يرى محللون إسرائيليون أن منظومة الاستخبارات الإسرائيلية فى قطاع غزة تآكلت بفعل خطة "فك الارتباط" التى نفذها رئيس الوزراء الأسبق آرييل شارون صيف العام 2005، وأن العدوان الإسرائيلى الأخير جاء لإعادة هيكلة هذه الأجهزة عبر الاحتكاك بالمدنيين واستجوابهم. وتداولت وسائل إعلام إسرائيلية معلومات تفيد بأن أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية توغلت فى المناطق السكنية "لاستغلال المدنيين المتواجدين بمناطق القتال فى تطوير أدائها، عبر إلزامهم بالكشف عما لديهم من معلومات". وتزامنا مع التوغل البرى، تم نشر عدد من رجال جهاز الأمن العام الإسرائيلى (شاباك) وعناصر الوحدة القتالية بالجيش وجنود شعبة الاستخبارات العسكرية المجهزين للنشاط السرى فى البيئة العربية، لجمع معلومات أولية من أجل إسناد العمليات العسكرية وتجنيد العملاء والمتعاونين. وتتباين المواقف حول قدرة المنظومة الاستخباراتية الإسرائيلية فى غزة، حيث تحفظ البعض على الطرح الذى يلمح إلى الإخفاق المتواصل، وبرروا ذلك بعدم الوجود الميدانى للجيش ولرجال المخابرات، بينما تعالت الأصوات التى تؤكد الفشل الاستخباراتى لإسرائيل بالقطاع منذ الانسحاب ووصول حركة حماس إلى الحكم عام 2007. ويؤكد المحلل العسكرى أمير أورن أن أجهزة المخابرات الإسرائيلية فشلت منذ فك الارتباط، ولم تستقرأ المعنى الجوهرى للتطورات الميدانية التى تواصلت بصعود حركة حماس إلى الحكم. وفى مقالته التى نشرت بصحيفة "هآرتس" الإسرائيلية بعنوان "الشاباك فشل فى غزة"، قال أورن: "إن المرحلة التى تلت عملية فك الارتباط "بلورت ملامح الواقع اليوم على جبهة غزة". ورغم أن الشاباك لا ينفرد وحده برصد الأحداث فى الأراضى الفلسطينية، إذ يقاسمه فى ذلك الجيش والاستخبارات العسكرية والموساد والشرطة، فإنه يتمتع بأولويات وأفضلية عليا فى جمع المعلومات، خاصة أنه الذراع والشريك الهادئ للآلة العسكرية، وفق أورن الذى يقول: "إن الشاباك لديه قدرات على اكتشاف صغائر الأمور". ويرى أورن أن الشاباك - الذى يعتبر الموجه الرئيسى لمنظومة الاستخبارات، وملزم بالكشف المسبق عن التنظيمات والعمليات المخططة لها وإحباطها- أبدى ضعفا "مثيرا للقلق" فى اكتشاف وتشخيص المشهد العام بالقطاع. ورجح أن تكون مختلف أذرع المؤسسة الأمنية الإسرائيلية "شريكة فى الخلل الوظيفى" المتعلق بجمع المعلومات الاستخباراتية عن القطاع على مدار السنوات التى سبقت العملية الأخيرة. تراجع لا فشل أما الباحث فى الاستخبارات العسكرية بالشرق الأوسط فى معهد "آيزنهاور" آفى ميلاميد، فاستبعد طرح مقولتى "الفشل والإخفاق" للشاباك فى جمع المعلومات الاستخباراتية بقطاع غزة، مؤكدا أنه يتم اعتماد الكثير من الوسائل والأساليب ومنظومات التقنية والرصد، إلى جانب اعتماد القوى البشرية التى تبقى "أهم ميزات جمع المعلومات الميدانية". وعن محاولة استحداثها وهيكلتها فى ظل الحملة العسكرية، قال ميلاميد "عندما يكون لدى جهاز المخابرات طواقم بشرية ناشطة بأرض الميدان وتتعامل مع السكان إلى جوار وسائل التقنية، فإنه يمكنه تحقيق إنجازات وجمع معلومات أكبر". وأضاف "من الطبيعى أن يتراجع الأداء الاستخباراتى فى غزة نظرا لعدم وجود إسرائيل ميدانيا لسنوات، ولكن هذا ليس فشلا". وأشار ميلاميد إلى "الأهمية القصوى" لنشاط أجهزة الاستخبارات المختلفة أثناء عمليات التوغل البرى، والاحتكاك بالمدنيين لأول مرة منذ سنوات، وقال: "أعتقد أن ذلك مكّن رجال المخابرات من استجواب الفلسطينيين وجمع معلومات عن انتشار عناصر حماس وسلاح المقاومة وطبيعة وظروف المناطق الميدانية". ولفت إلى أنه تم نقل هذه المعلومات إلى الجيش، وقد ساعدته فى سير العمليات العسكرية البرية "خاصة فيما يتعلق بشبكة الأنفاق". وخلص ميلاميد إلى أن جمع المعلومات أثناء التوغل البرى، وسير العمليات العسكرية "ساهم فى تنجيع العمل الاستخباراتى الإسرائيلى، وقطف الثمار الأولية"، مؤكدًا أن المعلومات التى جمعت "وظفت للتكتيك العسكرى"، ولها أبعاد استراتيجية استخباراتية على المدى البعيد لمواجهة العدو وحسم المعركة.