انطلقت دعوة مصرية هي الأولى من نوعها من ساحل مصر الشمالي الغربي، ليس من المنتجعات الساحلية الفاخرة ولا من روادها الأثرياء، ولكن من سكان منطقة العلمين من ذوي الأطراف الاصطناعية والأعين المصابة. مجموعة السكان من الرجال والنساء يطالبون هذه الأيام بإلغاء كل مظاهر احتفالات «أعداء الأمس» و«أصدقاء اليوم» الذين يتوافدون على مصر في مثل هذا الوقت من كل عام. الدعوة التي أطلقتها المجموعة أثارت الكثير من علامات التعجب والاستفهام، لا سيما أن المنطقة التي يعيشون فيها منذ مولدهم دأبت على استقبال آلاف الزوار في أكتوبر من كل عام لتخليد ذكرى قتلاهم الذين سقطوا ودفنوا فيها. لكنهم يقيمون احتفالاتهم من دون أدنى ذكر أو إشارة إلى 23 مليون لغم (نحو خُمس ألغام العالم) زرعها آباؤهم وأجدادهم فيها قبل ما يزيد على ستة عقود، وتحديداً منذ بداية الحرب العالمية الثانية، هذه الألغام ما زالت تحصد أرواح السكان وتبتر أطرافهم وتذهب بعيونهم، وكان آخرهم المصري الذي قتل في انفجار احدها يوم 14 الجاري. فاطنة (40 عاماً) كانت أوفر حظاً، فهي لم تفقد سوى ساق واحدة قبل نحو 30 عاماً بينما كانت ترعى الغنم في الصحراء المتاخمة لبيت أسرتها. واليوم هي أرملة لزوج كان هو الآخر قبل وفاته ضحية للغم مماثل. كل ما يؤرقها حالياً مصير طفليها اللذين يصبحان عرضة للمأساة نفسها في كل مرة يفتحان باب البيت. مشاعر القلق ذاتها يعبّر عنها المراجع عبد القادر إبراهيم (50 عاماً) الذي بترت ساقه قبل 18 عاماً بينما كان يشعل ناراً للتدفئة أثناء رعي الغنم. إبراهيم أب لأربعة أبناء وست بنات، ويحلم باليوم الذي يتم فيه تطهير منطقة العلمين من الألغام التي جعلت العيش على أرضها مغامرة يومية محفوفة بالمخاطر. لكن أرض العلمين محفوفة كذلك ب4.5 بليون برميل نفط، و31.4 تريليون قدم غاز طبيعي، و650 مليون متر مربع من الخامات القابلة للتعدين، بالإضافة إلى ثلاثة بلايين فدان من الأرض، منها ما يصلح للزراعة ومنها ما يصلح للرعي. هذه الأرقام التي أفصح عنها رئيس الأمانة التنفيذية لإزالة الألغام وتنمية الساحل الشمالي الغربي في وزارة التعاون الدولي السفير فتحي الشاذلي ثروات معطلة رغم قدرتها - في حال استغلالها - على إحداث طفرة حقيقية في مسار التنمية المصرية، وإعادة توزيع خريطة تركز السكان والعمران في مصر. ورغم أن المساحة الملغومة 2480 مترا مربعا فقط، إلا أنها متناثرة على مساحة تقدر بنحو 22 في المئة من المساحة الكلية لمصر. من جهتها أعربت وزيرة التعاون الدولي فايزة أبو النجا عن «عميق تقديرها لقيام عدد من الدول بإحياء ذكرى ضحاياها في الحرب العالمية الثانية»، إلا أنها أعلنت رسمياً عن «عميق مواساتها وتضامنها مع أسر الضحايا المصريين الذين استشهدوا أو فقدوا أطرافهم بسبب الألغام». يشار إلى أن 43 مصرياً فقدوا حياتهم في انفجارات ألغام منذ العام 2000، بالإضافة إلى مئات المصابين. وشهد عام 2008 وحده سبعة انفجارات نتج عنها مقتل خمسة مواطنين وإصابة ثلاثة.