصًا في مرحلة الحرب الباردة، وما بعدها من خلال رصدها سنة بعد أخرى بالأرقام والبيانات الموثقة، من خلال أهداف "معلنة" هي تنمية الاقتصاد المصري، لكى يصبح قادرًا على التنافسية العالمية، ويحقق الاستفادة العادلة لجميع المصريين في مجالات: النمو الاقتصادي، ويشمل البيئة، والآثار، والزراعة، والبنية التحتية، وتشمل المياه، والصرف الصحي، والطاقة الكهربائية، والاتصالات، والتعليم، ويشمل التعليم الأساسي، والعالي، والصحة، وتشمل تنظيم الأسرة، ونظام رصد، والاستجابة للأمراض المعدية والديمقراطية، والمجتمع المدني، وتشملان إدارة العدالة ومشاركة المواطنين. فاتورة المعونة الباهظة وعبر قراءة تاريخية وسياسية واقتصادية للمعونة الأمريكية منذ عام 1946 وحتى عام 2012 يستخلص الدكتور وليد مصطفى النتائج التالية: أولا: عشية بلوغ أي نظام جديد إلى السلطة في مصر فإن الإدارة الأمريكية تسعى جاهدة لاستقطاب هذا النظام، ومحاولة ربطه كي يدور في فلك السياسة الأمريكية، وذلك عبر ضخ المزيد من المساعدات والمعونات الأمريكية في البناء الاقتصادي والعسكري والتعليمي للدولة المصرية، وتتأكد صحة تلك الفرضية من خلال تتبع ورصد حجم المساعدات والمعونات الأمريكية لمصر مع بدايات كل نظام حكم مر عليها، بداية من العهد الملكي ومرورًا بمجلس قيادة الثورة، والعهد الناصري والساداتي والمباركي، ثم الفترة الانتقالية للمجلس العسكري وعهد الرئيس مرسي. يجب العلم بأن10% فقط من المعونة الأمريكية تستلمه مصر في صورة نقدية، 28% لتمويل الواردات السلعية، 42% لتمويل مشاريع في قطاعات مختلفة، 20% لتمويل توريد سلع زراعية وفق قانون فائض الحاصلات الزراعية الأمريكية. وعلى الرغم من تحديد الجانب الأمريكي لبنود صرف المعونة، فإنه لم يكتف بذلك ووضع شروطًا لتقييد الصرف من تلك البنود تتضمن: 1 - برنامج الواردات السلعية يجبر الحكومة المصرية على شراء المنتجات الأمريكية حتى وإن كانت أسعارها مرتفعة عن الأسعار العالمية، وكذلك يشترط نقلها على سفن أمريكية. 2 - برنامج تمويل توريد السلع الزراعية يحظر استخدام المعونة في كل ما من شأنه جعل مصر قادرة على تحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح. 3 - برنامج تمويل المشاريع يشترط الاستعانة بالخبراء الأمريكيين في شتى مجالات العمل، وقد وصل عددهم إلى 26 ألف خبير يحصلون على 35% من القيمة السنوية للمعونة. 4 - برامج التدريب والابتعاث تشترط إرسال كبار المسؤولين ورجال الدولة من المبتعثين المصريين لتلقي دورات تدريبية في الولاياتالمتحدة، ويتم خلال هذه البرامج ربط المتدربين بالولاياتالمتحدة، بحيث يتحول هؤلاء المتدربون عند عودتهم إلي منفذين للنموذج الأمريكي. المعونة العسكرية..