قام رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان يتركيز في برنامجه الانتخابي وحملته الانتخابية الرئاسية المقررة الأحد المقبل على رؤيته لما أسماه "تركيا الجديدة" التي تتضمن الاستمرار في برنامج حزب العدالة والتنمية الحاكم منذ عام 2002 والقاضي بتطوير كافة مناحي الحياة في البلاد لتصبح من بين أكبر 10 قوى عالمية بحلول عام 2023. أردوغان الذي يخوض انتخابات "شبه محسومة" لصالحه في ظل اجماع استطلاعات الرأي على فوزه بنسبة تتخطى حاجز ال50٪ من الجولة الأولى ليصبح رئيس تركيا حتى عام 2019، يبدو وكأنه بات يفكر كيف يمدد فترته الرئاسية لخمسة أعوام جديدة، أي حتى عام 2024، وهو ما يسمح به القانون التركي في حال استطاع الحفاظ على شعبيته الجماهيرية. هذا الطموح يتوافق مع ما خطط له "رجل تركيا القوي" منذ تسلم حزبه مقاليد الحكم عام 2002، حيث وضع آنذاك خطة النهوض بتركيا، وسار على هذا الطريق محققاً انجازات اكبر من التي كانت مرسومة بحسب حزب العدالة والتنمية والحكومة المنبثقه عنه. البرنامج الانتخابي المفصل لأردوغان والذي وزع على شكل كتاب، ينقسم إلى ثلاثة محاور رئيسية هي الإدارة الديمقراطية ومجتمع الرفاه والدولة الرائدة. وفي المحور الأول المتعلق ب"الإدارة الديمقراطية" يعد أردوغان الشعب بأن يواصل طريق إصلاح النظام الديمقراطي في البلاد على أن يكون الحكم للشعب، وليس للطبقات النخبوية والبرجوازية التي تحكمت في البلاد طوال العقود الماضية، بحسب أردوغان الذي لا يتوانى عن التأكيد في خطاباته اليومية على أنه "خادم للأمة التركية" وليس سيداً عليها. ويؤكد البرنامج في هذا المحور على العديد من المبادئ منها أن الحرية حق وجزء من الإنسان والاختلاف الثقافي والاجتماعي ليس ضعفاً اذا استبدل التصارع بالتسامح والاستقطاب بالاندماج، ويؤكد على انفتاح المجتمع وتحرير الإرادة الوطنية من ما وصفها "قيود الماضي" وأن التعددية ليست نقيضاً للوحدة، مع التشديد على الاتحاد على الرغم من الاختلاف وانتهاج الديمقراطية في كافة مناحي الحياة السياسية، وأن يسود حكم القانون. ويؤكد أردوغان في مشروعه على ضرورة صياغة دستور جديد للبلاد وهو الأمر الذي سعى إليه منذ سنوات ويأمل في تحقيقه خلال فترة حكمه المقبلة، خاصة في حال تمكن حزبه "العدالة والتنمية" من الحصول على نسبة أكبر من المقاعد في البرلمان بالانتخابات القادمة المقررة بداية العام 2015. ويقول إن الدستور الحالي لا يتناسب من الموقع الذي وصلته البلاد ويقف عائقاً أمام تطور الجمهورية وانفتاحها على العالم، بالإضافة إلى أنه يأمل من خلال اقرار الدستور الجديد إلى تحقيق مزيد من مطالب الأكراد في مسعى للوصول إلى سلام شامل ينهي عشرات السنوات من القتال بين الحكومة ومسلحي حزب العمال الكردستاني والتي أدت إلى مقتل أكثر من 45 ألف من الجانبين، وهو الهدف الذي يضعه أردوغان على رأس أولوياته خلال المرحلة المقبلة. ويقول أردوغان عن الدستور الجديد الذي يأمل إنجازه: "يجب أن يعكس الدستور الجديد المفاهيم الديمقراطية الأكثر تقدمًا، ويجب أن يحظى بتوافق واسعٍ ويحضن جميع شرائح المجتمع، كما يجب