رغم أن حمدين صباحى كان أحد أبرز الوجوه الثورية المناضلة سابقاً قبل مشاركته بالقول والفعل والتحريض على انقلاب 3 يوليو فيما عرف بثورة 30 يونيو المجيدة !، إلا أنه لم ينجو من هجوم مدفعية إعلام العسكر حيث لا صوت يعلو فوق صوت معركة ” مرشح الضرورة ” ، حتى رفقاء الدرب من أبناء التيار الناصرى أصحاب الفكر الواحد وخلفاء صنمهم الأكبر” جمال عبد الناصر” – تناسوا تحت تأثير قوة الدبابة وجبروتها قصائد الشعر والغزل فى حمدين الذى كان يمثل يوماً ما خليفة جمال عبد الناصر حيث انحيازه للفقراء وإحياءً لفكرة القومية العربية – ذلك لأن المنافس له الجنرال المرشح للرئاسة (مرشح الضرورة بحسب تعبير كاهن الناصرية الأكبر)هو الرهان الفائز ليس لجدارته ولكن لقوة وصلابة ظهيره العسكرى ، ودعك من التاريخ السياسى والنضال الوطنى لحمدين ، فكلها أكلاشيهات مكتبية محفوظة ومصطلحات بالية مستهلكة لزوم الوجاهة الإعلامية والاستهلاك المحلى لا غير لتخدير البسطاء والمغفلين. كان حمدين صباحى قبل وأثناء تولى محمد مرسى رئاسة البلاد فتى الثورة المدلل والمنقذ الأوحد والمعبر الأبرز عن هموم الشباب والفقراء ، ولكن بعد أن اكتملت الصورة وانتهت المهمة (المتفق عليها) وتحقق المراد من رب العباد انفض كهنة المعبد من حول حمدين والمثير هنا أن يكون من أبرز المنفضين هم الناصريون الذين يمثلون ذات أفكار وأيديولوجيا حمدين السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، فنجد أسرة الزعيم جمال عبد الناصر قد انقلبت عليه فى أول اختبار فلم يعد حمدين مرشح الشعب والثورة ولم يعد ظلاً لخالد الذكر عبد الناصر كما كان ، إذ صار الجنرال العسكرى بعد انقلاب 3 يوليو هو أمل الأمة وملاذها الأخير وبطلها الأوحد وبات الشعر يُقرض غزلاً ومدحاً فى سيادته التى عقمت النساء أن يلدن مثله!! ، وصار يمتلك كل الخبرات السياسية والعقلية الخارقة بين ليلةٍ وضحاها لأنه أنقذ مصر الكنانة والأمة العربية والإسلامية كلها من خطر “الإخوان المسلمين الإرهابيين” – صارت نساء مصر حبلى بنجم الجنرال!! ، وصار الشعب يذوب عشقاً فيه!! ، وإذا لم يترشح للرئاسة مفيش انتخابات ومفيش مصر كمان!! حسبما قالت نصاً كاتبة بلغت من العمر أرذله. أما الحزب الناصرى حليف الأمس والمفترض أنه الداعم الأول أيديولوجياً ومعنوياً لحمدين بحكم الصلات الفكرية والخلفية الناصرية القومية الواحدة فلم يكن متحمساً لترشح حمدين وانضم مبكراً للفريق الداعم والمنادى بترشح الجنرال! ، بل وصل الحد إلى الهجوم والتلاسن من قبل الحزب بحق حمدين لأنه تجرأ وهاجم دولة العسكر وممارساتها القمعية حينما قال نصاً ” أنه يشارك الشباب مخاوفهم فى عودة نظام مبارك وأن السيسى لم يبدد هذه المخاوف وأن الشباب لديه إحساس بأن ثورته تسرق ، خصوصاً أن زملاءهم يُحبسون وبعضهم يُقتلون – فما كان من توحيد البنهاوى