سارعت روسيا، وكما كان متوقعا، إلى رفض إعلان استقلال كوسوفو عن صربيا. ولم تتوقف موسكو عند هذا الحد بل وطالبت بعقد جلسات طارئة لمجلس الأمن الدولي للتشاور وطالبت بإبطال إعلان استقلال الإقليم. وقال فيتالي تشوركين مندوب روسيا الدائم في الأممالمتحدة خلال اجتماع مجلس الأمن الدولي إن روسيا تجدد مطالبتها بأن يعلن موفد الأمين العام ورئيس بعثة الأممالمتحدة في كوسوفو بطلان قرار السلطات المحلية الألبانية بموجب التفويض الذي أعطاه لهما قرار مجلس الأمن 1244، من أجل تجنب ما يمكن أن يترتب على قرار الإدارة المحلية المؤقتة من عواقب سلبية، مضيفا أن روسيا ستظل تعتبر كوسوفو إقليما يقع داخل صربيا. وفي ما يخص قرار الاتحاد الأوروبي بشأن إرسال بعثته إلى كوسوفو يرى المندوب الروسي أن خطوة كهذه بدون تخويل من مجلس الأمن الدولي تتنافى مع القرار 1244، مؤكدا أن مشكلة كوسوفو لا يمكن تسويتها إلا عندما يؤدي مجلس الأمن الدولي دوره الرئيسي. ويبدو أن موسكو لن تتراجع عن موقفها الرافض لاستقلال كوسوفو، وهو ما يعني إضافة أزمة جديدة إلى العلاقات الروسية الغربية لا سيما وأن الولاياتالمتحدة وحلفاءها لن يتراجعوا عن الاعتراف بكوسوفو كدولة مستقلة . فبالإضافة إلى نشر الدرع الصاروخي الأميركي في أوروبا، وتوسع الناتو نحو الحدود الروسية، تأتي مشكلة استقلال كوسوفو لتزيد التوتر بين موسكووالولاياتالمتحدة وحلفائها. روسيا تعتقد أن نموذج كوسوفو يمكن أن ينتقل إلى أمكان أخرى من العالم حيث تطالب أقليات كثيرة بالانفصال. بجانب ذلك يعتقد الروس أن دعم الولاياتالمتحدة لاستقلال كوسوفو عن صربيا له أهداف جيوسياسية ترمي إلى التواجد مع الناتو بشكل دائم في البلقان. أي أن روسيا تشعر بمحاولات أميركية لإحكام الحصار حولها . ولكن ماذا يمكن أن تفعل روسيا للتعامل مع الواقع الجديد لكوسوفو ؟ بالطبع موسكو لن تعترف باستقلال الدولة الوليدة . كما أنها بدأت نشاط دبلوماسي على الساحة الدولية لعرقلة اعتراف دول العالم بهذا الاستقلال. موسكو تستند في ذلك إلى القرار الأممي رقم 1244 الذي لا ينص على منح الاستقلال أو الانفصال لكوسوفو عن صربيا. غير أن الورقة الأقوى لدى روسيا تتمثل في الاعتراف باستقلال إقليمي أبخازيا وأو سيتيا الجنوبية في جورجيا. هذان الإقليمان أعلنا عن انفصالهم من جانب واحد في التسعينيات من القرن الماضي ولم ينالا اعتراف روسيا حتى اليوم . رئيسا هذين الإقليمين أعلنا في موسكو أمس أنهما سيطالبان روسياوالأممالمتحدة بالاعتراف باستقلالهما على غرار كوسوفو. ولكن المسؤولين الروس وعلى رأسهم الرئيس بوتين أعلنوا مؤخرا أنهم لن يقدموا على خطوة الاعتراف بأبخازيا وأوسيتيا الجنوبية. ومع ذلك ألمحت الخارجية الروسية والبرلمان الروسي إلى أن روسيا بعد إعلان استقلال كوسوفو ستكون مضطرة لتغيير سياستها تجاه هذين الإقليمين اللذين تقطنهما غالبية من السكان تحمل الجنسية الروسية. ولكن لا أحد يمكن له فك الشفرة الروسية المتعلقة بتغيير السياسية تجاه أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية ، وهو ما اعترض عليه الرئيس الجورجي سآكاشفيلي واستدعت خارجيته السفير الروسي في تبليسي للتوضيح. ونعتقد أن موسكو لن تقدم على الاعتراف باستقلال أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية على الأقل في المستقبل المنظور . لأن هذا الاعتراف سيعني إشعال مشكلة النزعة الانفصالية في الساحة السوفيتية السابقة. فهذا الاعتراف قد يؤدي إلى إشعال حرب جديدة داخل جورجيا ، وبالتالي إشعال حرب على الحدود الروسية. كما أنه قد يحرك مجددا النزعة الانفصالية داخل روسيا نفسها ، ولا ينبغي أن ننسى هنا الشيشان. ولذلك يرى الكثير من المراقبين أن السياسة الخارجية الروسية ربما بدأت تعاني من مأزق واضح بعد الإعلان عن استقلال كوسوفو من جانب واحد واعتراف الولاياتالمتحدة بهذا الاستقلال.