قال الله تعالى في محكم تنزيله: "وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعا بصيرا"[ النساء:58]، وقال سبحانه: { وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ * أَلاَّ تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ * وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ} [الرحمن: 7 - 9] فميزان الحق وضعه الله تعالى في شرعه ومنهجه الإلهي منهجاً ثابتاً راسخاً مستقراً، وضعه لتقدير القيم، قيم الأشخاص والأحداث والأشياء؛ كي لا يختل تقويمها، ولا يتبع الناس الجهل والهوى والجور والطغيان، و الحديث الشريف يقول:" إن الله مع الحاكم ما لم يجر فإذا جار وكله إلى نفسه ".. ** وقد هالني بل صدمني، و زلزل الصحف العالمية، ومواقع التواصل الاجتماعي: كم الجور في الحكم القضائي العشوائي بالإعدام الجماعي الذي أصدره قاضي محكمة المنيا الأسبوع الماضي!! هذا الحكم المهزلة جعل اسم مصر على كل لسان في عواصم العالم، و دخل اسم هذا القاضي التاريخ من باب التندر والسخرية؛ فهو صاحب القرار المهزلة بإعدام 529 شخص؛ لقتلهم ضابط شرطة والشروع في قتل مجند شرطة.. والأعجب أن زوجة الضابط أكدت أن القاتل الحقيقي لا يزال مطلق السراح...! أما العسكري فأظن أنه ذهب في أجازة يتسلّى بمشاهدة التلفاز .. والجدير بالذكر أن نفس القاضي المهرج قد حكم من قبل في 15 يناير 2013 علي مدير أمن بني سويف وضباط الشرطة المتهمين بقتل ثوار 25 يناير بالبراءة ...!! فهو هو نفس القاضي الذي سمح له ضميره بإحالة أوراق 529 مصري للمفتي! مع العلم أن هذه القضية لم يتم فيها أية مرافعات أصلاً .. و مُنع دخول المحامين، ولم يتم فض الأحراز، والشاهد الوحيد الذي استمع له القاضي هو ضابط شرطة، وهذا الضابط لم يكن موجودًا يوم الحادث أصلاً لأنه كان مسافرا ...!! ** إنها كارثة وفضيحة تاريخية لقضاء مصر الشامخ ! ولا شك أن هذا الحكم العشوائي !! هو حكم تاريخي سوف يدرسه طلبة القانون في جميع أنحاء العالم كمثال للحكم القضائي السياسي. و يردد البعض: ( بأنه مجرد حكم ابتدائي، وسيأتي الاستئناف لتصحيح الحكم في مراحل تالية.. وقد تكون البراءة هي الحكم النهائي ..) بالطبع هذا نوع من التفاؤل الذي لا يبرره شيء من الواقع.. ولا من التاريخ الأخير للقضاء المصري الشامخ .. فالبراءة في أحكام هذا القضاء المُسيّس مقصورة على جرائم القتل التي ارتكبها النظام السابق ورجاله قبل ثورة25 يناير، فيما عدا هذا فليس للشعب نصيب من البراءات.. وإنما تحت ظروف ضغط معينة وخشية الفضيحة أمام العالم: قد يصدر عفوًا كما حدث بشأن بعض الطالبات المتظاهرات.. وبالطبع العفو السلطويّ في القانون غير البراءة..! وقد يكون هذا الحكم العشوائي بالإعدام على هذا العدد الكبير عملية تمويه مقصودة .. ** المهم والمخزي حقاً: هذا التلاعب بأرواح البشر، والانتهاكات غير المسبوقة للقانون ولحقوق الإنسان التي كرمنا بها الشرع وأحقها لنا القانون .. فهذا الحكم العشوائي يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن مصر ليس بها قضاء، و ميزان العدل يكيل بعشرة مكايل!! فهذا القضاء أصبح فاقدا لبوصلة العدالة، ولا توجد به معايير واضحة لتحقيق العدل .. للأسف قد باع هؤلاء القضاة أنفسهم للشيطان ولقوى خارجية مسيطرة، و المثير للسخرية في هذه المحاكم أن الحكم لم يعد بعد المداولة، بل أصبح الحكم بعد المكالمة!!... المكالمة الهاتفية التي تذكر القاضي بالحكم المتّفق عليه مسبَّقًا.. حتى لا ينسى ولا يخطئ..!! ولا عزاء للقانون؛ فالقانون في مصر قد لفظ أنفاسه الأخيرة وهو يتعاطى جرعه هائلة من الجرائم القانونية والإنسانية غير المسبوقة.