مسمار جحا الأمريكاني ولا يقتصر الأمر على تحديد بنود وشروط الصرف، وإنما تجاوز ذلك إلى الإشراف على التنفيذ من هيئة المعونة الأمريكية، حتى لا تذهب المعونة إلى قطاعات لا ترغب الولاياتالمتحدة في دعمها حتى وإن كانت استراتيجية بالنسبة للجانب المصري، خفض المعونة الاقتصادية، والتهديد بقطع المعونة العسكرية الأمريكية لمصر لا يتجاوز حجمها 2% من إجمالي الدخل القومي المصري وفقًا للتقارير الرسمية لوزارة التعاون الدولي، ومع هذا واعتبارًا من عام 1999 بدأت الولاياتالمتحدة في تخفيض المعونة الاقتصادية المقدمة لمصر بواقع 40 مليون دولار سنويًّا، وبموجب هذا التخفيض السنوي المستمر تقلصت المعونة الاقتصادية الأمريكية لمصر إلى 50% من حجمها عام 1998 لتصبح 407.5 مليون دولار في عام 2009، ثم انخفضت إلى 250 مليون دولار عام 2010، وقد صرح رئيس غرفة التجارة الأمريكية بالقاهرة بأن المعونة الأمريكية لا تمثل أي شيء للاقتصاد المصري، وأن العام الحالي هو العام الأخير للمعونة الاقتصادية لمصر، أما المعونة العسكرية البالغ قدرها 1.3 مليار دولار فقد أعلن رؤساء لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ الأمريكي أنها في خطر حقيقي ومن الممكن قطعها، وجاء التهديد الأكثر فاعلية من النائبة " كاى جرانجر " رئيس اللجنة الفرعية الخاصة بالعمليات الأجنبية المنبثقة عن لجنة المخصصات بالمجلس، التي قالت إنه لا ينبغي إرسال دولار واحد إلى حكومة مصر حتى تؤكد وزيرة الخارجية للشعب الأمريكي حل قضية مضايقة الأمريكيين حسب زعمها معونة نهبتها الحكومة الأمر الذي لا شك فيه أن المعونة أسهمت في تطوير وتحديث بعض الجهات الحكومية والخاصة عن طريق إمدادها بأجهزة الكمبيوتر وتدريب بعض المسؤولين على الأساليب العلمية الحديثة في الإدارة، كما أنها أسهمت في تحسين بعض مشاريع البنية التحتية، ولا يجب إنكار أن عدم الاستفادة القصوى من المعونة يرجع بسبب ما إلى تقصير من الجانب المصري الذي قبل معونة دون أن يدرس شروطها بعناية، ودون أن تكون لديه خطة مسبقة لاستخدامها، وسواء أكان التقصير نتيجة عدم دراية أم نتيجة الفساد المستشري وتغليب المصالح الخاصة على المصلحة العامة، ومما لا شك فيه أيضًا أن المعونة أسهمت في إفساد العديد من المسؤولين من أعلى مستويات الحكم وحتى مستويات المجالس القروية في أعماق الريف المصري، وتشير الدراسات إلى أن 70% من المعونة تعود مرة أخرى للولايات المتحدة، ويكفي العلم بأن هناك أكثر من 1200 شركة أمريكية استفادت من المعونات التي قدمت لمصر في تصريف منتجاتها المرتفعة سعرًا والمنخفضة كفاءة عن مثيلاتها العالمية، والأخطر من ذلك دعم المعونة في اتجاه جعل النظام السياسي في مصر جزءًا من المنظومة السياسية الأمريكية، المعونة الاقتصادية تبدأ باعتياد يتحول لاعتماد فتبعية، بدأت المعونة لمصر على هيئة منح لمواد غذائية كالدقيق، واللبن الجاف، والجبن الصفراء في إطار برنامج المعونات الموجه من الولاياتالمتحدة إلى الدول النامية لكسب موطئ قدم لها في الدول التي لها علاقات مع الاتحاد السوفيتي. المعونة ... من المنح إلى التبعية والإملاء ومع استمرار هذه المعونات اعتادت مصر عليها، فقررت الولاياتالمتحدة أن تحول هذا الاعتياد المصري إلى اعتماد، وذلك بتحويل المنح الغذائية إلى معونة اقتصادية سنوية لها قيمة محددة، وبنود صرف مخصصة، وشروط منصوص عليها، وإشراف على التنفيذ من قبل هيئة المعونة الأمريكية، وبعد