كيف توافق الولاياتالمتحدة على خروج مصر من قبضتها؟ روسيا ليست الاتحاد السوفيتى..وبوتين ليس خروشوف أو بريجنيف الدخول الروسى لمصر والمنطقة يتم برعاية أمريكية كاملة هيكل شريك أساسى فى إخراج مسرحية «عبد الناصر السيسى» أمريكا بحاجة لروسيا فى مصر حتى لا يدخلها الاتحاد الأوروبى كيف يطالب كيرى الخليج بدعم مصر اقتصاديا وهى تتجه نحو روسيا؟ قالتها جولدا مائير : العرب لا يقرءون وإذا قرءوا لا يفهمون وإذا فهموا لا يعملون.. القصة إذن أننا شعوب تتفتت ذاكرتها فى أثناء اللهاث وراء لقمة العيش وتنسى أن التاريخ قاس ولا يرحم ولا يكرر نفسه إلا بثمن باهظ وشروط صعبة جدا.. هذه الحقيقة عن شعوبنا العربية هى التى تمنع الفهم الحقيقى لما تشهده مصر الآن من دخول روسى له صبغة عسكرية حتى الآن. صناع الانقلاب لديهم أجهزة أمنية تفهم المصريين جيدا، لأن لها بين كل عشرة مواطنين جاسوسا ومخبرا؛ لذا قررت أن تراهن على ضحالة الذاكرة المصرية، فاستجابت لنصائح هيكل العجوز وشرعت منذ اللحظات الأولى لانقلاب 3 يوليو فى صناعة مسرحية مفادها أن قادة الانقلاب سيتمردون على التبعية الأمريكية، وسيتحولون شرقا باتجاه روسيا على غرار عبد الناصر، وهكذا كانت سيارات المتظاهرين فى مظاهرات تفويض السيسى تحمل صورا له بين صورتى عبد الناصر والسادات، بينما حملت سيارات أخرى صورا للرئيس الروسى بوتين مع عبارات شكر!! حتى يمكن فهم ما يجرى حاليا من دخول روسى لمصر يجب التذكير بقاعدة سياسية مهمة جدا مفادها أن السياسة معقدة بشكل يفوق الخيال، ومن مظاهر تعقيدها أن دولة ما يمكن أن تدعم مصالح لخصمها فى منطقة ما حفاظا على مصلحة جزئية لها أو منعا لوقوع تلك المنطقة فى حوزة طرف ثالث غير مرغوب فيه أو حتى لإرهاق الخصم اقتصاديا، وهو ما فعلته أمريكا مع بريطانيا عقب الحرب العالمية الثانية مباشرة، حيث دعمت استمرار الاحتلال البريطانى لمصر فى قاعدة قناة السويس – رغم التوتر بين البلدين عقب الحرب – حتى لا تقع مصر فى يد الاتحاد السوفيتى الشيوعى لحين استعداد أمريكا لوراثة المستعمرة المصرية، وفى هذا الإطار اقترح الرئيس الأمريكى روزفلت على الملك فاروق خلال لقائهما الشهير على البارجة الأمريكية uss quency فى 13 فبراير 1945 إجراء إصلاحات اقتصادية؛ بينها توزيع مساحات من الأراضى على الفلاحين، وذلك حتى لا يكون الوضع الاقتصادى فى مصر مسوغا لسيطرة الأفكار الاشتراكية. أساطير انقلابية كما ذكرنا، منذ اللحظات الأولى لانقلاب الثالث من يوليو والانقلابيون يرسمون صورة للسيسى على أنه ناصر الجديد الذى سيتجه بمصر شرقا ويحررها من التبعية للأمريكان..تلك التبعية التى يتجاهل مروجو تلك الصورة الوهمية أنها راسخة بحقائق، منها أن السيسى ورئيس أركانه الفريق صدقى صبحى حاصلان على درجاتهما العسكرية العلمية من أمريكا ويتقاضيان راتبيهما من المعونة الأمريكية وأنهما يقودان جيشا سلاحه أمريكى، وأن صناعة السلاح فى أمريكا هى أكبر مورد دولارات للخزينة الأمريكية، وأن روسيا نفسها عندما فكرت خلال ولاية بوتين الأولى فى ملاعبة أمريكا أنهكتها الأخيرة بعدة أزمات سياسية واقتصادية داخلية وخارجية، منها أزمات مع جورجيا وأوسيتيا الجنوبية وأوزبكستان وغيرها. الأهم من ذلك كله هو أن السيسى منذ قيامه بالانقلاب لم يقم بأية خطوة أو تلميح أو تصريح لفظى يحمل معنى التمرد أو حتى التخفف من تبعات المعونة الأمريكية. والأخطر من كل ذلك هو السؤال التالى: كيف تدعم أمريكا توجه مصر – المزعوم- باتجاه روسيا؟؟ .. فالواقع والوقائع تؤكد أن أمريكا ترعى الدعم الاقتصادى لنظام الانقلاب منذ وقوعه إلى أن افتضح دعمها السياسى له فى جلسة الاستماع الشهيرة فى الكونجرس قبل أسابيع.. وهل يصدق عاقل أن ترى أمريكا مصر وهى تتوجه إلى روسيا، ثم تدعو دول الخليج لتقديم الدعم المالى لمصر؟.. هذا ما فعله وزير الخارجية الأمريكى جون كيرى فى تصريحات صحفية أدلى بها خلال مؤتمر مشترك مع نظيره الإماراتى عبد الله بن زايد آل نهيان. كيرى قال فى المؤتمر«أشعر أن تطورات الأمور فى مصر تسير بشكل سليم، وأنهم ماضون قدما فى خارطة الطريق»، وهنا نسأل: هل يمكن أن تصف أمريكا ب«الشكل السليم» خروج مصر من قبضتها باتجاه روسيا؟! وأضاف وزير الخارجية الأمريكى «اتفقنا مع الإمارات والسعودية وأكثر من دولة خليجية على ضرورة دعم مصر فى تحولها السياسى، ودعمها اقتصاديا بصورة كبيرة حتى يستعيد اقتصاد البلاد عافيته»، هنا كيرى يتحدث عن «تحول سياسى مصرى مرضى عنه أمريكيا»، فهل يمكن أن ترضى أمريكا عن تحول سياسى مصرى حقيقى باتجاه روسيا؟. أين الحقيقة إذن بشأن «وهم» التحول المصرى باتجاه روسيا؟ باختصار شديد: تعانى أمريكا أوباما من ورطة اقتصادية شديدة الوطأة أحد أبرز مظاهرها زيادة الدين العام للولايات المتحدة حسب أرقام يوليو 2011 حاجز 14 تريليون دولار، وهو ما يناهز 98٪ من الناتج المحلى الإجمالى. يبلغ نصيب الجهات الخارجية من هذا الدين 9.7 تريليون دولار أمريكى، أما الباقى ومقداره 4.6 تريليون دولار فهو لأطراف داخل الولاياتالمتحدة كحكومات الولايات أو الحكومة الاتحادية. ومما يمثله هذا الرقم أن كل مواطن أمريكى مدين بنحو 46 ألف دولار أمريكى، منها 30 ألف دولار أمريكى من نصيب دول العالم. أما حين يقسم الدين العام الأمريكى على عدد دافعى الضرائب الأمريكان فهذا يعنى أن حصة كل واحد منهم هى نحو 129 ألف دولار أمريكى. ووفقا للوتيرة الحالية فإن هذا المبلغ يزداد 3.85 مليار دولار يوميا. هذه الأزمة الطاحنة تحتم على الولاياتالمتحدة الإسراع بتنفيذ خططها فى التمدد اقتصاديا فى كل من أفريقيا وآسيا، بالنسبة لآسيا تحتاج أمريكا لفك الارتباط الروسى الصينى وهو ما تطلب من الولاياتالمتحدة السماح ببؤر يتمدد فيها النفوذ الاقتصادى الروسى، أضف إلى ذلك أن أمريكا احتاجت أيضا للتقارب مع إيران لتقليل الإزعاج لتمددها الاقتصادى فى آسيا وهو ما حدث مؤخرا بالفعل. هناك أيضا التفاهمات الأمريكية الروسية بشأن الأزمة السورية، لكن الوقت لا يسعف أوباما وحزبه الديمقراطى، لذا جاء التفاهم الذى أثمر ما يجرى فى مصر بغرض: 1 – تعزيز صورة قادة الانقلاب بأنهم وطنيون متحررون يرغبون فى الانعتاق من التبعية لأمريكا. 2 – السماح بوجود روسى فى مصر ومنطقة الخليج تتحكم فيه الولاياتالمتحدة وترسم له سقفا لا يتجاوزه إلى مصلحة وطنية مصرية حقيقية. 3 – فى المقابل لا تعرقل روسيا التقارب الأمريكى الإيرانى. نتيجة تلك المعاملات بدأ «الإدخال الأمريكى» لروسيا فى مصر والمنطقة حتى لا يحدث فراغ يملؤه الاتحاد الأوروبى، لأن الاتحاد الأوروبى يطمح لأن يكون إمبراطورية كبرى، بينما أقصى طموحات روسيا هو الوجود كقوة دولية معتبرة لها نصيب من الكعكة الاقتصادية فى العالم، وهو ما يذكر بما أشرنا إليه فى بداية التقرير من أن أمريكا بعد الحرب العالمية الثانية تغاضت عن توتر علاقاتها ببريطانيا وعززت وجودها فى مصر حتى لا تحل محها روسيا الشيوعية. والهدف من كل تلك الترتيبات فى التحليل النهائى هو أن تتفرغ أمريكا لحل أزمتها الاقتصادية عبر التوغل فى أفريقيا نهبا للثروات، وفى آسيا فتحا للأسواق. ومن دلائل التحكم الأمريكى فى شكل ودرجات الدخول الروسى لمصر هو أنه حتى الآن يدور كل الكلام حول صفقات سلاح روسية تدفع مصر ثمنها على دفعات تبدأ فورا، بينما لو كان الأمر يسير وفق أجندة للتحول السياسى بعيدا عن أمريكا لرأينا تساهلا فى تسديد أسعار الأسلحة الروسية. وانطلاقا من تلك الحقائق، فلا يتوقع حالم أن يكون السلاح الروسى بداية لتغيير المعادلة بين مصر والكيان الصهيونى، فكما هو معلوم لا يجرى شىء يتعلق بالشأن المصرى عسكريا وأمنيا وسياسيا إلا تحت متابعة وإشراف صهيونى كامل وهو ما تعكسه وتؤكده تصريحات قادة العدو الصهيونى حول العمليات العسكرية للجيش المصرى فى سيناء.