(1) عندما تم أمس الأول تبادل الأسرى غير المتكافئ بين حزب الله وإسرائيل وهي راغمة ذليلة، نبه كثيرمن المعلقين إلى أن الستار قد أسدل أخيراً على الحرب التي شنتها إسرائيل على لبنان في صيف عام 2006. ولكن الأدق أن يقال ان الحرب التي انتهت هي تلك التي بدأت في صيف عام 1978، حين شنت إسرائيل عدوانها الأول على لبنان بذريعة واهية، هي محاولة اغتيال سفيرها في لندن. (2) تلك الحرب كان يجدر أن تسمى حرب 'كامب دايفيد'، لأنها شنت والحبر لم يجف على تلك الاتفاقية بعد، وما كان يمكن أن تشن لولا أن إسرائيل أمنت ظهرها بها. وقد صرح رئيس الوزراء الأسبق مناحيم بيغن في وقت لاحق بأن شن تلك الحرب قصد منه اختبار وفاء مصر بتعهداتها تحت الاتفاقية. ولم يخيب النظام المصري أمل بيغن، حيث لم يحرك ساكناً لصد العدوان، بل سبقه وتبعه بعدوان من جانبه بحملة شرسة على منظمة التحرير وكل العرب المعارضين لكامب دايفيد. (3) هذه كانت آفة 'سلام الشجعان'، وهي أنه سلام-حرب، أي أنه بمعنى آخر تواطؤ مع العدو في حربه ضد بقية الأطراف العربية. فمسالمة من يقمع الفلسطينيين ويحتل أراضي الغير ويضمر العدوان على جيرانه لا يمكن إلا أن تكون مشاركة له في عدوانه مع سبق الإصرار. (4) هذه أيضاً آفة 'سلام الشجعان' الآخر، أي اتفاقية أوسلو التي جمعت إلى آفة كامب دايفيد أنها لم تحسم حتى مواضيع الخلاف الإسرائيلية-الفلسطينية. كامب دايفيد فتحت الباب للتواطؤ في كل عدوان محتمل مقابل إعادة سيناء (حتى وإن كانت منقوصة السيادة)، أما أوسلو فقد شرطت التواطؤ في كل عدوان مقابل دفع مؤجل، ووعود سراب بمكافأة لاحقة على 'حسن السير والسلوك'. (5) في ايار (مايو) الماضي، أوردت الأنباء أن إسرائيل سمحت بنشر 600 شرطي في محافظة جنين. وقد مولت الولاياتالمتحدة تدريب هذه المجموعة في الأردن بأموال طائلة، في وقت لا يجد فيه غالب الفلسطينيين قوت يومهم. وتشير هذه العملية إلى الأولويات المقلوبة لسلام الشجعان، حيث أن المطلوب الإنفاق على أجهزة القمع لأن إخضاع الفلسطينيين لنير الاحتلال كشرط مسبق للنظر في منحهم حريتهم. وهذه هي المهمة التي نذر توني بلير، ممثل الرباعية نفسه لها. (6) السيد حسن نصرالله، زعيم حزب الله، دعا في لفتة قد تعكس أن حزب الله يريد أن ينتقل إلى ركب أهل الدبلوماسية، دعا العرب إلى استخدام نفوذهم من أجل فك وثاق أسرى فلسطين. ولكن الإشكال هو أن العلاقة لا تسمح بوجود نفوذ من أي نوع. وكفى أن ننظر إلى الوضع في الضفة الغربية التي يسيطر عليها المسالمون، وغزة التي يسيطر عليها 'المارقون'. ففي غزة نجحت حماس في فرض التهدئة وحماية من هم تحت سلطانها، تماماً كما استنقذ حزب الله أسراه. أما جماعة رام الله من دعاة سلام الشجعان فإنهم لا يذوقون سلاماً ولا تهدئة، ولا يستطيعون أن يحموا أنفسهم ولا حتى موظفيهم وأسواقهم من هجمات قطاع الطرق من شركاء السلام. (7) في الوقت الذي تجتهد فيه سورية للحاق بالمهرولين إلى سلام الشجعان نجد أنفسنا أمام معادلة بسيطة في الصراع القائم، وهي أن المسالمين لا يجدون سلاماً، بينما ينعم المحاربون بسلام نسبي. إسرائيل لا تجرؤ على أن تمس شعرة من منسوبي 'حزب الله' أو أي لبناني اليوم، رغم أنها تجاهر بأن حزب الله هو أخطر عدو. ولكنها تعربد في فلسطينالمحتلة تحت سمع الشرطة المدربة أمريكياً وبصرها، وتهدم وتخرب وتأسر وتقتل، وعباس وفياض وأنصارهما يتفرجون. (8) الخلل الجوهري في بنية 'سلام الشجعان' هي أنه يشترط أن يتحول أنصار التحرير خداماً للاحتلال حتى يتم التأكد من أهليتهم لبعض الحرية (وهو نفس المنطق الذي نسمعه من بعض القيادات العراقية). الملاحظ أن حماس أيضاً قد دخلت في هذا الفخ عبر التهدئة التي تشترط تقديم تعهدات وأداء مهام معينة مقابل 'تنازلات' من إسرائيل. (9) لا ندعي علماً بظروف القيادات والشعوب، ولا بمساحة الممكن، وإن كنا أحياناً نرى في الاحتجاج على من ينصح بقلة العلم تعللاُ غير مقبول، كما هو الحال عندما يقول لنا أنصار الاحتلال أو القتل الطائفي في العراق، أو الأخطاء والخطايا في السودان: إنكم لا تعلمون. فبئس العلم ذلك الذي يبرر للقوم ما هم فيه من إثم مبين، كما نعى الله على فساق بني إسرائيل بقوله تعالى: قل بئس ما يأمركم به إيمانكم إن كنتم مؤمنين. أقول لا ندعي علماً خفي على غيرنا ولكن لعل المخرج هو استغلال الأحوال المتدهورة في غزة والضفة للضغط على إسرائيل وأوليائها من العرب والعجم للتوصل إلى حل حاسم، لا القبول بحلول جزئية مثل التهدئة وفتح المعابر. ولكم في حزب الله والطريقة التي حسم بها كل القضايا عظة وعبرة.