تأكد الولاياتالمتحدة من عجز قدرة متلقي المعونة عن الاستغناء عنها أرادت تحويلها إلى تبعية وإملاء لشروط يؤدي تنفيذها إلى تدهور اقتصادي واجتماعي شامل وخطير يتمثل في: 1 - الاعتماد على المعونة الأمريكية في تمويل توريد الحاصلات الزراعية بأسعار تقل عن تكلفة إنتاجها، أدي إلى تحول القطاع الزراعي الاستراتيجي من زراعة القمح والذرة والأرز إلى زراعة الفراولة والكنتالوب، حتى أصبحنا عاجزين عن الاكتفاء الذاتي من القمح، وفقدنا القدرة على مواجهة أي نقص مفاجئ في التوريدات ناتج عن انخفاض الإنتاج العالمي نتيجة لتغير ظروف المناخ للدول المنتجة. 2 - تخفيض أو إلغاء الدعم وفقًا للتوصيات الأمريكية في الإصلاح الاقتصادي أدى إلى اكتواء المصريين بنار الغلاء، وعجزهم عن توفير ضروريات معيشتهم. 3 - تبعًا لتنفيذ خطة الخصخصة والاعتماد على رجال الأعمال في تحقيق التنمية الاقتصادية للدولة، تم بيع القطاع العام المملوك للشعب، وبذلك أهدرت الثروة الرأسمالية المصرية دون إضافة أصول إنتاجية جديدة. 4 - بيع القطاع العام واتباع سياسة المعاش المبكر تسببا في تشريد آلاف العاملين وأسرهم، والقطاع الخاص المدعوم حكوميًّا وأمريكيًّا عجز عن توفير فرص عمل كافية، كل ذلك فاقم من ظاهرة البطالة التي تهدد الاستقرار الاجتماعي. 5 - توجيه الدعم للمشاريع السياحية بدلًا من دعم الإسكان الشعبي أدى إلى انتشار العشوائيات بكل ما تحمله من أمراض اجتماعية وجرائم تهدد أمن المجتمع المصري. 6 - اتباع سياسات التقشف وخفض الإنفاق الحكومي على قطاع التعليم أدى لانخفاض مخرجات التعليم من العقول القادرة على التطوير وإيجاد حلول للمشاكل. كذلك انخفاض الإنفاق على قطاع الصحة تسبب في اعتلال الأبدان وعدم قدرتها على العمل والإنتاج في حالة من التدهور غير المسبوق في تاريخ مصر المعاصر. أمريكا المستثمر الرئيسي في قطاع النفط المهم أن هذه المعونة جعلت من الولاياتالمتحدة الدائن الرئيسي، والمستثمر الرئيسي في قطاع النفط وقطاع الإنتاج والخدمات، والمستورد الرئيسي للصادرات المصرية، حتى أصبح النظام المصري عاجزًا عن اتخاذ أي مواقف تتعارض مع التوجهات الأمريكية في المنطقة حتى وإن كانت تتعارض مع مصلحة مصر. مما تقدم يتضح أن المعونة الاقتصادية لمصر لا تمثل سوى 0.1% من قيمة الناتج القومي المصري البالغ 216 مليار دولار، وبالتالي ليس لها تأثير يذكر على الاقتصاد المصري، وهي تصب في مصلحة الولاياتالمتحدةالأمريكية في المقام الأول، وأن ضررها أكثر من نفعها على الاقتصاد والمواطن المصري. وبالطبع فإن المعونة العسكرية تخدم المصالح الأمريكية في المنطقة، وبحسب دراسة أعدها مكتب محاسبة الإنفاق الحكومي التابع للكونجرس الأمريكي بشأن المعونة المقدمة لمصر، بينت أن المسؤولين الأمريكيين والخبراء يرون أن المساعدات الأمريكية لمصر تساعد في تعزيز الأهداف الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة، وقدم التقرير عينة من المصالح التي حصلت عليها أمريكا في خمس سنوات فقط كمقابل لتقديم هذه المساعدات منها: - سمحت مصر للطائرات العسكرية