ن صورة الأب الروحي لحزب النور/ ياسر برهامي وهو يحتضن أحد ضباط الجيش أمام إحدى اللجان الانتخابية، تعبر بشدة عن تحولات هذه الجماعة المسماة بالدعوة السلفية عن منهجها السابق على الثورة، والذي بدأ التراجع عنه تدريجيًّا منذ تنحي الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك أما عن الشق الأول في الصورة - وهو احتضان الضابط لبرهامي في مشهد من الألفة والحب والود - ؛ فقد كان الرأي القديم لبرهامي وجماعته هو عدم موالاة الحكام الظالمين الذين يحكمون بالقوانين الوضعية ويجبرون الناس على التحاكم إليها، والذين يحكمون بالعلمانية والمدنية، وكان برهامي ينهى عن العمل لدى الجيش والشرطة والقضاء وما شابه ذلك من أجهزة الدولة العميقة، مستدلًّا بحديث للنبي صلى الله عليه وسلم يقول: " ليأتين عليكم أمراء، يقربون شرار الناس، ويؤخرون الصلاة عن مواقيتها؛ فمن أدرك ذلك منكم.. فلا يكونن عريفًا ولا شرطيًّا ولا جابيًا ولا خازنًا". فكان ينهى عن ذلك ويجيز فقط العمل في الوظائف التي لا يكون فيها عون على الظلم، وتكون مفيدة للمسلمين. وقد سأله أحد الشباب أمامي في مسجد الخلفاء الراشدين بمنطقة أبي سليمان بالإسكندرية: هل يدخل الجيش أم لا؟ فذكر له برهامي هذا الحديث. أما عن الشق الثاني من الصورة وهو أنها أمام إحدى اللجان الانتخابية التي سيدلي فيها برهامي بصوته منتخبًا قائد الانقلاب العسكري عبدالفتاح السيسي؛ فإن هذا يعارض رأي جماعة الدعوة السلفية - وبرهامي في القلب منها - الذي اعتنقوه قرابة الأربعين عامًا وظلوا ينكرون على الإخوان المسلمين بسبب أنهم يفعلونه، وهو أن الديمقراطية كُفر، وأن الانتخابات البرلمانية حرام، وأن تكوين الأحزاب يفرق المسلمين، وأن التعددية السياسية لا تصح شرعًا لأنها تسمح بوجود أحزاب علمانية وشيوعية وليبرالية "كافرة"، والواجب على المسلم أن يهاجم هذه الأحزاب ويحذر منها. وقد دلسوا على أتباعهم لتبرير هذا التغير الفج، فكان البدء بحملة واسعة في طول مصر وعرضها أن العلمانيين سيحذفون المادة الثانية من الدستور، ولابد من عمل حملة توقيع للحيلولة دون ذلك، ثم إن الدستور سيُكتب ولا يجوز أن نترك العلمانيين والإسلاميين "المميعين" يكتبونه ولابد أن نشارك، ولكي نفعل ذلك لابد من تأسيس حزب ليدخل مجلس الشعب والشورى اللذين ستتكون منهما جمعية كتابة الدستور. فكان الدستور هو الورقة التي ضحكوا بها على الأتباع مستغلين عاطفتهم الدينية. وكلنا رأينا أن المادة الثانية كانت تحظى بقبول لدى غالب العلمانيين؛ باستثناء بعض الأصوات الشاذة غير المؤثرة، والتي استدل بها النوريون على أفعالهم. ولماذا يعارضها العلمانيون وهي لا تسمن ولا تغني من جوع؟ فهي لا تكفل أسلمة القوانين الوضعية السابقة على وجود المادة، وفي نفس الوقت إذا تم عمل مشروع قانون إسلامي جديد (وهذا إن يحدث، ولن يحدث إلا إذا كانت الدولة تريد استغلاله لمصلحتها) ستقوم المحكمة الدستورية بكل سهولة برفضه، فهي حامية العلمانية في مصر. والعجيب أن حزب النور بعد معارك وهمية كثيرة وافق في دستور العسكر (دستور 2013) على حذف المادة 219، التي كان يتباهى بإدخالها في دستور 2012م، والخاصة بتفسير الشريعة، ثم قال إن المادة الثانية تكفي! خاصة مع وجود تفسيرات للمحكمة الدستورية عام 1985 وعام 1996 تقضي بعدم مخالفة مجلس الشعب للشريعة!! فلماذا إذن الضجة من أول الأمر إن كانت هذه التفسيرات موجودة؟!! الجواب: السبب هو ما قلناه من أن هذه كانت الورقة التي استخدمها حزب النور والدعوة السلفية لتبرير مواقفهم الجديدة. إنها صورة معبرة حقًّا !