بقلم: خليل العناني من المقرر أن يعقد وزراء الخارجية العرب اجتماعاً يوم الأربعاء المقبل، وذلك لمناقشة التطورات التي وصلت إليها حالة الحوار الفلسطيني - الفلسطيني، خاصة بعدما تردد عن فشل حوار القاهرة ، وتأجيله بسبب رفض حركة حماس المشاركة فى أخر جولاته التي كان المقرر لها أوائل الشهر الحالي. الآن ثمة نفور عربي واضح من حركة حماس ، فالبعض يحملّها مسؤولية فشل "حوار القاهرة" ، والبعض الأخر يحملّها مسؤولية حصار قطاع غزة ، والجميع يراها الآن عقبة فى سبيل تحقيق المصالحة الوطنية الفلسطينية. بيد أن الجميع يتهرب من الإجابة على السؤال: ما هي نتائج عزل حماس عربياً؟ وابتداء فلا ينكر أحد مسؤولية حماس عما وصلت إليه القضية الفلسطينية حالياً، ولا يمكن إنكار مسؤوليتها عن تجويع وتعذيب الفلسطينيين بسبب تمترسها خلف مواقف إيديولوجية عقيمة، ورفضها مراراً العودة بالأوضاع إلى ما قبل الثالث عشر من يونيو 2007. بيد أن تجربة العام ونصف الماضي أثبتت أن عزل حماس ومحاصرتها لم تنه الأزمة القائمة، بل زادتها سوءاً وتدهوراً. كما أنها أثبتت أيضا أن حماس لا تبالي كثيراً بمعاناة الفلسطينيين، بل على العكس تقوم بتوظيف هذه المعاناة لكشف عورات الموقف العربي. وليس أدل على ذلك مما قاله أحد قياديي حماس رداً على عدم دعوتها للمشاركة فى اجتماعات وزراء الخارجية العرب، بأن حماس لن تلتفت إلى قرارات المجلس إذا لم يُسمح لها بالمشاركة، وهي إشارة صريحة على عدم جدوى خيار العزل الذي يلّوح به البعض ويدعو إليه بعض مثقفينا. عزل حماس هو تقوية غير مباشرة لمحور الممانعة، خاصة فى ظل الانتكاسات الأميركية المتكررة فى المنطقة، والتي يراها هذا المحور دليلاً على نجاحه فى الصمود، وهو أيضا تعميق لحال الانشطار التي أصابت الفلسطينيين، وهو لم يعد انشطاراً جغرافياً فحسب، وإنما امتد لعمق القضية ذاتها، بين خياري التفاوض والمواجهة العسكرية. كما أنه من غير المنطقي أن يتم تحميل مصر مسؤولية فشل حوار القاهرة، وأن يحملّها البعض مسؤولية بقاء الانقسام الفلسطيني على حاله. فبحسب رواية حماس التي تم تسريبها عبر بعض وسائل الإعلام خلال الأيام الماضية هي أن القاهرة رفضت بعد تقديمها مسودة الحوار إلى الفصائل إدخال أي تعديلات عليها، باعتبار أن ذلك قد يعيد الكرة إلى المربع الأول، وكان مبدأها هو أن تعديل الورقة ممنوع، فإما أن يتم القبول بها كما هي أو رفضها. وهو طبعاً ما لم يرق لحركة حماس التي رأت فى الورقة مجرد "فخ" للإيقاع بها من أجل تمديد ولاية الرئيس الفلسطيني محمود عباس وتفويضه للتفاوض مع إسرائيل. ومن يراجع الورقة المصرية التي تتكون من أربعة بنود واضحة هي: تشكيل حكومة مشتركة ذات مهام محددة، وإعادة بناء الأجهزة الأمنية، وإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية متزامنة، وتطوير منظمة التحرير الفلسطينية، سيجد أنها تقدم إطاراً عملياً للخروج من المأزق الفلسطيني الراهن. ولا أعرف لماذا ترى حماس أن الورقة محاولة للانقضاض عليها، وهي تتحكم بقطاع غزة وتسيطر عليه منذ أكثر من عام، كما أنها تمتلك من الإمكانات ما يدفع الأخرين بالتفكير كثيراً قبل الانقلاب عليها، وإعادتها إلى موقف المعارضة وليس الشريك فى الحكم. لا أعتقد أن اجتماع القاهرة سوف يخرج بجديد، ذلك أن ثمة خلافاً عربياً حول كيفية التعاطي مع حماس، وهو أمر بدا واضحاً خلال الأيام الماضية وسربته بعض وسائل الإعلام التي تحدثت عن وجود خلافات بين الرئيس الفلسطيني محمود عباس والسيد عمرو موسى الأمين العام لجامعة الدول العربية، بسبب غضب الأول من عدم إدانة الأخير لحركة حماس وتحميلها مسؤولية فشل حوار القاهرة. المطلوب عربيا إذاً، ليس عزل حماس أو معاقبتها على إفشال حوار القاهرة، فتلك مجرد تفاصيل مقارنة بالكارثة الأكبر وهي ضياع القضية الفلسطينية ذاتها، وانتهاء خيار الدولتين عملياً، وطرح البعض لخيار الدولة القومية الواحدة. وإنما أن يتعاطوا معها باعتبارها أمراً واقعاً يجب التعاطي معه بجدية. علي العرب أن يتعلموا مما حدث فى درس العراق، وأن يدركوا عزله والدفع به إلى أحضان القوى الإقليمية. ولا مجال هنا للحديث عن مناصرة طرف على آخر، فالقضية الفلسطينية، وعلى عكس مثيلاتها العربية، يجب أن تكون خارج المزايدات والحسابات القُطرية. حركة حماس لم تعد مجرد حركة مقاومة، وإنما باتت تمثل طرفاً أصيلاً فى أي تسوية سياسة قد تحدث مع الإسرائيليين، ومن الأجدى إعادة التعاطي معها باعتبارها كذلك. كاتب مصري [email protected]