الأمريكية باستخدام الأجواء العسكرية المصرية، ووصل عدد مرات مرور الطائرات الأمريكية 36553 مرة خلال الفترة من 2001 - 2005. - منحت مصر تصاريح حق المرور العاجل لعدد 861 بارجة حربية أمريكية لعبور قناة السويس خلال نفس الفترة، وقامت بتوفير الحماية الأمنية اللازمة لعبور تلك البوارج، علمًا بأن بقية الدول يجب أن تبلغ مصر قبل مرور سفنها الحربية والنووية قبل ذلك بنحو شهر. - دربت مصر 250 عنصرًا من الشرطة العراقية و25 دبلوماسيَّا عراقيًّا خلال عام 2004. - أقامت مصر مستشفى عسكريًّا وأرسلت أطباء إلى قاعدة باجرام العسكرية في أفغانستان بين عامي 2003 - 2005 حيث تلقى نحو أكثر من 100 ألف مصاب الرعاية الصحية. الدور المصري المساند للمصالح الأمريكية الإقليمية - يقول " جريم بانرمان " الخبير في معهد الشرق الأوسط ومؤسس شركة استشارات بانرمان إن مصر في عهد مبارك ساعدت أمريكا كثيرًا وفى كل شيء تقريبًا، بداية من تبادل المعلومات والتعاون المخابراتي، وهذا بخلاف الدور المصري المهم المساند للمصالح الأمريكية الإقليمية في فلسطين (حصار حماس)، والعراق، ودارفور، وحتى الأزمة النووية الإيرانية، وما تكشف أيضًا عن إرسال أمريكا معتقلين عرب لتعذيبهم واستجوابهم في مصر. ومن المهم أن ندرك أن المعونة العسكرية لا تمثل سوى 0.6% من قيمة الناتج القومي المصري، وتمنح لمصر بالأساس مقابل التزام مصر بمعاهدة السلام مع إسرائيل، ومقابل إعطاء مصر أولوية لمرور قرابة 12 - 15 سفينة حربية ونووية أمريكية في قناة السويس دون انتظار، كما تعطى أمريكا المعونة لمصر للاستفادة من نفوذها في المنطقة العربية، وقدرتها على التأثير في مجريات الأمور لصالح الأهداف الأمريكية، منهجية التعامل مع المعونة بعد هذه الحقائق عن المعونة الأمريكية، وتقديرًا لطبيعة المرحلة التي تمر بها مصر الثورة، وبعيدًا عن العنتريات والتهديدات والانفعالات والقرارات المتسرعة التي تضخم موضوع المعونة، فمن الضروري التعامل مع المعونة بمنهجية وحكمة، منهجية تضمن في المقام الأول الحفاظ على الكرامة المصرية، ومن بعد ذلك تحقيق المصلحة الاقتصادية، وحكمة في مراجعة اتفاقيات ومعاهدات مصر الدولية التي أبرمها النظام السابق، مع إعطاء الأولوية لاستقرار الأوضاع الداخلية، الحفاظ على الكرامة المصرية: في تصوري لا يوجد مصري يختلف على أن الحفاظ على الكرامة المصرية مقدم على المصالح الاقتصادية والسياسية، ولأن البعض يريد أن يسوق للمساعدات المشروطة بإملاءات تمس بالسيادة والكرامة المصرية على أنها معونات ومنح، لذا ينبغي أن تكون لدينا رؤية واضحة وعدم الخلط بين المساعدات المشروطة التي يجب رفضها، وبين المعونات والمنح التي يمكن قبولها لأنها تمثل أمرًا طبيعيًّا تحتاج إليه جميع دول العالم في أوقات الكوارث الطبيعية والأزمات الاقتصادية وتعتبر نوعًا من أنواع التعاون الدولي. دول تفرط دولة في مصالحها الاقتصادية لحساب أخرى ومن الطبيعي في الاتفاقيات الاقتصادية بين الدول أن تسعى كل دولة لتحقيق أقصى مصلحة ممكنة لها من وراء الاتفاق، بشرط ألا يكون ذلك على حساب