شاع ذكر القصة التي أوردها الأستاذ هيكل في كتابه (زيارة جديدة للتاريخ) عن (الفيلد مارشال) مونتجومري أنه لما جاء إلى مصر في مايو 1967 وقدموا إليه (المشير) عبد الحكيم عامر، وترجموا له رتبة المشير عامر بأنها (الفيلد مارشال) تساءل منتجومري لاحقًا في سخرية: أي فيلد ؟!، منوهًا أنه لم يسمع أن عامر خاض غمار معارك كبري يستحق عليها تلك الرتبة الرفيعة، لو إمتد العمر بالفيلد مارشال موتجومري لعرف أن تلك الرتبة العظمي قد صارت تعطى لمن لم ير ميدان قتال في حياته !!، ولا خاض غمار معارك كبرى ولا صغرى !!، فماذا تراه كان سيعلق ساعتها ؟!!. على الأقل المشير عامر رحمه الله شارك في حرب فلسطين ويقال أنه أبدى فيها شجاعة، ثم شارك في وقائع ثورة يوليو، ثم كان القائد العام للقوات المصرية في حرب 1956 قبل أن يحصل على رتبة المشير عام 1958، فهو على الأقل قد خاض القتال ضابطًا في القوات مع جنوده، ثم قائدًا عامًا للقوات، صحيح أن أداء القوات النظامية كان مهتزًا في حرب 1956، لكن على كل حال هناك وجه من الوجوه يسوغ حصوله على تلك الرتبة، ومع ذلك لم يسلم من سخرية مونتجومري، فما بالنا بالذي لم يخض معركة قط، أليس أولى بأن نسأله نفس السؤال الذي سأله مونتجومري: أي فيلد هذا الذي كنت فيه يا فيلد مارشال ؟!!.
لكننا في مفتتح عهد إشتق عنوانه من كلمات الفيلد مارشال، (ده علم مش فكاكة)، والواقع أننا الآن نفهم تلك الكلمات التي هي شعار المرحلة، (إنها الفكاكة وليس العلم)، فالفيلد مارشال مونتجومري الذي عاش حياته في المعارك، ولم يرتقي إلى تلك الرتبة إلا بعد عامين من معركة العلمين، وبعد أن ساق القوات الألمانية أمامه من مصر إلى تونس وحرر مصر وليبيا من القوات الألمانية، ثم شارك مع القوات الأمريكية في إجبار باقي القوات الألمانية في تونس على الإستسلام، ومنها إنتقل مع قواته إلى أوروبا ليشارك في حملة مشتركة مع القوات الأمريكية ايضًا في إحتلال صقلية والتقدم داخل إيطاليا، ثم شارك في الحملة العظمى على نورماندي في يونيو 1944 لتحرير فرنسا ومن ورائها أوروبا، ساعتها فقط حصل على تلك الرتبة في أواخر اغسطس عام 1944، ولو عاش (الفيلد مارشال) المسكين بيننا لعلم أن الفكاكة تعدل ذلك كله !!، وأن (الفكاكة) مارشال الآن تعدل (الفيلد) مارشال !!، وربما تتفوق عليها، فمن يدري، ربما أخترعوا لاحقًا رتبة (مشير أول)، وإلا فإلى أين سيذهب بعد ذلك، لابد أن يستمر النفخ في الذات العظمى، قالوا عنه في جريدة قومية (ما شئت لا ما شاءت الأقدار، وأحكم فأنت الواحد القهار)، و(قالوا أنه مكتوب في النبوءات منذ 700 عام)، وقلن له (إن أردتنا جواري فلسنا نعز عليك)، فلماذا لا يخترعوا له رتبة لاحقًا لم يحصل عليها أحد من قبله، وأهو كله بالفكاكة.
تلك الفكاكة التي قادت من لم يحارب قط ليحصل على رتبة فيلد مارشال هي ذاتها التي تقود حياتنا وتسيرها في مصرنا الحزينة الآن، وهي ذاتها التي تجعل هناك دعوات لتلقيب ملحن رائعة (تسلم الأيادي) ليكون موسيقار الأجيال مثل عبد الوهاب، وتشبيه (تسلم الأيادي) بأغنيته (وطني حبيبي) أو (بلادي بلادي)، وهي ذاتها التي تجعل من توفيق عكاشة منظر العهد !.
ولما أنطق الله أحد الجنرالات الكبار قبل عدة شهور وتساءل في رده على من يقولون أن ما حدث في 3 يوليو إنقلاب فقال في حديث مع مذيع مشهور: هو الفريق أول السيسي حصل على ترقية ؟!!، هو أخذ شيئ لنفسه ؟!!، ولما إنتشر هذا الفيديو بعد الترقية إذا بذات المذيع يبرر هذا بأن هذا الحديث كان منذ عدة أشهر !!، وهل سيظل السيسي للأبد بلا ترقية ؟!!، ونسي مذيعنا المشهور أن سيادة المشير كان برتبة لواء قبل 18 شهرًا فى أغسطس 2012، وقد حصل في ذلك الشهر على ترقيتين دفعة واحدة، فمازال أصلًا حديث العهد برتبة (الفريق أول) حتى يسوغ هذا المبرر الواهي، خاصة وأن أبطالًا عظامًا في تاريخ مصر تولوا وزارة الدفاع وخرجوا برتبة (الفريق أول) ولم يتم ترقيتهم لرتبة (المشير)، وقضوا في تلك الرتبة وقتًا أطول بكثير مما قضاه مشيرنا، ويزيدون عليه أنهم جميعًا من أبطال حرب أكتوبر المجيدة، لكن أحدًا منهم لم يمتد به العمر لعهد (الفكاكة)، ولم يكن في بطانته مثل مذيعنا المشهور الذي يوجه حديثه للأطفال فيما يبدو، ومن هؤلاء القادة العظام نذكر لمذيعنا ومن وراءه أسماء (الفريق أول كمال حسن علي)، و(الفريق أول يوسف صبري أبو طالب).