بقلم: جهاد الخازن ثمة ألف خلاف وخلاف بين العرب والمسلمين تتجاوز ما يدبّر الأعداء لهم، وفي حين أن أخطرها الخلافات المذهبية، فإن بريد القراء الذي أتلقاه كل يوم، وأحتفظ به، يظهر انهم مختلفون على الكبير والصغير.
اذا كان لي أن أتخذ لبنان مثالاً، لأنه مرآة الأمة، فقد تلقيت رسائل تؤيِّد حزب الله والسيد حسن نصر الله، وأخرى معارضة الى درجة الهجوم عليّ أنا. واللبنانيون مختلفون على الحرب الأخيرة، كما اختلفوا على كل حرب قبلها، ومختلفون على السلام والمستقبل، وكل منهم رئيس جمهورية أو حكومة له رأيه ولا يأتيه الباطل من قدام أو وراء.
هذا الاختلاف يعني حتمية أن يتفق اللبنانيون على حد أدنى يعطي كل فريق بعض حقه، فلبنان لن يكون دولة دينية، وبالتأكيد لن يكون دولة دينية شيعية، ولن يكون دولة للمسيحيين، بل إن الدروز لن تكون لهم دولة في الشوف. لبنان الوحيد الممكن هو لبنان لكل أبنائه.
ووجدت أن ما يجمع القراء جميعاً، إن اجتمعوا، هو أن الواحد منهم يقدم قضيته على كل قضية أخرى، ويفكر من منظورها ويتحرك. واذا كان لي أن أستخدم مثالاً محايداً، فالقارئ سيامند إبراهيم، وهو صحافي كردي يعرف المنطقة العربية كلها ويبعث اليّ برسائل جيدة بين حين وآخر، ينطلق في تحليله من القضية الكردية وينتهي بها، وهو يقول في آخر رسائله إن الإرهاب قتل في الولاياتالمتحدة أقل من ثلاثة آلاف شخص، فقامت قيامة لم تقعد بعد، ولكن صدام حسين قتل بالغاز أكثر من ثلاثة آلاف كردي في حلبجة، ولم يحاسب في حينه.
ما أذكر عن حلبجة هو أن الولاياتالمتحدة، وكانت حليفة صدام حسين تلك الأيام، قالت إن ايران هي التي استعملت الغاز السام ضد الأكراد لتحمِّل صدام حسين المسؤولية.
ووجدت خلافاً بين العرب على نقطة لا يفترض أن تثير جدلاً عربياً، فقد اقترحت رداً على الترويج للإسلاموفاشزم، ان يستعمل المسلمون عبارة «صهيونيون نازيون»، أو صهيونازي، وتلقيت بريداً مؤيداً، ومع ذلك فالقارئ سالم فهم من الموضوع أنني عميل للحكومة السعودية، من دون أن يشرح العلاقة. غير أن القارئ محمد قال إنني قدمت أفضل تعريف ممكن، وأشكر طارق وهشام كثيراً على رأيهما مع رجائي ألا ينقلبا عليّ إذا قرآ ما لا يوافقان عليه.
وبريدي لا يخلو أسبوعاً بعد أسبوع من رسالة بالفرنسية، كانت هذه المرة من رشيد صباغ الذي قال إنني أعبّر عن رأيه ورأي ملايين العرب الآخرين (باستثناء سالم طبعاً اذا كان عربياً) وهو أضاف: «ان صهيونازي هي أفضل وصف لهؤلاء البرابرة الاستعماريين وأنا أطالب جميع الصحافيين العرب باستعمال صهيونازي بدل اسرائيلي».
أرجو من القراء جميعاً أن يحذروا النزول الى درك اللاسامية، وهم يهاجمون حكومة إسرائيل والنازيين فيها، فغالبية اليهود حول العالم وسطية تريد السلام، وبعض أفضل ما أقرأ دفاعاً عن الفلسطينيين والعرب يكتبه يهود معروفون.
الرئيس جورج بوش مثال آخر على ضرورة التزام حدود الأدب واللياقة والقانون، فأنا أعارض السياسة الخارجية الأميركية في الشرق الأوسط، وأنتقد بالتالي ادارة بوش وأركانها، وأستثني وزيرة الخارجية الدكتورة كوندوليزا رايس لأنها أفضل من الباقين بالمقارنة، وليس لأنها تحمل لواء أي قضية عربية.
وكنت قلت أخيراً إن الرئيس بوش لا يقرأ، وإنْ قرأ لا يفهم، في مقال تحدثت فيه عن خطف المحافظين الجدد المتطرفين، من أنصار إسرائيل، السياسة الخارجية الأميركية. وتلقيت فوراً رسائل كثيرة تزيد على ما كتبت، أو تقدم معلومات اضافية.
غير انه كانت هناك أيضاً رسائل امتلأت بشتائم وإهانات عنصرية وغيرها، ما يستحيل نشره، فمع كل الأسباب الأخرى من مهنية وأخلاقية، هناك محاسبة قانونية، فنحن في بريطانيا وهي دولة قانون، والمواطنون يتمتعون بحرية الصحافة، وحرية من الصحافة فلا يعتدي أحد على الآخر.
وأكمل برسالتين تستحقان التعليق.
القارئ عقيل يلاحظ أنني انتقد السياسة الأميركية وأعرّج أحياناً على رئيس الوزراء توني بلير لتبعيته لجورج بوش، الا انه يرى ان هذا غير مهم، أو غير مفيد، لأنني لا أصنع السياسة الغربية، والأفضل أن أتحدث عن الاضطهاد والظلم، والبؤس في البلدان العربية.
سأتجاوز كلاماً مسيئاً في الرسالة مع قدرتي على الرد عليه بأقسى منه، وأقول إنني لم أكتب يوماً عن الدول العربية الا وقلت إنها تفتقر الى الديموقراطية وحقوق الإنسان وحكم القانون والمحاسبة والمساءلة والشفافية وحقوق المرأة. وأكرر هذا الموقف اليوم.
أرجو من القارئ عقيل أن يوجه اتهاماته الى من يستحقها حتى لا يسمع ما لا يرضيه.
أما القارئة لينا الحاج فتسأل لماذا لا أكتب مقالاتي بالإنكليزية «ليقرأها الصحافيون الأجانب ومن يهمهم الأمر ليدركوا أن تحليلاتهم وذكاءهم الغبي لا يمر علينا»، ثم تأخذ علي أنني لا أؤيِّد سورية في شكل كاف.
أقول للأخت لينا إن قراء يقولون إنني أؤيِّد سورية في شكل زائد عن اللزوم، فهذه نقطة خلاف أخرى بين القراء.
المهم ان مقالي ومقالات الزملاء في «الحياة»، وكل الأخبار الخاصة في الجريدة تترجم الى الإنكليزية، وتمكن قراءتها على الانترنت http:/www.j-khazen.blogspot.com، والصحافيون الأجانب يقرأون ويحاسبون، وشخصياً أكتب أحياناً مقالي بالانكليزية وأترجمه الى العربية، وهناك مقالات كثيرة لي منشورة على «بلوغ» باسمي هو: htt://www.j.khazen.blogspot.com يمكن للراغب متابعته.
المشكلة ليس في توافر المادة بل في فهمها، وهذه مشكلة جورج بوش وبعض القراء.