أفريقيا الوسطى من أكبر منتجي المعادن النفيسة في العالم : حيث يوجد بها كميات هائلة من الماس والذهب وغيرها من المعادن النفيسة ، أما في مجال التعدين والصناعة فقد بقي تطور الصناعة بطيئاً وتحتفظ فروع التعدين ثم التصنيع الجزئي لبعض الخامات بمركز الصدارة. وتعد جمهورية أفريقيا الوسطى من بين الدول التي تصدر خام الأورانيوم، إذ تقوم باستثماره شركات فرنسية من منطقة باكوما، ويوجد الألماس في القسم الغربي من البلاد ويبلغ إنتاجه نحو 500 ألف قيراط سنوياً. أما باطن الأرض فلم يدرس حتى اليوم الدراسة الكافية لكشف ما يحويه من ثروات دفينة متنوعة، ولاسيما في أطراف الهضبة القديمة المقطعة. كما أن معظم الأموال المستثمرة في مشروعات التعدين المهمة وفي بعض المشروعات الصناعية والزراعية هي أموال أجنبية. كذلك فإن الخبراء وكبار الموظفين في المؤسسات هم من الأجانب. لذلك فأرباح البلاد من استثمار الثروات ضئيلة، وريع مشروعات التصنيع ضعيف. ويبقى الأمر الملح في هذا المجال، إيجاد الأيدي العاملة الوطنية، ورؤوس الأموال المحلية أو النزيهة ليصبح استثمار الثروات المعدنية الثمينة دعامة للاقتصاد الوطني ولتزدهر الصناعة. الصراع الطائفي لا تُعرف الأسباب التي أدت إلى اندلاع الصراع العنيف في جمهورية أفريقيا الوسطى، فيما يلقي المسلمون والمسيحيون المتعايشون منذ فترات بعيدة باللائمة على بعضهم في مسؤولية بدء الصراع المسلح الذي أودى بحياة أكثر من ألف شخص، وتسبب بنزوح أكثر من مليون آخرين من مساكنهم. لكن الإطاحة بحكم الرئيس فرانسوا بوزيزيه في آذار من العام الماضي من قبل ميليشيا "سيليكا" المسلمة المدعومة من تشاد اعتبره المسيحيون على ما يبدو سيطرة على الحكم من قبل أقلية مسلمة في بلد أغلبيته من المسيحيين فهاج المسيحيون ضد السكان المسلمين دون أن يكون لهم يد في عملية الإطاحة بنظام الحكم التي تشير الدلائل إلى أنها دبرت وأديرت من خارج الحدود. والرئيس المخلوع" فرانسوا بوزيزي" هو الرئيس الرابع لجمهورية أفريقيا الوسطى وجاء إلى السلطة في آذار 2003 بعد أن قاد تمردا ضد الرئيس آنج فيليكس باتاسيه وفاز في 2005 بالانتخابات الرئاسية، بحصوله على أكبر عدد من الأصوات في الجولة الأولى مارس 2005. وكرد على قيام ميليشيا "سيليكا" المسلمة بالإطاحة بالرئيس، انخرط آلاف المسيحيين في تجمع أطلق عليه "آنتي- بالاكا" لمقاتلة مواطنيهم المسلمين. لكن القتال لم يقتصر على المسلحين بل امتد إلى المدنيين، ومن السياسة انطلقت الشرارة لتحمل لاحقا بعدا طائفيا استدعى تدخلا عسكريا فرنسيا بنحو 2000 مقاتل لم يتمكنوا من إيقاف دوامة العنف. إن عدد المسلمين الباقين في بانجي عاصمة جمهورية إفريقيا الوسطى بعد حملة عنف شنتها ميليشيات مسيحية انخفض إلى أقل من ألف شخص من بين أكثر من 100 ألف كانوا يعيشون هناك، وقالت في مؤتمر صحفي "التركيبة السكانية لجمهورية إفريقيا الوسطى تتغير.. من وضع كان فيه ما يتراوح بين 130 ألفا و145 ألف مسلم يعيشون في بانجي إلى وضع تقلص فيه العدد إلى نحو عشرة آلاف في ديسمبر". ونفذت ميليشيا أغلبها من المسيحيين تعرف باسم مناهضي بلاكا عمليات انتقامية وحشية ضد الأقلية المسلمة