يبدو أن أهل سيناء كتب الله عليهم البلاء، فما من سلطة من سلطات العسكر المتعاقبة (عبد الناصر، السادات، مبارك، السيسي) إلا وهم يلقون منهم معاملة التهميش والإساءة، يظهر ذلك من خلال سياسة التهميش والإقصاء، التي جعلتهم لا يتملكون أرضا ولا عقارا، فهم مواطنون من الدرجة الثانية وربما الثالثة أو العاشرة إن وجد ذلك. وزاد الطين بلة ما كان في الأيام الماضية من تهجير قسري لبعض أهل سيناء بلا ذنب ولا جريرة، وليس أعز على الإنسان من ترك الديار المسكونة، والأراضي المألوفة، والأموال المكتسبة بعرق الجبين وكد اليمين، ومن العجيب أن القرآن قرن الإخراج من الديار بإزهاق الأنفس، وجعل ذلك من أشد العقوبات على النفس البشرية، قال تعالى: {وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ} [النساء: 66]. ومن أعجب العجائب أن مصر بحكم إسلامها احتضنت كل أهل أصحاب الملل المخالفة من يهود وغيرهم، لكن السيسي بمجلسه العسكري الأرعن، يهجر أهل سيناء من أرضهم التي ألفتهم وألفوها، ولعلهم ألصق بأرض مصر وأكثر عطاء لها من السيسي ومجلسه العسكري. إن ما يقوم به السيسي لم يفعله الشرفاء من القادة مع المخالفين، فصلاح الدين الأيوبي لم يفعل ذلك مع النصارى الذين اغتصبوا القدس، ولطخوا رحاب الأقصى بدماء الآبرياء، ولم يفعل ذلك محمد الفاتح مع الأرثوذكس حين فتح القسطنطينية. إن ما يفعله السيسي الآن من قتل وتدمير وإذلال لأهل سيناء هو ما فعله التتار حين غزوا بغداد، وما صنعه الصفويون حين دخلوا خرسان، وما قام به ستالين مع شعب القوقاز، وما صنعه مجرمو الصرب مع أهل البوسنة والهرسك، وما فعله ويفعله اليهود مع أهل فلسطين منذ سنة 48م. وما قام به أصحاب العدوان الثلاثي على مصر في في خمسينيات القرن الماضي. والسؤال هنا: لمصلحة من يتم التهجير؟ إن إسرائيل سعيدة جدا بهذا التهجير، ووسائل إعلامها تطنطن به، وأمريكا تعلن تأييدها لعملية التهجير، ولا عحب في ذلك؛ فهي خطة صهيو أمريكية، يقوم بها مرتزقة الجيش، وأعني بذلك السيسي ومجلسه العسكري مستغلين بذلك جنودا لا حول لهم ولا قوة. إن الأصل أن تعمر سيناء لا أن يهجر أهلها، وأن يعامل أهلها كمصريين؛ لهم ما للمصريين وعليهم ما على المصريين، ولا ينظر إليهم كبدو صحراء، أو كخونة نفعيين. إن أفظع ما في هذا الأمر هو أن يكافأ أهل سيناء على تضحيتهم عشرات السنين بدمائهم وأموالهم وأولادهم في سبيل تحرير مصر بقتل وتشريد وتهجير، إن ما يحدث الآن جدير بأن يخلق جماعات وجماعات ينتقمون لديارهم التي هدمت وأموالهم التي نهبت، وأهلهم الذين عوملوا بما لم يعامله به اليهود الصهاينة... وأخيرا: فلا بد أن نضع هذه الحقائق نصب أعيننا: 1. وجود منطقة عازلة بيننا وبين أهل غزة هي فكرة يهودية تحقق مصالح يهودية، ولئن عجز اليهود عن تنفيذها فإن غلامهم السيسي يقوم بهذا. 2. مشكلة سيناء في قلة عددها وتصبح كارثة حين يهجر أهلها. 3. التعامل الأمني وسوء التعامل مع أهل سيناء سيولد جماعات وجماعات ستأكل الأخضر واليابس. 4. عدد سكان سيناء حوالي نصف مليون وهي بحاجة إلى خمسة ملايين لتسعد مصر بخيرات أرض الفيروز. 5. ليس هناك من دليل واحد على تورط أهل فلسطين وخصوصا الغزاويين منهم في أي عملية من عمليات قتل جنودنا المصريين، ومن اتهم فبعضهم سجين لدى اليهود وآخرون شهداء عند ربهم. 6. لم نسمع من قادة العسكر (الأشاوس) توجيه اتهام ولو مرة واحدة لليهود، في أي عملية قتل لأبنائنا بالرغم من أنهم عدونا الأول والآخير. نأسف ونحزن لقتل جنودنا، ولعنة الله على من قتل الجنود الآبرياء، ولكن أفيقوا يا قوم ولا تقتلوا الشعب مرتين: مرة بالتآمر على قتل جنوده الآبرياء، ومرة بالتآمر على تهجير أهله الشرفاء. *مستشار التدريب بالمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية (سابقا) عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين