من الأنشطة اللافتة لمساجد بروكسل فى شهر رمضان تنظيمها لموائد إفطار جماعية يومية، يستفيد من خدماتها آلاف المحتاجين من أبناء الأقلية المسلمة، خصوصا الطلبة والمقيمين بطريقة غير قانونية، فضلا عن بعض المشردين من غير المسلمين ، من بينهم عدد من البلجيكيين. أفادت رحماء بأن بلجيكا مملكة تقع في الشمال الغربي من أوروبا، مساحتها 30 كيلو متراً مربعاً، وعدد سكانها أكثر من عشرة ملايين نسمة، وعدد المسلمين يزيد عن 750 ألف مسلم، حسب تقديرات المشرفين على المركز الإسلامي والثقافي في بلجيكا. ومعظم مسلمي بلجيكا ينتمون للجاليات الوافدة من المملكة المغربية، وتركيا، وألبانيا بشكل رئيسي، إلى جانب مختلف الجنسيات الأخرى. ويعد المركز الإسلامي والثقافي في بلجيكا أحد أهم المراكز الإسلامية في غرب أوروبا على الإطلاق وأحد المنارات المتقدمة للدين الإسلامي في أوروبا. واعترفت الحكومة البلجيكية عام 1968م بالدين الإسلامي كدين رسمي في البلاد، مما يعد سابقة في تاريخ تعامل الحكومات والدول الأوروبية مع الحضور الإسلامي في أوروبا. كما صادقت بلجيكا عام 1975م على إدخال دروس التربية الإسلامية ضمن البرامج المدرسية لأبناء الجالية مما زاد من ثقل ومسؤوليات المركز الإسلامي والثقافي في بروكسل. ويوجد في بلجيكا زهاء ثلاثمائة مسجد موزعة في مختلف أنحاء البلاد. كما يشهد الدين الإسلامي إقبالا متصاعدا لاعتناقه والدخول فيه من قبل أبناء الشعب البلجيكي وقطاعات واسعة من الأوروبيين المقيمين في بلجيكا. التعليم الإسلامي أحرز التعليم الإسلامي في بلجيكا أسبقية واضحة على المستوى الأوروبي، إذ يجري تدريس الدين الإسلامي لكل المراحل في المدارس العامة منذ أكثر من ثلاثة عقود، وتُتاح للتلاميذ المسلمين فرصة تعلّم مبادئ دينهم لمدة ساعتين أسبوعياً، وبدورها تتولى الدولة دفع رواتب مدرسي الدين الإسلامي الذين يزيد عددهم عن سبعمائة معلّم ومعلمة. ويبلغ نصيب حصة الدين الإسلامي من إجمالي نفقات الدولة على التعليم الديني والأخلاقي 7 %، فيما تحوز الكنيسة الكاثوليكية على 70 % من هذه النفقات، وبينما تقتطع الحصة الدينية البروتستانتية في المدارس 4.5 % من النفقات، فإنّ 20 % منها بالمقابل مخصصة لحصة الأخلاق. وإلى جانب تعليم الدين الإسلامي لأبناء المسلمين في المدارس العامة البلجيكية؛ تتولى عدد من المدارس الخاصة الإسلامية والعربية توفير فرص التعليم لأبناء المسلمين ، وخاصة في المراحل المدرسية الأولى. ولا تقف تطلعات مسلمي بلجيكا عند حد التعليم الأساسي، إذ بادروا بمساعٍ عملية لتوفير فرص التعليم العالي الإسلامي، إذ افتُتحت عام 1997 في العاصمة بروكسل "الأكاديمية الأوروبية للثقافة والعلوم الإسلامية"، التي يلتحق بها قرابة مائتي طالب وطالبة ضمن برنامج يتوزع على 15 ساعة أسبوعياً. أجواء رمضان تعتبر أجواء شهر رمضان في العاصمة البلجيكية بروكسل، الأقرب إلى أجواء الشهر المبارك السائدة في مدن العالم العربي والإسلامي، وذلك مقارنة بأي عاصمة أوربية وغربية أخرى، توجد بها أقليات مسلمة. ولا يشعر زائر أحياء "مولنبييك" و"سكاربييك" و"أندرلخت" في بروكسل، خلال شهر رمضان الكريم بأنه في بلد أوربي يحتضن بعض المهاجرين المسلمين، كما هو الشأن في بلدان الهجرة الأوربية الأخرى، بل قد يعتقد خطأ بأنه في طنجة أو الدار البيضاء أو إستانبول، فغالبية المحلات التجارية تعود ملكيتها إلى مهاجرين مسلمين من أصل مغربي أو تركي، وقواعد النظام العام البلجيكي التي تلزم هذه المحلات بالفتح والإغلاق في مواعيد محددة لا تسري على التجار المسلمين في هذه الأحياء. ولا يعاني مسلمو بروكسل من ندرة السلع الاستهلاكية المخصصة لشهر رمضان، مثلما هو الحال في غالبية الدول الأوربية، حيث تتوفر أحياء الغالبية المسلمة على عدد كبير من أفران الخبز العربي ومحلات الحلويات المغربية والشرقية، خصوصاً الرمضانية منها ك"الزلابية" و"البقلاوة" و"القطايف" وغيرها، فضلا عن محلات المواد الغذائية التي تعرض سلعا مستوردة في معظمها من البلدان الأصلية، ومحلات بيع اللحم الحلال بأنواعه، وسلسلة من المقاهي والمطاعم التي تبقى مفتوحة إلى وقت متأخر من الليل. وتحتل مطاعم ومقاهي المسلمين وسط حي "ميدي" المعروف، لتفرض أجواء رمضان المميزة في السهر إلى وقت يقارب السحور، وتستقطب كثيرا من البلجيكيين غير المسلمين إلى احتساء "الشاي بالنعناع" وتدخين "النارجيلة" والتهام "المسمن" و"الحرشة" (أنواع من الخبز المغربي)، تماما كما المسلمون. تبادل الزيارات وكما يقبل كثير من الرجال من أبناء الأقلية المسلمة في بروكسل على المساجد والمقاهي، يقبل عدد من النساء المسلمات على تبادل الزيارات العائلية وإقامة أنشطة دينية وثقافية، عادة ما تقتصر على مجموعات صغيرة تقوم على رابطة الصداقة أو الجيرة، وترتبط غالبا بتلاوة القرآن الكريم والأدعية المأثورة، إلى جانب الاستماع إلى الدروس والمواعظ. مساجد عامرة ومن مميزات شهر رمضان الكريم في بروكسل ازدهار حياة المساجد وتزايد أنشطتها الدعوية والخيرية، وإقبال المصلين الكبير على أداء مناسكهم بشكل جماعي فيها؛ حيث تسجل أعداد المصلين خلال الصلوات الخمس وخصوصا الفجر والعشاء أعلى معدلاتها السنوية. ويحرص غالبية مسلمي بروكسل خلال أيام رمضان على أداء صلاة التراويح (القيام) جماعة؛ حيث تضيق المساجد والمصليات في غالب الأمر بالمصلين، ويتزاحم أبناء الأقلية المسلمة على احتلال الصفوف الأمامية رغبة في مزيد من الأجر والمغفرة. يذكر أن المساجد التي يديرها مهاجرون مسلمون من أصل مغربي في بروكسل تصلى فيها صلاة التراويح على جزئين؛ عشر ركعات بعد صلاة العشاء يُقرأ فيها حزب من القرآن، ومثلها قبل صلاة الفجر ويقرأ خلالها حزب أيضا. موائد الإفطار ومن الأنشطة اللافتة لمساجد بروكسل في شهر رمضان تنظيمها لموائد إفطار جماعية يومية، يستفيد من خدماتها آلاف المحتاجين من أبناء الأقلية المسلمة، خصوصا الطلبة والمقيمين بطريقة غير قانونية، فضلا عن بعض المشردين من غير المسلمين ، من بينهم عدد من البلجيكيين. ولئن كان إفطار الصائمين مجاناً أمراً عادياً في المساجد فقد لا يبدو كذلك إن كان من قبل أحد المطاعم الذي درج على إفطار ما يقرب من مائة وخمسين شخصاً كل يوم طوال رمضان من مسلمين وغير مسلمين يجتمعون قبل الإفطار حيث يضبط المطعم مؤشر المذياع على موجة إذاعة عربية محلية تبث أغاني رمضانية وأدعية مشهورة في العالم العربي إلى أن يحين موعد الأذان فينطلق ليقطع الحديث قليلاً على المجموعات التي جلست حول الموائد تتجاذب الحديث. وينفق صاحب المطعم الكبير على هذا الإفطار اليومي من جيبه ويقدم للناس وجبة من التمر واللبن الحليب وشوربة الحريرة وهي أشهر ما عند المغاربة في رمضان لدسامتها فهي تحتوي على اللحم والبصل والكرفس والشعرية والتوابل وتطهى على نار هادئة ويضاف إليها شيء من الطحين أيضاً لتصبح ذات قوام كما شرح لي الطباخ الذي يعدها كل يوم.