التي تتهمها بتأييد المتمردين. وفر عشرات ألوف المسلمين إلى البلدان المجاورة بينما لاذ آخرون بمخميات، وقال إدواردز "رغم أن العنف طال جميع الطوائف في جمهورية أفريقيا الوسطى إلا أن غالبية المحاصرين مسلمون مهددون من رجال ميليشيا مناهضي بلاكا"، وتواصلت الهجمات المتبادلة رغم نشر نحو 2000 جندي فرنسي و6000 جندي أفريقي من قوات حفظ السلام التابعة للاتحاد الإفريقي. إن البعد الديني قد يكون هاما ، لكنه ليس الأساس في الصراع، لا سيما وأن هذه الممارسات ليست ممنهجة ، كما أن السلطة الحاكمة لم تكن تدعمها ... فالبلاد حكمتها أنظمة مسيحية منذ الاستقلال عن فرنسا أوائل ستينات القرن الماضي ، ولم يحكمها أغلبية مسلمة الا منذ مارس الماضي .. ويلاحظ أن ممارسات هذه الأنظمة المتعاقبة تشير إلى أن الصراع كان سياسيا واقتصاديا بالأساس، حيث تمتلك البلاد موارد طبيعية هائلة، فهى تعد مركزا تجارياً عالميا للالماس، وتمثل صادرات الألماس نحو 60% من الدخل القومي لهذا البلد، وتحتل بهذه النسبة موقع الريادة إفريقيا في هذه التجارة"، . لذا فإن هذه الأنظمة المتعاقبة كانت حريصة على الوصول إلى السلطة والاحتفاظ بها من ناحية ، والحفاظ على مصالحها الاقتصادية عبر نهب موارد البلاد من خلال صفقات مع الشركات الأجنبية من ناحية ، ومع بعض رجال الأعمال من ناحية ثانية ..ففي عهد بوزيزي برزت طبقة جديدة من رجال الأعمال درج الناس على تسمية أصحابها ب"الألماسيين" أو "الأثرياء الجدد"، ، وحدث تزاوج بين رجال السلطة ورجال الأعمال. وكان الشعب هو الضحية . وقد مارست هذه الأنظمة المتعاقبة عمليات القمع ضد المسلمين والمسيحين على حد سواء .. بل ان البلاد شهدت خمسة انقلابات كان أبطالها شخصيات مسيحية باستثناء الانقلاب الأخير . ومما يدلل على أن الصراع سياسي واقتصادي -وليس ديني بالأساس . تختلف الأزمة فى أفريقيا الوسطى كثيرا عن الأزمة فى مالى، فهى لا ترتبط بالتطرف الدينى بقدر ارتباطها بالصراع على السلطة والموارد بين طائفتين رئيسيتين فى المجتمع، كما أن العملية العسكرية فى شمال مالى اعتمدت على الضربات الجوية فى نطاق جغرافى محدد لكن حالة الاقتتال الأهلى فى أفريقيا الوسطى تختلف فهى أقرب إلى نموذج حرب العصابات التى تضعف من قدرات الجيوش النظامية فى مواجهتها، لاسيّما عند الحديث عن معلومات غير مؤكدة عن انتشار كثيف للأسلحة النارية، هذا إلى جانب الشبكات الإجرامية التى نشطت فى ظل هذه الأجواء وهدفها السلب والنهب. كما أن تطورات الحوداث على النحو الجارى ينذر بدخول الجماعات الإرهابية على خط الصراع، خاصة فى ظل تخطى الصراع للعامل الإثنى والتركيز على التمييز بين الطائفتين الرئيسيتين فى أفريقيا الوسطى على أساس العامل الدينى، فجماعة جيش الرب للمقاومة (وهو جماعة متطرفة من المسيحيين) تنتشر فى أفريقيا الوسطى، وتزداد المخاوف فى ظل انتشار الجماعات المتطرفة المسلمة فى عدد من الدول المجاورة لأفريقيا الوسطى، والتى ترى أن التدخل الغربى فى أفريقيا جاء لمحاربة "الإسلام" والمسلمين. وتزداد الأمور صعوبة بعد قدرة القوات الإفريقية والفرنسية على التزام الحياد فى فصلها بين طرفى الصراع، فاندلعت