«زى اللى بيحصل فى الأفلام»! بهذه العبارة قد يشخص لك أحدهم حادثة معينة، رغم أن الأفلام والأعمال الدرامية فى معظمها مستوحاة من الواقع، إلا أن دلالة العبارة تكمن فى كون الحادثة موضع الخبر غريبة ونادرة. وبالعودة إلى العمل الفنى الذى نجد فيه إسقاطات على الواقع الكئيب الذى نحياه فى ظل الانقلاب الدموى النازى العسكرى، نجد فيلم «رصيف نمرة خمسة» مع فارق الأحداث والقصة. «رصيف نمرة خمسة» قصة «فريد شوقى» والحوار ل«السيد بدير»، ويضم ثلاثى أدوار الشر على رأسهم ظاهرة السينما المصرية العملاق «زكى رستم» و«محمود المليجى» و«فريد شوقى». يُجسد زكى رستم فى الفيلم شخصية «المعلم بيومى» ذلك الرجل الصالح «المتدين» الذى لا يترك صلاة فى المسجد، وفى الوقت ذاته هو أكبر تاجر مخدرات فى الإسكندرية! ويعاونه محمود المليجى أو المعلم «عرفان الفرارجى»، ويأتى فريد شوقى فى دور «الشاويش خميس» الذى يرفض إغراءات عصابة المخدرات ويوقع بالعصابة من خلال عمله فى البحرية. استطاع زكى رستم أن يجسد شخصية المعلم بيومى بحرفية واقتدار، ساعده على ذلك تعبيرات وجهه ونظرات عينيه ونطقه للكلمات وتقمصه دور «المتدين» الحريص على مصلحة غيره. سيناريو بعض المشاهد فى الفيلم هو ما يؤكد أن ما فعله زكى رستم «المعلم بيومى» هو عينه ما يفعله الآن عبدالفتاح السيسى قائد الانقلاب الدموى الذى يدعى أنه قام بانقلابه الدموى من أجل الشعب الذى لم يجد من يرفق به أو يحنو عليه وأنه لم يخن الرئيس محمد مرسى! عقب مطاردة الشاويش خميس «فريد شوقى» لعصابة المخدرات تسبب فى غرق شقيق المعلم بيومى، والتقى الاثنان فى القسم ودار بينهما الحوار: الشاويش خميس: وحياة سيدى المرسى أبو العباس ما كنت نعرف إنه أخوك. المعلم بيومى: ولا أنا! مكنتش عاوز حد يعرف من سنين وأنا متبرى منه! هو كان معاه إيه؟! الشاويش خميس: كان معاه كوكايين وهرويين. المعلم بيومى: كمان؟ الله يجحمه مطرح ما راح! الشاويش خميس: يعنى منتش زعلان منى؟ المعلم بيومى: يا راجل عيب دى شغلتك وقمت بالواجب اللى عليك، الله يخرب بيت ده كار وبيت اللى بيتاجروا فيه.. روح يا شيخ الله يعمر بيتك! فى هذا المشهد يبدو زكى رستم غير عابئ بمصرع أخيه الذى كان يساعده فى تهريب المخدرات، بل يثنى على مقتله ويسأل عما ضُبط بحوزته وكأنه لا يعرف، ويدعو على تجار المخدرات! ثقة فريد شوقى فى زكى رستم كبيرة جدا، فلا يتحرك إلا بمشورته ويحكى له أسراره، فى حين أن الأخير يخطط لقتله حتى ينعم يتهريب المخدرات.. وهو ما يذكرنا بثقة الرئيس مرسى فى السيسى وتقريبه منه حتى قام بالانقلاب الدموى. الشاويش خميس: عندى خبر هيبسطك أوى المعلم بيومى: هات أخبارك الحلوة الله يبسطك! الشاويش خميس: فقعتلك جماعة القباقيب حتة مقلب نضيف سخن هيطلع من نافخوهم. المعلم بيومى: جماعة القباقيب مين؟ الشاويش خميس: اللى بيهربوا الكوكايين والهرويين فى القباقيب. المعلم بيومى: لا يا شيخ! الشاويش خميس: كانوا عايزين يرشونى ويخلونى أسرق الحرز بتاع القضية وصدرولى أخو مراتى فى الشغلانة الوسخة دى. المعلم بيومى: وبعدين؟ وعرفوا منه اسم الجماعة اللى رشوه؟ الشاويش خميس: مش راضى يقول مصمم ع الإنكار، وأهو مشرف جوه مقبوض عليه، لكن غصب عن نن عينه هيقر باللى يعرفه عنهم. المعلم بيومى: روح يا شيخ الله يعمر بيتك! أهى دى تستاهل عليها كوباية شربات.. كوباية شربات للشاويش خميس! وفى هذا المشهد يواصل زكى رستم اصطناع عدم معرفته بتجارة المخدرات، ويدعو لفريد شوقى بأن يعمر الله بيته! ثم ينفرد رستم بالمليجى «المعلم عرفان» ليعرب عن استيائه من الشاويش خميس الذى يطارد عصابته ويعدد ما فعله فيهم. المعلم عرفان: الواد خميس أنا خايف منه خالص، لازم نشوفله طريقة. المعلم بيومى: أيوه صحيفة سوابقه اتملت، قتل أخويا راشد وخلانا قتلنا واحد وهربنا واحد من رجالتنا وقصقص ريش فرغلى اللى حب يساعدنا وسحب البوليس