خلال لقائه بعدد من نواب حزب العدالة والتنمية وبعد مناقشة الاختيارات المطروحة أمام الحزب في الانتخابات الرئاسية التي ستقام جولتها الأولى يوم 10 أغسطس القادم، قال رئيس الوزراء التركي “رجب طيب أردوغان” إن كل الاحتمالات مطروحة للنقاش وأن الوقت لم يحن بعد للإفصاح عن اسم مرشح الحزب في هذه الانتخابات، مضيفًا: “بي أو بدوني لن يكون الطوفان”. وعلى حزب العدالة والتنمية أن يختار خلال الأيام أو الأسابيع القادمة بين إحدى هذه الخيارات، إما ترشيح الرئيس الحالي “عبد الله غول” لولاية جديدة، أو دفع الرجل الطويل (لقب أُطلق على أردوغان من قبل أنصاره مؤخرًا) للتخلي عن منصبه والمنافسة على كرسي الرئاسة، أو تصعيد اسم جديد من قيادات الحزب للمنافسة في أول انتخابات شعبية لرئيس الجمهورية في تاريخ تركيا (في السابق يختار الرئيس من قبل البرلمان). ترشح “أردوغان”: “يوسف كابلان” الكاتب في صحيفة ييني شفق التركية، كتب تحليلاً عن الاحتمالات المطروحة حول مرشح حزب العدالة والتنمية لانتخابات الرئاسة قال فيه: “الذين يدعون لترشح أردوغان للرئاسة، هم الذين يريدون وقف ازدهار تركيا، هم الذين يريدون اليوم التخلص من أردوغان، هم الذين يريدون تركيا بدون أردوغان”. ويشترك كابلان في هذا الرأي مع عدد من أصحاب الرأي في تركيا، الذين يرون أن تواجد أردوغان في رئاسة الوزراء أهم من تواجده في رئاسة الجمهورية، على الأقل في ظل الدستور الحالي الذي يعطي معظم الصلاحيات التنفيذية لرئيس الوزراء ويجعل من منصب رئيس الجمهورية منصبًا شبه فخري. كما يرى هؤلاء أن الحزب سيحتاج أردوغان في الانتخابات التشريعية التي ستقام بعد أشهر من انتخابات الرئاسة، ولكنه لن يجده لأن الوصول لقصر الرئاسة يعني الاستقالة من الحزب والتزام الحياد خلال الانتخابات التشريعية، وهو ما سيؤدي – حسب أصحاب هذا الرأي – إلى تدني حظوظ العدالة والتنمية في الانتخابات التشريعية. وفي حال تحييد أردوغان وتقييده بأعراف الرئاسة، فإن تساؤلات كثيرة تطرح حول شخصية خليفته في رئاسة الوزراء، وحول وجود شخصية أخرى قادرة على مواصلة نهج وسياسة أردوغان داخليًا وخارجيًا. وهنا يطرح أنصار العدالة والتنمية أسئلة كثيرة حول مدى قدرة خليفة أردوغان في رئاسة الوزراء على تبني مواقف شبيهة بتلك التي اتخاذها “الرجل الطويل” من شمعون بيريز في دافوس أو من انقلاب مصر أو من حصار غزة، بالإضافة إلى مواقفه خلال الأزمات التي مرت بها تركيا خلال الفترة الماضية. وإذ أنه من المفترض أن حزب العدالة والتنمية قام خلال الفترة الماضية ويقوم الآن بمطابقة هذه المعايير وغيرها على أسماء المرشحين لرئاسة الوزراء في حال ترشح أردوغان للرئاسة، فإن الثابت هو أن “عبد الغول” وعلى عكس ما روج له دوليًا – وخاصةً عربيًا – بعيد كل البعد عن رئاسة وزراء تركيا بسبب مواقفه من جماعة فتح الله كولن التي يضم مجلس مستشاريه 5 من أعضائها، ومواقفه الهادئة والمهادنة للمعارضة على عكس ما نهجه أردوغان والحزب طيلة الفترة الماضية. ويميل محللون أتراك من بينهم يوسف كابلان، إلى أن “المكان الطبيعي لأردوغان هو رئاسة الوزراء” وأن لا حاجة للحزب للمغامرة بتغييره الآن، وإلى أن تغيير القانون الداخلي للحزب وتمكين أردوغان من الترشح لولاية ثالثة أضمن وأكثر سلاسة من المغامرة بمنصب رئاسة الوزراء الذي يعتبر أكثر المناصب تأثيرًا في المشهد السياسي التركي. بقاء “عبد الله غول”: في نفس الوقت الذي يُستبعَد فيه ترشيح أردوغان لرئاسة الجمهورية إلا في ظروف خاصة يُنقح فيها الدستور وتُنقل فيها صلاحيات رئيس الوزراء إلى منصب رئيس الجمهورية، فإنه من المستبعد أيضًا الإبقاء على “عبد الله غول” في منصبه كرئيس للجمهورية، وذلك بسبب أدائه في الفترة الماضية وبسبب حاجة الحزب والحكومة إلى رئيس أكثر فاعلية من عبد الله غول. فبينما كان أردوغان يتعامل مع مسألة الصراع مع جماعة فتح الله كولن على أنها مسألة “بقاء الدولة أو انهيارها” وعلى أنها “حرب استقلال”، حافظ عبد الله غول على علاقاته مع الجماعة ورفض الانحياز إلى خيار التصادم معها، وكذلك رفض تبني موقف حكومة أردوغان من أحداث GEZI في ميدان تقسيم الصيف الماضي. وفي حال تخلى أردوغان عن طموح شخصي منطقي في أن يكون أول رئيس تركي منتخب من قبل الشعب – وهو تشريف لم يحصل عليه أحد من قبل بما في ذلك مؤسس الجمهورية مصطفى كمال أتاتورك – لأجل القيام بدوره كرئيس للوزراء، فإنه من المنطقي جدًا أن يفكر في هذا الاتجاه: - أنا خضت المواجهة مع المعارضة والجماعة - عبد الله غول لم يدعمني في هذه المواجهة - رغم معارضة غول لي تمكنت من الفوز بالانتخابات بنسبة غير مسبوقة - أنا لن أترشح للرئاسة حتى أتمكن من مواصلة هذه التجربة - عبد الله غول لن يتمكن من الفوز بالرئاسة إذا لم أدعمه - لماذا أدعم شخصًا لم يدعمني في الماضي ولن يدعمني في المستقبل؟ مرشح آخر: ولأن أردوغان هو الرجل الأقوى داخل منظومة الحزب والأكثر شعبية في تركيا، وفي حال عزمه عدم الترشح لانتخابات الرئاسة، فإنه قد يكون من المنطقي جدًا أن يدعم أردوغان ومعه الحزب شخصية سياسية أخرى من داخل حزب العدالة والتنمية تكون أكثر انسجامًا مع سياسات حكومة رجب طيب أردوغان على عكس عبد الله غول. ورغم التقليل من إمكانية ترشح أردوغان أو ترشيح عبد الله غول فإنها تبقى واردة ومرتبطة بصفة مباشرة بقرار أردوغان، وعدم حدوثها مرتبط بقرار من أردوغان بالبقاء في رئاسة الوزراء، وفي هذه الحالة ستكون الكلمة النهائية في اختيار مرشح الرئاسة لأردوغان أيضًا، إذ أنه الرجل الأقوى داخل الحزب والأقرب إلى باقي قياداته. المصدر:نون بوست