مظاهرات فى العاصمة بانجى من مسيحيين اتهموا القوات التشادية بالتحيز للمسلمين وطالبوها بالرحيل بعد أن اشتبكت مع الميليشيات التابعة لهم، فى حين اتهم متظاهرون مسلمون القوات الفرنسية بدعم المسيحيين وخاصة بعد إعلان وزير الخارجية الفرنسى أن نزع سلاح ميليشيا المسلمين من جماعة "سيليكا" يأتى على قائمة أولويات مهمة القوات الفرنسية فى أفريقيا الوسطى، والخطورة فى أن هذا الوضع قد يفضى إلى احتمالات اللجوء إلى سيناريو تقسم أفريقيا الوسطى على "أساس دينى" بين المسلمين والمسيحيين. تبدو للثروات الطبيعية في تلك المنطقة، من مطامع التدخل الفرنسي بسبب وجود اليورانيوم والماس والذهب، وقد حرصت فرنسا على إعادة تواجدها العسكري في المنطقة، وعدم الاكتفاء بتقديم تدريبات أو دعم لوجيستي لجيوش الدول الحليفة في المنطقة، وهو ما ظهر بوضوح في خطاب وزير الدفاع الفرنسي، جان إيف لودريان، أثناء زيارته للعاصمة الأميركية واشنطن في شهر جانفي الماضي، حيث أعلن عن نشر 3000 جندي فرنسي، بصورة دائمة في الإقليم الأفريقي من خلال التمركز في 3 قواعد رئيسية، هي مالي والنيجر وتشاد. لم يكن التدخل الفرنسي في البداية بإيعاز من أحد غير رغبتها في عودة الهيمنة لكن بعد فشل رئيسة جمهورية إفريقيا الوسطى كاترين بانزا صامبا في وضع حدّ للفوضى في بلادها دعت فرنسا إلى عدم التخلي عنها معوّلة على دعم المجتمع الدولي وخصوصا فرنسا الحليف الرئيسي لبانجي. وأوضحت أن إسرائيل باتت تدرك وجوب عدم الاكتفاء بالإجراءات العسكرية ضد الجماعات الإسلامية في أفريقياً “بل يتوجب أن يترافق العمل العسكري والأمني بدعم اقتصادي لنظم الحكم التي تواجه هذه الجماعات، مشيرة إلى أنه في فبراير 2012 وقعت إسرائيل مع فرنسا على تفاهم للتعاون في مجال تطوير أفريقيا لتحقيق هذا الغرض وأكدت المحافل أن إسرائيل أجرت اتصالات دبلوماسية مع كل من روسيا والبرتغال في محاولة للاتفاق على بلورة سياسة لمواجهة الإسلاميين في أفريقيا. وأوضحت أن وضع أفريقيا على رأس أوليات إسرائيل يعني تخصيص موارد للجهات الأمنية والدبلوماسية لمعالجة التهديدات المنبعثة من هناك على المصالح الإسرائيلية. واعتبرت المحافل الإسرائيلية أن الحرب في مالي هي امتداد للثورة في ليبيا، مشيرة إلى أن الإسلاميين وأفرادا من قبائل الطوارق حصلوا على سلاح ليبي ضخم. وأوضحت أن أكثر ما يثير القلق في تل أبيب هو تعاظم التعاون بين الجماعات الإسلامية المسلحة في أرجاء القارة السوداء، مشيرة إلى أن بعض هذه الجماعات معنية بتدشين دولة إسلامية تطبق تعاليم الإسلام في قلب أفريقيا. وحذرت المحافل من أن إسرائيل تخشى أن يؤدي تعاظم قوة الجماعات الإسلامية داخل أفريقيا واتساع وتعميق التعاون بينها إلى المس بمصالح إسرائيلية ويهودية في أرجاء القارة. وأعربت عن خشيتها من انضمام الجماعات الإسلامية “المتشددة” في كل من سيناء وغزة لنظيراتها في أفريقيا. ونوهت المحافل إلى أنه على الرغم من الجهود التي تبذلها الاستخبارات الأمريكية للإحاطة بحجم وطابع الأنشطة التي تقوم بها الجماعات الإسلامية في أفريقيا، إلا أن إدارة أوباما لم تتبنَّ بعد سياسة واضحة تجاه الإسلاميين في أفريقيا.