أحد قيادات الحزب الناصرى أن انتقد تصريحات الرجل بسخرية لا تخلو من البراءة واصفاً تصريحاته بأنها محاولة لاكتساب شعبية جديدة وكسب أصوات الشباب إليه فى انتخابات الرئاسة ، مشيراً( فى مزايدةٍ رخيصة ونفاق ممجوج للحاكم العسكرى) إلى أن حديثه عن القبض على الشباب هو تدخل فى الشأن القضائى لا يجوز له ( اليوم السابع 24 فبراير الماضى) . حمدين لا يبدو أنه استفاق من سكرة الانقلاب الذى شارك فيه بالقول والفعل ، بانتقاده ممارسات النظام العسكرى القمعى الحاكم الآن فى مجال الحقوق والحريات ومدنية الدولة وضرورة أن ينأى الجيش بنفسه عن معترك السياسة ويبقى حارساً للحدود كما يطنطن الآن على هذه النغمة (لزوم الانتخابات ) استخفافاً بالعقول وهو من استدعاه بنفسه ليخلص البلاد من نظام الإخوان فى براجماتية سياسية مقززة لكسب تعاطف أكبر كتلة ثورية ممكنة عبر دغدغة مشاعرهم بذات المصطلحات النظرية التقليدية ليس لشىءٍ سوى المصلحة الشخصية فى الوثوب على كرسى السلطة بأى وسيلةٍ كانت والمصلحة وحدها هى التى تحدد وتحكم تحركات الرجل مثلما فعل معه رفقاء الدرب تماماً من التيار الناصرى فانقلبوا عليه وتخلوا عن مشروع عبد الناصر الذى كانوا حتى وقتٍ قريب وقبل 30 يونيو يرونه فى شخص حمدين – لكن عندما تتعارض المصالح مع المبادىء فلتذهب المبادىء إلى الجحيم ، فالمصلحة هى من حوّلت بوصلة شخصيات ناصرية حتى النخاع أمثال ( الكاتب الصحفى العجوز محمد حسنين هيكل – عبد الحكيم عبد الناصر ود. هدى عبد الناصر- الكاتب الصحفى إبراهيم عيسى – المخرج خالد يوسف – الكاتب الصحفى مصطفى بكرى – الكاتبة السبعينية فريدة الشوباشى – الكاتب الصحفى عبد الله السنّاوى – والكاتب الصحفى جمال فهمى .. وغيرهم كُثُر) كانوا من أشد الداعمين لحمدين قبل 30 يونيو فكرياً ورئاسياً فأشاحوا بوجوههم عنه على اعتبار أنه (أى حمدين) الآن لا يمثل الثورة وربما أحد أذرع الإخوان وخلاياها النائمة كما ذهب بعض المهووسين خوفاً ورهباً وطمعاً فى رضا الجنرال ، والعجيب أن المعارضين لحمدين والمؤيدين للجنرال ينظرون إليهما على أنهما خليفة لجمال عبد الناصر وكأننا أمام مرشحين لنفس الشخص حيث عبد الناصر ينافس عبد الناصر وكلٌ حسب نواياه ذلك أن عبد الناصر العسكرى هو الأوفر حظاً من الآخر المتمسح فى رداء المدنية لكن القاسم المشترك بين الرجلين هو الكره والكيد للإخوان المسلمين !. هذا بينما يرى البعض أن ما يحدث الآن ما هو إلا مسرحية هزلية متفق عليها ومعدّة سلفاً يلعب فيها حمدين صباحى دور المجمّل والمحلّل للعملية بل والكومبارس ليتم إخراجها بالشكل والمستوى المطلوب تصديره للعالم وإثباته لزوم النزاهة والشفافية ، وإصباغ نوعاً من الشرعية المطعون فيها بالأساس ، وبذلك يصبح حمدين مرشح ضرورة آخر بالنسبة للجنرال لخدمة الحبكة الدرامية أو كما يقولون (المخرج عايز كده ).