مفارقة السيركين اللذين حدث الاول قبل ايام والثاني يحدث الآن، ان اميركا تتجدد مفاهيمها لكنها تفقد نخبتها رويدا لتتمثل في لحظة فارقة من عمرها بضدين لم يحصلا في تاريخها الانتخابي: أسود شاب يميل إلى الكلام المعسول ويتقن فن الخطابة ويتعاطى المسؤولية قبل ان يتسلمها كي يقنع الناخب بأهمية ممارسته لها ساعة تأتي اليه، وبأبيض تجاوز السبعين من العمر حتى ملته السنين لكنه عكس اوباما لا يحب الكلام الكثير ولا يتقنه بل لديه خوف دائم من ان يخطئ اثناءه . اما المفارقة فإن اوباما اختار نائبا له شخصية حاولت الترشح طويلا فلم تفلح وتمتاز بقدرتها على الغش لكن اللافت فيها ان اسرائيل تكرهها نتيجة الموقف من ايران حيث يطالب جون بايدن بإقامة علاقات مع طهران رغم مشروعها النووي. في المقابل اختار ماكين نائبته سارة بالين التي لم يعرف ان لها صولة وجولة في الحياة السياسية الاميركية، كل ما فعله المرشح الجمهوري هو ردة فعل من اجل الحصول على الاصوات النسائية التي تساقطت بعد رسوب هيلاري كلينتون في الامتحان اللاحق بأوباما. لاشك ان العالم العارف والمتابع للشأن الانتخابي الاميركي يرى في السيرك الجاري في الولاياتالمتحدة بأنه احتضار لمفهوم النخبة الذي اعتاد عليه الناخبون، وان المرحلة المقبلة من تاريخ الولاياتالمتحدة سوف تكون امام منعطفات جديدة ليس لها مفهوم حتى الآن.. وهل بإمكان مؤسسة الرئاسة الاميركية على الخروج من ورطة الخيارات للمرشحين أملا في اعادة تركيب الاصح في الادارات الاخرى كي لا تقع الواقعة ونصبح امام ادارة مليئة بالرجال لكنها ناقصة الخبرة والمسؤولية، وبالتالي على العالم ان يحصد النتائج، خصوصا امام التحولات التي تعصف به والتي تزيد ولن تنقص. صورة السيركين الاميركيين تشتد رغم العواصف الطبيعية التي اهتز لها سيرك ماكين حين اجتاح جوستاف الولايات الجنوبية في وقت كانت فيه الهيصات والصيحات يتردد صداها في اكثر من ولاية اخرى ترحيبا بماكين وبجمهوره . ومع اشتداد المنافسة التي كلما وصلت إلى نقطة الحسم سوف يكون لها وقع خاص، فإن العالم الذي يرفع يديه للسماء للدعاء من اجل اميركا واعية ومختلفة، ما زال ممسك الاعصاب لكنه متأثر بما يجري وخائف من ابعاده، ويحسب لذلك الف حساب وحساب . صورة السيركين تقرر ان اميركا ليست بخير، لكن خياراتها ستظل افضل من الادارة الحالية التي تحاملت على الكرة الارضية برمتها ورمت في بعضها الشوك والعذاب واذاقت كثيرين اهوال رؤيتها وخصوصا الرئيس جورج بوش الذي ما زال حتى الآن مقتنعا بأن السماء تندهه وهي التي تدفعه إلى خياراته.