حيث ملابس محترقة وبقايا خزانة داخل غرفة أتت عليها النيران.. فيما لفَّ الدخان الأسود جدار غرفتهما بمخيم الشاطئ غرب غزة، هكذا يبدو المشهد في غرفة الطفلين خالد وعمرو محمد الهبيل اللذين استشهدا الليلة الماضية بعد أن أحرقتهما الشموع التي أوقدوها لإنارة بيتهم المعتم في ظل استمرار الحصار المفروض على القطاع للعام الثامن على التوالي. في تلك الغرفة، حيث البحث عن الأمان والدفء في ظل شتاء بارد، ظن الطفل عمرو أن لجوءه إلى خزانة الملابس ستحميه من ألسنة اللهب التي طالت شقيقه خالد، لكن النيران امتدت لتطاله بعد أن تسبب الدخان باختناقه قبل أن يتمكن والدهما والجيران من الوصول إليهما، وما هي إلا لحظات حتى فاضت روحيهما إلى الباري تشكو ظلمة الحصار المفروضة على غزة وأهلها، بينما تم إنقاذ شقيقتهما الصغيرة سارة. انقطاع الكهرباء المتكرر الطفلان خالد وعمرو، ليسا الوحيدين اللذين أحرقتهما شموع الحصار، فهناك العديد من تطالهم ألسنة اللهب مع بداية شتاء كل عام على امتداد سنوات الحصار المفروض على قطاع غزة، بسبب الانقطاع المتكرر للكهرباء عن بيوت غزة، وهو ما يدفع السكان لاستخدام الشموع لتوفير "بصيص من الضوء لأطفالهم". ويعاني قطاع غزة من انقطاع الكهرباء وفق جدول 12 ساعة قطع و6 ساعات وصل، فيما تتسبب الأحمال على الشبكة خلال فترة الوصل في انقطاعها وإعادة وصلها بشكل متكرر ما ينجم عنه أعطال "وشرط" كهربي". يقول جد الطفلين خالد الهبيل بمرارة كبيرة ل"المركز الفلسطيني للإعلام" إن الحريق اندلع نحو الساعة السابعة من الليلة الماضية، في ظل الانقطاع والوصل المتكرر للكهرباء بعد ساعات طويلة من الانقطاع، موضحاً أن ابنه محمد (والد الطفلين) حاول إنقاذ الطفلين ولكنه أغمي عليه. ويضيف الجد بالقول: "عندما شعرنا بتصاعد الدخان ووجود النيران أسرعنا نحو الشقة التي تقع في الطابق الثالث، ولكن أقدار الله كانت أسبق وتم انتشال الطفلين حيث كان خالد ملقيا على الأرض، فيما كان عمر داخل خزانته التي ظن أنها ستحميه". والدة الطفلين، التي بالكاد استطاعت أن تجمع الكلمات، تقول لمراسلنا "الكهرباء كانت مقطوعة عن المنطقة حيث كانت الأسرة تضيء الغرفة بشمعة، ثم جاءت الكهرباء وكانت تأتي وتنقطع بشكل سريع، وكان الطفلان في غرفتهما للنوم، وفجأة اندلعت النيران داخل الغرفة". ووسط مشاعر الحزن على رحيل طفليها، تضيف بالقول "زوجي حاول إنقاذ الطفلين من خلال فتح باب غرفتهما الذي كان مغلقاً، ولكنه لم يتحمل الدخان المتصاعد فسقط غائباً عن الوعي، ثم جاء الجيران وعملوا على إخراجنا وكانت الفاجعة أن خالد وعمر استشهدا. بقلب محروق ويعتصر ألماً، تتساءل الأم وتقول: "لماذا علينا أن ندفع الثمن ولا نعيش مثل باقي العالم؟". محاولات الإنقاذ الشاب عبد هنية أحد الجيران الذي كان من أوائل الشباب الذين لبوا نداء استغاثة العائلة، يقول إنه أسرع لمنزل عائلة الهبيل بعد علمه باشتعال النيران داخله وهو يحمل بطانية، يقول: "كان الدخان كثيفاً ولم يكن هناك نيران في مدخل الشقة، وعندما دخلت اصطدمت بجسم تبين لي أنه الطفلة (سارة) وكانت النيران تقترب منها، فألقيت أمامها البطانية ولم أحتمل الدخان والنيران فخرجت خارج الشقة حيث أغمي علي للحظات". ويتابع بالقول: "عناية الرحمن جعلتني أفيق مجدداً لأعود داخل الشقة وأنقذ الطفلة". ويبقى الطفلان خالد وعمر ضحيتان جديدتان في قائمة تضم أكثر من 20 شخصاً استشهدوا خلال سنوات الحصار بسبب اشتعال نيران نتيجة أزمات الكهرباء والوقود.