تكلم يوم سكت الناس.. وجهر بالحق فى وجه الحاكم وقت أن كان صمت العمائم هو الغالب.. إنه فارس فرسان المنابر الشيخ عبد الحميد كشك، الذى هز جدران قصور الحكام، وارتعشت منه فرائس الرؤساء, فغيبه عبد الناصر، والسادات فى السجون, وأصدر حافظ الأسد، حاكم سوريا الراحل قرارا بإعدام كل من سيكتشف رجال أمنه وجود أى شريط للشيخ كشك بحوزته!! الشيخ كشك والمشير: فى هذه الأيام التى يتبارى فيها مشايخ الانقلاب مثل: على جمعة، وسعد الهلالى، والطيب، وأحمد كريمة فى تكفير الشيخ سيد قطب, وإطلاق عبارة القطبيين على جماعة الإخوان المسلمين؛ إشارة إلى انتهاجهم فكر سيد قطب، الذى يعتبرونه تكفيريا. وما أشبه الليلة بالبارحة حقا.. ففى واقعة قصها أسد المنابر الشيخ كشك فى إحدى خطبه عن إعدام الشهيد سيد قطب عام 1961، ذكر فيها أن المشير عبد الحكيم عامر أرسل إليه بعض رجال مخابراته فى مكتبه، وقالوا له: إن المشير يقول لك بالأمر: اخطب الجمعة عن إباحة دم سيد قطب..! فقال لهم العالم الفقيه: "أنا لا أعرف الأمر إلا من واحد هو الواحد الذى يقول: إن الأمر كله لله، فقال له رجال المخابرات بِلُغَة التهديد: ولكنك ستدفع الثمن إن لم تفعل، وعلى الفور قال لهم لسان الحق: مرحبا بالثمن إذا كان فيه النجاة من عذاب الله يوم القيامة..! كشك وشيوخ السلطان.. صعد الشيخ كشك على المنبر فى يوم الجمعة الموعود, وانتظر الخطبة المشير عامر، وسيده عبد الناصر, متوقعين موقف الشيخ الجبل الأشم, وبالفعل صدر الشيخ كشك خطبته بقول الله -عز وجل-: "قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى ولا تظلمون فتيلا"، "أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم فى بروج مشيدة"؛ وأشاد بسيد قطب، واحتسبه شهيدا, وأثنى على تفسيره للقرآن الكريم.. ودفع الشيخ كشك الثمن بالفعل، والذى دفعه مرارا؛ حيث تم اقتياده للسجن مباشرة ليسجن لمدة عامين جراء جهره بالحق فى خطبة سيد قطب. وقال الشيخ الجليل، واصفا موقف شيوخ السلطان كما هو الحال تماما اليوم؛ ليوجه صفعة قوية لشيوخ الانقلاب ك"على جمعة، والطيب، والهلالى، وكريمة، ومظهر شاهين"، وغيرهم؛ لتصل إليهم الصفعة مدوية بعد أكثر من نصف قرن من الزمان، لتنتقل من حكم المشير عامر إلى حكم المشير السيسى. (وكلاهما بالمناسبة وصل إلى رتبته العسكرية عن غير حق), قال كشك فى صفعته: كنت أقول ذلك عن الشهيد سيد قطب فى وقت كان أصحاب العمائم يفسرون للشعب المسكين عن إعدام سيد قطب (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون فى الأرض فسادا أن يقتلوا..) فقلت – أى الشيخ كشك - سبحان الله-.. سيد قطب يحارب الله ورسوله؟ الرجل الذى فسر القرآن يحارب الله ورسوله؟ .. ما أشبه الليلة بالبارحة.. وما أكثر العمائم التى انحنت للحكام، واتهمت الآخرين بما ليس فيهم؛ لتجلس، ولو تحت أقدام السلاطين..! لقد لفظهم التاريخ جميعا ونُسيت أسماؤهم.. وبقى الشيخ كشك أسطورة المنابر على مر الزمان..!