تراجع اهتمام الرأى العام مقارنة بالزخم الذى شهدته المحاكمة فى أيامها الأولى، وتغيير أقوال الشهود، وأبرزهم إبراهيم عيسى، وتهيئة المناخ لتبرئة المخلوع مبارك بعد منحه فرصة مطولة لإلقاء خطابٍ متلفز يدافع فيه عن نفسه.. كانت أبرز النقاط التى ركزت عليها الصحف والمواقع الغربية التى اهتمت بتغطية جلسة النطق بالحكم فى إعادة محاكمة المخلوع مبارك. "أول حاكم عربى يُخضِعه شعبه للمحاكمة"، بهذا الوصف استهلت أسوشيتد برس تغطيتها لتأجيل المحكمة نطقها في جلسة إعادة محاكمة مبارك إلى 29 نوفمبر. ونشرت "واشنطن بوست" "ايه بى سى نيوز" التقرير الذى كتبته ماجى ميشيل، تحت عنوان "محكمة مصرية تؤجل حكمها فى إعادة محاكمة مبارك"، وجاء فيه: "خلافًا لما حدث فى المحاكمة الأولى، جاء رد الفعل الشعبى خافتًا على هذه الجولة من المحاكمة التى تحدد مصير أطول رئيس حكم مصر". ووصفت الوكالة ملامح المخلوع مبارك بأنها كانت جامدة، وقالت إنه ظهر بصحة جيدة، ويجلس بين ابنيه، جمال الذى كان يومًا وريثًا للحكم، والذى همس فى أذن والده خلال الجلسة، وعلاء رجل الأعمال الثرى. وأشار التقرير إلى ما وصفه بحملة القمع شديدة الوطأة، التى شنتها الحكومة الحالية ضد المعارضة، بعد الانقلاب على الرئيس الشرعى د.محمد مرسى، والتى أسفرت عن سجن كثير ممن قادوا الثورة ضد مبارك، أو إسكاتهم إلى حد كبير، إلى جانب آلاف القتلى والجرحى والمعتقلين من أنصار الرئيس مرسى الذى يواجه الآن سلسلة من الاتهامات التى تصل عقوبتها للإعدام، وتشمل الخيانة، إلى جانب كبار قادة الإخوان. حتى النشطاء الذين يميلون للعلمانية ليسوا أفضل حالًا- بحسب التغطية- فبعضهم فى السجن يُضرِب عن الطعام احتجاجًا على اعتقاله، والآخر يواجه اتهامات بالعمالة لأمريكا، والجميع يرزح تحت نير قانون التظاهر شديد القسوة الذى خنق المظاهرات فى الشوارع إلى حد كبير، حيث ينص على عقوبة بالسجن وغرامة كبيرة على كل من تظاهر بدون ترخيص. وسلطت مراسلة بى بى سى أورلا غورين فى القاهرة الضوء على تراجع اهتمام المصريين بالمحاكمة، التى كانت تحظى من قبل باهتمامٍ الجميع، قائلة: يظهر أن العديد من المصريين فقدوا الاهتمام بمصير الرئيس المخلوع مبارك الذى ظل مهيمنًا على البلاد لثلاثة عقود"، فيما رجَّح معلقون تبرئة المخلوع بعد تغيير عدد من الشهود أقوالهم لصالحه. ووصفت صحيفة الجارديان مبارك ب "الديكتاتور المصرى السابق، الذى أطاحت به ثورة 2011"، واعتبرت محاكمته "يوم آخر للحساب" بتهمة قتل المتظاهرين، لكنها فى المقابل سلطت الضوء على دور الشهود فى تبرئته المحتملة، ومنهم إبراهيم عيسى. وقالت الصحيفة البريطانية: "فى البداية صدر حكم على مبارك بالسجن مدى الحياة فى يونيو 2012، ما أثار مشاعر الابتهاج فى بلد ما زال ينبض بالحماس الثورى. لكن سرعان ما أعيدت محاكمته فى يناير 2013، وبعد مرور قرابة عامين تبدو النتيجة مختلفة، ولا تحمل الرمزية ذاتها، أو تفيض بالعاطفة التى شهدتها المحاكمة الأولى". وأضافت: بعض الشهود الرئيسيين في القضية غيَّروا أقوالهم لصالح مبارك، ومن بينهم رئيس التحرير المخضرم إبراهيم عيسى، الذي سجن في عهده، وكان أحد أشد المنتقدين للمؤسسة المصرية. وفي محاكمة مبارك الأصلية اتهم الشرطة بإطلاق النار على المتظاهرين خلال انتفاضة 2011، لكنه في الآونة الأخيرة تحالف مع النظام، وفي إعادة محاكمة مبارك أنكر أن يكون شهد قتل المتظاهرين وأشاد بوطنية مبارك. وأشارت الجارديان إلى أن بعض الثوار، الذين تراجع دورهم مؤخرًا، اعتبروا سماح المحكمة خلال جلساتها الختامية لمبارك ووزير داخليته حبيب العادلي بإلقاء خطب مطولة متلفزة إشارة إلى احتمالية صدور حكم ببراءتهم. ونقلت الصحفية عن المدونة البارزة "زنوبيا"، قولها: "بناء على الشهادات التي تغيرت منذ المحاكمة الأولى، أعتقد أن مبارك سيُبَرَّأ. وأشعر أنَّ منح مبارك والعادلي وقتا للكلام كان لتهئية الناس لقبول حكم البراءة، بحيث لا يشعر أحدًا بالدهشة الشديدة". وقال مدون آخر ملقب ب" الفرعون الكبير": "أعتقد أن الناس لم يعودوا مهتمين.. فقدوا الاهتمام بالسياسة بشكل عام. لا أعرف ما ذا سيحدث، وأنا شخصيًا فقدتُ الاهتمام أيضًا". أما تايمز أوف إسرائيل فاستهلَّ تغطيته المنقولة عن أسوشيتد برس والفرنسية بتصريحات المخلوع مبارك قبل المحاكمة بأن "ضميره مرتاح"، ورأى الموقع أن المحكمة ستنطق بالحكم هذه المرة في مناخٍ يختلف عن الأيام العنيفة التي أطاحت بالمخلوع.