الإضرار بمصالح الدولة أو الدول الأخرى، ومن غير الطبيعي أو المقبول أن تفرط دولة في مصالحها الاقتصادية لحساب مصلحة دولة أخرى. وإذا حدث هذا في فترة من الفترات نتيجة فساد النظام السياسي، فيكون من الواجب بعد إسقاط النظام مراجعة جميع الاتفاقيات التي فيها إضرار بمصالح مصر الاقتصادية، والتفاوض بشأن تعديل الشروط، والتقاضي واللجوء للتحكيم الدولي إذا لزم الأمر لاسترداد الحقوق. ومعلوم أن الشعب المصري الذي قام بثورة احترمها العالم وأشاد بها لتحضرها وسلميتها، عليه أن يعلم بأن مصر دولة ذات قامة كبيرة وتلتزم بالمعاهدات والاتفاقيات الدولية التي تبرمها، وإن كان هناك ضرر واقع عليها من وراء بعض المعاهدات والاتفاقيات التي أبرمها النظام السابق، فلا ينكر أحد على الشعب المصري حقه في طلب تعديل الشروط المجحفة لتلك الاتفاقيات أو حتى إلغائها، على أن يكون ذلك بالتحرك في الاتجاه الصحيح باتخاذ الإجراءات السياسية والقانونية المتعارف عليها دوليًّا، وليس بإطلاق التصريحات الرنانة التي تلهب مشاعر الناس ولا تغير من الواقع شيئًا. رفضها لن يضر باقتصاد أو جيش مصر وأخيرًا. فإن التخلي عن المعونة الأمريكية بشقيها الاقتصادي والعسكري لن يضر باقتصاد أو جيش مصر، بل على العكس من ذلك سيحرر الإرادة المصرية من السيطرة الأمريكية، ويجعلها قادرة على اتباع سياسة زراعية تحقق الاكتفاء الذاتي من القمح، وسياسة عسكرية تمكنها من تنويع مصادر سلاحها لإنهاء التفوق العسكري الإسرائيلي الذى تضمنه الولاياتالمتحدة لها. كما أن التهديد بقطع المعونة من الجانب الأمريكي أو التخلي عنها من الجانب المصري لا يجب أن يكون سببًا في أزمة سياسية أو قطيعة دبلوماسية بين مصر والولاياتالمتحدةالأمريكية، ولكن يجب أن يكون نقطة انطلاق نحو علاقات اقتصادية وسياسية متوازنة ومتكافئة ليس مع الولاياتالمتحدة وحدها، ولكن مع كل دول العالم، وعلى الحكومة المصرية مصارحة الشعب بحقيقة المعونة بعيدًا عن الإثارة الإعلامية وتهييج المشاعر الشعبية، لأن الشعب المصري الذي صنع ثورة ملهمة لدول العالم لا يسعى إلى الصدام وقطع العلاقات، لكنه يرغب في تأسيس علاقات متميزة مع جميع الدول ليتمكن من إعادة بناء مصر الثورة. إسرائيل وأمريكا يستفيدان من المعونة - كانت إسرائيل عنصرًا حاكمًا ومحددًا لطبيعة العلاقات المصرية - الأمريكية طيلة الفترة محل الرصد، بدليل أن السنوات التي أعقبت مباشرة حرب 1948 و1967 جمدت خلالها واشنطن المساعدات الأمريكية لمصر، في حين سجلت المعونات الأمريكية لمصر عقب حرب 1973 ارتفاعًا قياسيًّا عقب التفاهمات التي دارت بين الجانبين حول وقف إطلاق النار، والبدء في مفاوضات فض الاشتباك الأول والثاني بين مصر وإسرائيل، وما أعقب ذلك من توقيع اتفاقية كامب ديفيد ومعاهدة السلام المصرية الإسرائيلية. ظلت المساعدات العسكرية لمصر ثابتة تقريبًا عند حد 1.3 مليار دولار منذ عام 1987 حتى 2012 لم تتغير، وكان تخفيض المعونات الاقتصادية هي محل الارتفاع والانخفاض في إجمالي حجم المساعدات الأمريكية لمصر؛ حيث انخفضت وفقًا للاتفاق بين