لحد عشتك ووقعك فى سين وجيم. عدّد المعلم بيومى صحيفة سوابق خميس بمواقفه من عصابة المخدرات، وهو ما عدّده السيسى فى صحيفة سوابق الرئيس مرسى: عمل إعلان دستورى أفشل مؤامرتنا، واستقبل خالد مشعل وإسماعيل هنية فى القصر الجمهورى، وبعت هشام قنديل إلى غزة، وهدد الكيان الصهيونى، وقال سننتج غذاءنا ودواءنا وسلاحنا، وعايز يعمل اكتفاء ذاتى من القمح (...). هذه صحيفة سوابق الرئيس مرسى التى دفعت السيسى للانقلاب عليه.. تماما مثلما عدد المعلم بيومى ما يعتبرها جرائم من طرف خميس. فشل المعلم بيومى فى محاولة اغتيال الشاويش خميس عن طريق أحد صبيانه، فقرر أن يذهب بنفسه إلى منزله ليقتله، لكن حظه العثر جعله يقتل زوجة خميس بدلا منه، وكان هذا الحوار فى أثناء العزاء: المعلم بيومى: البقية فى حياتك يا سى خميس. الشاويش خميس: حياتك الباقية يا معلم. المعلم بيومى: اقعد يا خويا استريح.. نعمل إيه فى حظنا.. انكتبلنا.. تعزينى ونعزيك.. وإزاى حصلت الحكاية دى؟! الشاويش خميس: أمر الله. المعلم بيومى: ونعم بالله.. إنت بس سيبت سريرك وروحت فين بس؟! الشاويش خميس: قمت قبل الحادثة بخمس دقايق نمت فى سريرها. المعلم بيومى: شوف الحظ! موقف المعلم بيومى هنا هو موقف السيسى نفسه من عصابة «بلاك بلوك» ومحاصرة قصر الاتحادية وفندق سميراميس وقطع المترو وحرق مقرات الإخوان ومحاصرة المساجد.. عقلية المدبر والفاعل الذى يسأل: وإزاى حصلت الحكاية دى! عندما أمسك فريد شوقى بمحمود المليجى لينتزع منه اعتراف من الذى قتل زوجته، على الفور أطلق زكى رستم الرصاص على المليجى ليرديه قتيلا حتى لا يبوح بالسر، وكالعادة ذهب شوقى لصديقه الأمين رستم يشكو له ما حدث: الشاويش خميس: يعنى لو كان أجله طال شوية كنت عرفت مين اللى قتل مراتى. المعلم بيومى: مش يمكن الواد عرفان ده كان بيضحك عليك ويكون هو اللى قتلها. الشاويش خميس: لا يا معلم.. أنا متأكد أن اللى قتل عرفان هو اللى قتل مراتى. المعلم بيومى: يبقى أحسنلك تبعد عن سكته يا خميس يابنى.. ده باين عليه قتال قتلة. الشاويش خميس: مسيرى أوصله برضه.. أنا وراه والزمن طويل. المعلم بيومى: متخربش على روحك، إنسى الحكاية دى، وسيب ربنا يخلصلك منه! العبارة الأخيرة لزكى رستم هى عين ما قاله السيسى عقب ارتكابه مجزرة رابعة العدوية وقتله الآلاف؛ إذ قال: بدل ما تعتصم فى رابعة أكتر من أربعين يوم تقف فى طابور الانتخابات! إنسى الحكاية دى وسيب ربنا يخلصلك منه! مشهد الختام.. هو مشهد الختام فى كل زمان.. انتصار الخير على الشر.. كعادة المعلم بيومى فى تمثيله دور «المتدين» الذى يخاف الله، يُصلى فى المسجد بعدما قتل الخادمة «بهانة» التى رأته يوم قتل زوجة الشاويش خميس، ولأنها أشارت إليه بعد شفائها قرر التخلص منها ونسى سبحته فى غرفتها. يدخل الشاويش خميس المسجد ويجلس بجوار المعلم بيومى الخاشع فى صلاته، وعقب الانتهاء من الصلاة يسأله خميس: أمال سبحتك فين يا معلم؟ يرد المعلم بيومى: والله نسيتها فى البيت.. ليه؟ الشاويش خميس: لا ولا حاجة.. أصلى لمتهالك! يحاول المعلم بيومى الهروب بالصلاة: نويت أصلى ركعتين لله.. «الله أكبر»! لكن لم يعد لهذه الحجة محل من الإعراب.. فقد تأكد الشاويش خميس أنه القاتل لينتهى المطاف بسجن المعلم بيومى القاتل وتاجر المخدرات. استخدام المعلم بيومى للدين هو استخدام الانقلابيين للدين، وتحضير فتاوى على جمعة الذى يقول: «طوبى لمن قتلهم»، يقصد من يعارضون الانقلاب النازى الدموى. ثمة تطابق بين شخصية المعلم بيومى والسيسى؛ كلاهما ادعى أنه أمين وأنه مخلص وأنه لا يخون، وكلاهما يدعى أنه قريب من الله وأنه يخشى عقاب الله، وكلاهما ارتكب جرائم القتل.. الفارق الوحيد أن زكى رستم كان يمثل، لكن السيسى يفعل. رصيف نمرة خمسة فيلم ينتمى إلى فئة الميلودراما، بينما رصيف نمرة رابعة، ينتمى إلى التراجيديا التى يهتز لها الحجر والشجر والدواب.