أن يكون شاملاً لا تهميشيًا، وحاضنًا لا إقصائيًا، وجامعًا لا مفرقًا، ويجب أن يوفر الحرية ويدافع عن الوحدة بالتنوّع لا بالتماثل”. ويتحدث في المحور الثاني لبرنامجه الانتخابي عن مجتمع الرفاه الذي يأمل في تحقيقه بالبلاد من خلال تطوير الصحة والتعليم والتراث وتعزيز مساحة الثقة بين المواطن والدولة كأساس للبناء والتطوير، حيث يعتبر أردوغان أن هذه الثقة كانت مفقودة طوال العقود الماضية لبعد النخبة الحاكمة عن الشعب، في حين يركز في برنامجه على الشباب ودورهم بالمجتمع واعداً بالارتقاء بهم. وأعطى أردوغان الذي يخوض أول انتخابات بالاقتراع المباشر من قبل الشعب مساحة واسعة ووعوداً كبيرة بتطوير الرفاه الاقتصادي، لافتاً إلى النجاحات التي حققتها حكومته في هذا الاطار طوال السنوات الماضية. ومنصب الرئاسة في تركيا منصب فخري في شكل اساسي، غير ان الدستور يجيز له رفض القوانين التي يصوت عليها البرلمان والدعوة الى انتخابات وطنية والدعوة لانعقاد مجالس وزارية. وقال اردوغان خلال حملته "ان منصب الرئيس ليس منصبا مصمما للراحة. الشعب يريد ان يرى رئيسا ينشط ويكد"، معربا بوضوح عن عزمه على الامساك بالصلاحيات التنفيذية. غير ان الرأي العام التركي يبدو معارضا بغالبيته لتعزيز اضافي لصلاحيات زعيم غير وجه مؤسسات البلد وسيطر على النظام القضائي ووسائل الاعلام، ليصبح بذلك السيد المطلق في تركيا. ولمنعه من ذلك اتحدت أحزاب المعارضة لتقديم مرشح واحد هو اكمل الدين احسان اوغلي (70 عاما) الامين العام السابق لمنظمة التعاون الاسلامي . كذلك عمد الأكراد الذين قد تكون اصواتهم حاسمة لاردوغان الذي يفاوض منذ سنتين للتوصل الى حل سياسي للنزاع مع هذه الاقلية، الى تقديم مرشح عنهم هو النائب صلاح الدين دمرتاش . ويشير آخر استطلاع للرأي نشرت نتائجه شركة كوندا الخاصة الى تصدر اردوغان نيات التصويت بنسبة 55 في المئة يليه احسان اوغلي (38 في المئة) ودمرتاش (7,5 في المئة). وتمكنت حكومة أردوغان خلال 12 عاما من وضع البلاد مجددا على سكة النمو الاقتصادي ورفعت معدل الدخل بثلاثة اضعاف ومكنت الطبقات الشعبية من الوصول الى نظام الرعاية الصحية واعادت تنظيم المواصلات وضبطت الجيش الذي كان فرض نفسه في شكل واسع في الحياة السياسية التركية. والقائد الواسع الشعبية الذي يحسن اثارة المشاعر الدينية لدى مواطنيه يواجه عداء كاملا من الاوساط العلمانية وانصار الحريات في بلد محاط بدول تشهد نزاعات ويقف عند ابواب الاتحاد الاوروبي.
وتعكس اللافتات الانتخابية المنتشرة في شوارع وميادين إسطنبول، حجم الحملات الدعائية للمرشحين الثلاثة للانتخابات الرئاسية التركية المقررة الأحد، كما تشير إلى حظوظ كل منهم التي تدل عليها استطلاعات الرأي. وتعج شوارع المدينة بلافتات من كل الأحجام لرئيس الحكومة رجب طيب أردوغان، المرشح الأوفر حظا للرئاسة، الذي رفض التعليق عن حجم حملته الدعائية أو مصدرها. وفي المركز الثاني من حيث عدد اللافتات، يأتي أكمل الدين إحسان أوغلو، المرشح الأقوى أمام أردوغان، فيما تظهر لافتات السياسي الكردي صلاح الدين دميرتاش على استحياء وفي مناطق متفرقة.