أصبح "سحب الجنسية" ورقة جديدة تستخدمها الحكومات الخليجية؛ لإسكات معارضيها، وذلك رغم مخالفتها للمواثيق الدولية لحقوق الإنسان؛ حيث تحرم من تقوم بسحب جنسيتهم من حقوقهم المدنية والسياسية، فضلا عن انتهاكها لحرية الرأى، والتعبير التى تكفلها كافة المواثيق الدولية والدساتير. ففى الكويت، أعلنت الحكومة الكويتية سحب الجنسية من 18 مواطنًا، أمس الإثنين، من بينهم سعد العجمى رئيس اللجنة الإعلامية بحركة العمل الشعبى "حشد" المعارضة، التى يرأسها النواب السابقون أحمد السعدون، ومسلم البراك. كما قامت بسحب الجنسية عن خمسة أشخاص فى 21 يوليو الماضى، بينهم مالك قناة "اليوم"، وصحيفة "العالم اليوم" أحمد جبر الشمرى، والنائب السابق عبد الله البرغش، وثلاثة من أشقائه؛ إضافة إلى الداعية الإسلامى نبيل العوضى. ورفضت المحكمة الإدارية الكويتية نظر قضية سحب الجنسية من أحمد جبر الشمرى، مالك قناة "اليوم" وصحيفة "العالم اليوم"، وأفراد عائلته، الخميس الماضى؛ حيث قالت: "إن القضية خارج اختصاصها". والنتائج المترتبة على هذا القرار الخطير تتمثل فى إسقاط جميع الامتيازات التى كانت تقدمها الدولة إليهم، ومنها البيت الحكومى والوظيفة والرخص التجارية، وغيرها من المتطلبات التى منحتهم إياها الدولة؛ هذا إلى جانب منحهم مهلة معينة لإخلاء المساكن الحكومية التى تتبع مؤسسة الرعاية السكنية، ووضع “بلوك” في المنافذ على المواطنين الذين سحبت جنسياتهم؛ حتى لا يغادروا البلاد بجوازات سفر كويتية؛ إضافة إلى تقديمهم جميع الأوراق والإثباتات التى تخص الدولة، ومن لا يتقدم سيتم التوجه إلى منزله. ويترتب أيضًا على سحب الجنسية، فَقْد المسحوب جنسيته لوظيفته، إلا فى حالة واحدة، وهى طلب الوزارة استمرار عمل الشخص لديها، ولكن على بند المكافآت؛ حيث يعامل الموظف فى هذه الحالة يعامَل معاملة "البدون" فى العقد والراتب. والمخالفة فى هذه القرارات تكمن فى عدم جواز الطعن على مرسوم الجنسية؛ وذلك لأن القانون جعل موضوع الجنسية مسائل محجوبة عن اختصاص القضاء بنص قانون الجنسية، بحسب تصريحات الخبير الدستورى د. محمد الفيلى. ويرى أستاذ القانون فى جامعة الكويت الدكتور ثقل العجمى، أن سحب الجنسية فى الكويت صار أسهل من سحب رخصة القيادة، بل إن سحب الرخصة يمكن التخاصم فيه أمام القضاء أما الجنسية فلا . أما البحرين، فقد بدأت المملكة فى استخدام هذه الورقة بشكل واسع بعد الحراك الذى شاهدته الحياة السياسية، والمطالب بتطبيق أوسع للديمقراطية فى عام 2011؛ حيث جعل سحب الجنسية عقوبة لمن أدينوا ب "الإضرار بأمن الدولة والإرهاب"، بحسب ما تصفه الحكومة البحرينية. وقد قضت محكمة بحرينية، الإثنين، بالسجن المؤبد، وإسقاط الجنسية عن تسعة أشخاص أدينوا بتهريب أسلحة للمملكة؛ لاستخدامها فى أعمال إرهابية. وكانت محكمة بحرينية قضت أيضًا فى الشهر الماضى بإسقاط الجنسية عن تسعة مواطنين بحرينيين بعد إدانتهم بتشكيل خلية إرهابية، والتخطيط لتهريب أسلحة إلى داخل المملكة. وفى عام 2012، أسقطت البحرين الجنسية عن 31 شخصًا، عقب إدانتهم بتهمة الإضرار بأمن الدولة. والأمر لا يختلف كثيرًا فى الإماراتالمتحدة العربية؛ حيث قامت بسحب الجنسية من 7 إماراتيين يصفون بالإسلاميين عام 2011؛ لاتهامهم ب "أعمال تهدد الأمن الوطنى لدولة الإمارات