الجانبين بواقع 5% سنويًّا بداية من عام 1998 حتى 2008، ثم ظلت بداية من عام 2009 حتى 2012 ثابتة عند قيمة 250 مليون دولار. رغم تعالى الأصوات في فترات مختلفة وخلال إدارات أمريكية متعاقبة لقطع المعونة الأمريكية عن مصر، ورغم الأزمات والتحديات والمتعرجات التي شهدتها العلاقات بين الدولتين على مدار تلك الفترات التاريخية ظلت المساعدات الأمريكية مستمرة، طالما أن الأمر (لا يتعلق بأمن إسرائيل)، أما إن كانت نقاط الخلاف مرتبطة بقضايا على شاكلة تطبيق الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، وحريات الفكر والعقيدة وما إلى ذلك، فواشنطن كان بمقدروها أن تغض الطرف عن كل هذا في سبيل استمرار العلاقات المتميزة مع مصر، وفي الأزمة التي اندلعت في يناير 2012 (أزمة المنظمات الأجنبية غير الحكومية) خير مثال على ذلك، فرغم تصريحات المسؤولين الأمريكيين التي ملأت الأرض سمعًا وبصرًا حول ضرورة قطع المعونة عن الجانب المصري، فإنها بقيت كما هي. مصر في مفترق الطرق وقد أوضح مارتن ديمبسي، رئيس هيئة الأركان الأمريكية خلال شهادته أمام إحدى لجان الاستماع بالكونجرس الأمريكي والتي كان عنوانها مصر في مفترق الطرق" أن التاريخ أثبت أنه عندما نستخدم التمويل لعزل الولاياتالمتحدة عن شركاء سابقين، فإن ذلك لا يحقق نتيجة جيدة، لأن ذلك يعزل الإدارة عن الجيل القادم " ولقد أوضح ديمبسي أن قطع المعونة يضر بالمصالح الاستراتيجية لواشنطن. وسوف نجد تفسيرًا شاملًا حول ما تجنيه الولاياتالمتحدةالأمريكية من فوائد جراء استمرار تقديم معونات ومساعدات أمريكية للجانب المصري، وذلك وفقًا لما جاء في التقرير الصادر عن مكتب المحاسبة الحكومي التابع للكونجرس الأمريكي في 2006. العهد الملكي قدمت الحكومات الأمريكية دعمًا ومساعدات لمصر خلال العهد الملكي وبالتحديد عام 1946، وقد بلغ حجم تلك المعونات 9.6 مليون دولار، وقد تزامن ذلك مع بداية الاستعداد الأمريكي لوراثة عرش بريطانيا في المنطقة، وتأتى تلك المعونات في محاولة من جانب واشنطن لضم مصر كي تدور في فلكها بعد أن انطلقت رحى الحرب الباردة، إذ شرعت واشنطن في استخدم أداة المعونات كوسيلة لضم مصر إلى منظمة الدفاع عن الشرق الأوسط، وهى المنظمة التي اقترحتها إدارة الرئيس الأمريكي هاري ترومان للدفاع عن الشرق الأوسط ضد التغلغل الشيوعي. مجلس قيادة ثورة 1952: استقطاب الرؤساء عشية اندلاع ثورة يوليو 1952، رفعت الإدارة الأمريكية حجم مساعداتها لمصر من 1.2 خلال ذلك العام إلي12.9 مليون دولار في عام 1953، وذلك لاستقطاب مجلس قيادة الثورة باعتباره الجهة المسيرة لشؤون الدولة، وتخوفًا من ارتماء هذا المجلس في أحضان الاتحاد السوفيتي الذي كان يسعى لإقامة علاقات قوية مع مصر كي يجد لنفسه موطئ قدم في منطقة الشرق الأوسط. فترة عبدالناصر وبعد أن استقر الأمر وأضحى الرئيس عبدالناصر هو المهيمن على مقدرات الدولة سعت واشنطن إلى استقطابه من خلال استخدام أداة المعونة، وسجلت المعونات الأمريكية لمصر تضاعفًا ملحوظًا؛ حيث بلغت عام 1955 نحو 66.5 مليون دولار، ولكن مع تبني عبدالناصر سياسات رافضة للأحلاف الغربية، ومشاركته في تأسيس حركة عدم الانحياز، وقيامه بدعم حركات التحرر العربي، وتأميمه لقناة السويس، وإقامته للوحدة المصرية السورية، وتأسيسه لعلاقات قوية مع الاتحاد السوفيتي، بها أسهم في توتير العلاقات الأمريكية - المصرية، مما انعكس بمصر على حجم المعونة الذي أخذ في الانحسار خلال الحقبة الناصرية. السادات: السادات ...وعودة العلاقات المقطوعة مع بداية عهد السادات سعت واشنطن لإعادة قنوات الاتصال مع النظام المصري الجديد، في محاولة لاستعادة العلاقات المقطوعة بين الدولتين منذ حرب يونيه 1967، وفى هذا الإطار أعادت الإدارة الأمريكية تخصيص قدر من المساعدات والمعونات للحكومة المصرية؛ حيث تم تخصيص معونات بقيمة 1.5 مليون دولار لمصر في عام 1972، إلا أن هذه المساعدات تراجعت في العام التالي لتسجل 800 ألف دولار فقط نتيجة لاندلاع حرب أكتوبر. ومع تبني الرئيس السادات الرؤية الأمريكية لحل الصراع العربي الإسرائيلي، شهدت الفترة اللاحقة لحرب أكتوبر أرقامًا قياسية؛ حيث بلغت عام 1979 على سبيل المثال لا الحصر نحو 2.6 مليار دولار تقريبًا. مبارك: مبارك تبنى سياسة وتوجهات واشنطن ومع بداية عهد مبارك، رغبت واشنطن في الإبقاء على العلاقات المتميزة مع الجانب المصري؛ حيث أغدقت واشنطن الكثير من المعونات على مدار ثلاثة عقود، وأضحت مصر خلال تلك الفترة من أهم شركاء الولاياتالمتحدةالأمريكية في المنطقة، لاسيما بعد أن تبنى النظام المصري سياسات وتوجهات خدمت في المقام الأول المصالح والأهداف الأمريكية في المنطقة، ومع تزايد علاقات الشراكة والتعاون بين الجانبين خصصت واشنطن لمصر مساعدات عسكرية ظلت ثابتة تقريبا عند حد 1.3 مليار دولار بداية من عام 1987 حتى عام 2010. ثورة يناير والفترة الانتقالية بعد اندلاع ثورة يناير، وتولى المجلس الأعلى للقوات المسلحة إدارة شئون البلاد، شهدت العلاقات الأمريكية - المصرية جملة من التحديات والأزمات كادت تعصف بالعلاقات الأمريكية - المصرية، كان أبرزها أزمة المنظمات الأجنبية غير الحكومية العاملة في مصر وما تبعها من القبض على 19 أمريكيًّا، وعلى الرغم من بروز تيار قوي داخل الإدارة الامريكية والكونجرس طالب بقطع المعونة الأمريكية عن مصر، فإن إدارة أوباما أبقت على حجم المساعدات الأمريكية لمصر كما كانت تقريبًا في العام السابق للثورة، حيث بلغت 1551.4 مليون دولار. محمد مرسى: مرسي ... والأمريكان وعقب تولي الرئيس مرسى السلطة، سعت واشنطن إلى التقارب مع النظام المصري الجديد وإثبات حسن النيات؛ حيث تردد أخيرًا وبقوة وجود اتجاه داخل الإدارة الأمريكية لإلغاء مليار دولار من الديون الأمريكية لدى الجانب المصري ثم زيارة الوفد الاقتصادي الأمريكي لمصر في 8 سبتمبر 2012 والذى ضم نحو 117 رجل أعمال يمثلون 50 شركة من كبرى الشركات الأمريكية التي تعمل في مختلف المجالات، وتحمل زيارة وفد رجال الأعمال الأمريكي لمصر رسالة قوية مفادها رغبة واشنطن في تدشين علاقات اقتصادية وسياسية قوية مع النظام المصري الجديد. المصدر: الأهرام العربي