من خلال ارتباطهم بمنظمات وشخصيات إقليمية ودولية مشبوهة". وقالت السلطات الإماراتية، فى حينها: "إن ال 7 ينتمون إلى جماعة إسلامية دعوية محظورة قريبة من فكر جماعة الإخوان المسلمين". أما السعودية، فقد قامت بسحب الجنسية من عدد من مواطنيها، وأبرزهم زعيم تنظيم القاعدة "أسامة بن لادن"، عام 1994، وذلك إثر اغتيال السفير السعودى فى باكستان، والذى اتهم ابن لادن، الذى لم يكن أعلن تأسيس «القاعدة» بعد، بالوقوف وراء الحادثة والتخطيط لها. وفى عُمان، قال مرصد حقوق الإنسان فى السلطنة الشهر الماضى: "إن السلطنة تمهد الطريق لمرحلة واسعة النطاق وخطيرة من القمع؛ خاصة مع القانون الجديد الذى يوسع قدرة السلطات على سحب الجنسية العمانية". ويسمح القانون الجديد الصادر فى 12 أغسطس الماضى لوزارة الداخلية بسحب الجنسية من المواطنين العمانيين، الذين ينتمون إلى "جماعة، أو حزب، أو منظمة تعتنق مبادئ ومعتقدات ضارة بعمان". وقد لاقت هذه الممارسات هجومًا شرسًا من المنظمات الحقوقية الدولية؛ حيث أعرب المركز الدولى لدعم الحقوق والحريات، عضو تحالف المحكمة الجنائية الدولية عن أسفه ورفضه للمضايقات والانتهاكات التى تمارسها السلطات الكويتية تجاه المعارضين والمدافعين عن حقوق الإنسان، والتى بدأت بالاعتقالات، وقمع التظاهرات، ومعاملة غير إنسانية للمحتجين سلميا، ووصلت إلى حد سحب الجنسية، والحرمان من الحقوق المدنية والسياسية. وأكد المركز أن هذا القرار بالغ القسوة، ويخالف جميع المواثيق والمعاهدات الدولية؛ لأن معنى هذا القرار، هو حرمان المواطنين المسحوبة جنسيتهم من جميع حقوقهم المدنية والسياسية، فهم أصبحوا بدون جنسية لن يتمكنوا من المشاركة السياسية بالانتخاب، والترشح؛ ولن يكون لهم حق فى حرية التنقل، ولن يتمكنوا من التمتع بحقوقهم كمواطنين كويتيين. وأضاف: "هم ليسوا مواطنين، لن يتمكنوا من العلاج بالمستشفيات مجانًا، ولن يستطيعوا تعليم أبنائهم بالمدارس الحكومية، ولن يتمكنوا من التوظيف داخل الدولة، ولن يستطيعوا استخراج رخص قيادة السيارات، ولن يتعاملوا مع البنوك، ولن يستطيعوا تسجيل أطفالهم فور ولادتهم فى السجلات المدنية". بينما قالت منظمة "العفو الدولية": "إن قرار السلطات البحرينية سحب الجنسية من المعارضين بحرينيًّا "أمر محظور بموجب القانون الدولى"؛ مشيرة إلى أن هذا القرار يعنى أن أفراد المجموعة الذين لا يحملون سوى الجنسية البحرينية باتوا الآن عديمى الجنسية. وقال مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا فى المنظمة فيليب لوثر: "لقد قدَّمت السلطات أسبابًا غامضة للغاية لقرار إسقاط الجنسية عن أولئك الشخصيات، وهو قرار يبدو أنه اتُّخذ بسبب الآراء السياسية للضحايا". وأضاف: "ما يثير القلق العميق أن السلطات، بهذا الإجراء، إنما تجعل بعض أفراد المجموعة عديمى الجنسية، وهو أمر محظور بموجب القانون الدولى؛ شأنه شأن كل أشكال التجريد التعسفى من الجنسية"، داعيا السلطات البحرينية "بإلحاح إلى إلغاء هذا القرار". ومن جانبها، قالت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان: "إن ما تقوم به السلطات الكويتية من ممارسات، انتهاك واضح لحرية الرأى والتعبير، وأن حملات سحب الجنسية المستمرة لكل من خالفها فى الرأى، هى محاولة لتقويض المعارضة فى الكويت".