عاد النواب المنسحبون إلى المجلس التأسيسى بعد شهرين من انسحابهم من المجلس على إثر اغتيال النائب بالمجلس محمد البراهمى، وبعد نحو 9 أشهر على اغتيال شكرى بلعيد، و3 أيام على مجزرة عناصر الأمن، حيث قتل نحو 8 من عناصر الأمن فى الذكرى الثانية لأول انتخابات حرة ونزيهة فى تونس. كما عاد الحوار الوطنى بعد إعلان جبهة الإنقاذ تعليق مشاركتها؛ وذلك على إثر ما وصفته بالغموض فى خطاب رئيس الوزراء «على العريض»، الذى بعث برسالة للرباعى الراعى للحوار يؤكد فيها استعداده للاستقالة مع تلازم المسارات، أى بعد اكمال الدستور وتشكيل هيئة الانتخابات والقانون الانتخابى، وتكون الحكومة القادمة حكومة تصريف أعمال تجرى فى ظلها الانتخابات. وقد مرت الذكرى الثانية لأول انتخابات ديمقراطية حرة وشفافة فى تاريخ البلاد، وسط تجاذبات سياسية وعمليات إرهابية. وكان تزامن الذكرى مع العمل الإرهابى له دلالات كثيرة، من بينها تحويلها إلى مأتم حقيقى بعد أن كان مأتما سياسيا لأحزاب المعارضة التى توصف فى الشارع التونسى بأحزاب الصفر فاصل، والتى كانت تسعى لاستقالة الحكومة الحالية، دون حصول توافق على أعضاء الحكومة المستقلة القادمة وعلى صلاحياتها، حيث طالبت المعارضة بمنحها صلاحيات واسعة دون أن يتمكن المجلس الوطنى التأسيسى من إقالتها إلا بأغلبية الثلثين، وهى ميزة لم تحصل عليها أى حكومة منتخبة، فضلا عن حكومة مستقلة متوافق عليها. الانقلاب والإرهاب مثّل الإرهاب صنوا للانقلابيين الفاشلين فى تونس، وأعطى لمسعاهم زخما، لكنه لم يحقق أهدافهم، رغم تحويلهم يوم فرح إلى مأتم بأتم معنى الكلمة، فقد سقط 8 قتلى من عناصر الأمن فى يوم واحد، منهم 7 سقطوا فى كمين، فى منطقة على بن عون التابعة لولاية «محافظة» سيدى بوزيد منطلق الثورة التونسية، وفى ذلك العديد من الدلالات، فكل عملية إرهابية مختارة بعناية فائقة ومتوافقة مع أجندة الانقلابيين وخادمة لها بشكل مذهل للغاية. ونشط الإرهاب بعد انتخابات 23 أكتوبر 2011م، بما يشبه التجربة التركية فى سنوات أردوغان الأولى فى الحكم، حيث كان يسجل عملية إرهابية كل شهر تقريبا، ويتهم الإسلاميون بتنفيذها، وقد تبين فيما بعد أنهم كانوا يقتلون زملاءهم ويلصقون التهم بالإسلاميين، وهم الآن فى السجن. بينما يستحث الانقلابيون الخطى فى تونس لتغيير الأوضاع وللنجاة من المحاكمة والعقاب. ولا شك أن هناك أطرافا داخلية وخارجية تنسق مع بعضها وتستغل الإرهاب من أجل الانقلاب على الشرعية. انتخابات أكتوبر فبعد انتخابات 23 أكتوبر وفشل الحزب الاشتراكى الديمقراطى، الذى كان جوادا خاسرا راهنت عليه بعض قوى رأس المال الفاسد فى تونس، وقوى خارجية فى مقدمتها فرنسا، تمت المراهنة على جواد هرم هو الباجى قايد السبسى، وأحاطوا به عددا من الأحزاب الخاسرة فى الانتخابات تجمع مختلف الطيف المشهدى لنظام بن على المنهار، وكان هدفهم الحيلولة دون نجاح حركة النهضة فى الحكم، معتبرين ذلك مسألة حياة أو موت، بتعبير محمد الكيلانى أحد وجوه اليسار فى تونس. وكانت استراتيجية هذه الأحزاب توتير الأوضاع السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، وخلق حالة من التذمر العام، من خلال الدولة العميقة والإعلام ومن داخل المجلس التأسيسى ذاته،والذى شهد مهاترات كثيرة ساهمت فى عدم اكتمال الدستور فى أجل عام. وعندما فشلت هذه الأحزاب فى إيقاف المسار الانتقالى والانقلاب على الشرعية بعد مضى عام على الانتخابات، تم اغتيال اليسارى شكرى بلعيد، ظنا منهم أن حزبه، ولما له من ثقل فى بعض الدوائر سينجز الانقلاب، لكن ذلك لم يحصل رغم أنه أجل قانون تحصين الثورة. تقدم رغم العراقيل وعندما تقدمت البلاد رغم كل العراقيل لتنجز أحد أهم وعود الثورة وهو إعداد دستور يليق بالثورة وبالشعب التونسى، ولم يبق سوى انتخاب عضو واحد لتكتمل هيئة الانتخابات، تم اغتيال محمد البراهمى، وإعادة التوتر والشحناء للساحة السياسية فى تونس. وبينما البلاد تلتقط أنفاسها ويبدأ الحوار الوطنى والاستبشار بقرب انتهاء المرحلة الانتقالية والتحول إلى الاستقرار بعد انتخابات منتظرة، جاءت العمليات الإرهابية الأخيرة التى حدثت فى ثلاث مناطق تونسية، واستهدفت قوات الأمن،وذلك فى اليوم الذى يحتفل فيه التونسيون بالذكرى الثانية لأول انتخابات حرة وشفافة فى تاريخ البلاد. وقد تم استغلال الجريمة من قبل الانقلابيين للمطالبة بالتعجيل بقبول مبادرة الرباعية دون نقاش، ومن ذلك استقالة الحكومة الحالية بعد 3 أسابيع دون انتظار التوافق على الحكومة الجديدة، وصلاحياتها كما سبق.ويحلمون بموافقة حزب حركة النهضة على ذلك، بعد رفض الجيش التدخل فى الشأن السياسى، وانقسام المؤسسة الأمنية أو قل وجود أطراف تنسق مع المعارضة وترهن مستقبلها فى تحالفها معها، وقد قالها ممثلون عن نقابات أمنية لأطراف فى المعارضة «مستقبلنا بأيديكم». مستقبل تونس فشل المعارضة الانقلابية فى فرض آرائها على الشعب التونسى حتى الآن، يعد نجاحا للثورة، ففى بداية عام 2012 م كانت قوى اليسار والفلول تبشر الدبلوماسيين فى تونس بقرب انتهاء حكم الترويكة، وتطلب منها عدم منح قروض لتونس. وقد برهنوا على المنحى الانقلابى الذى انخرطوا فيه عبر إعلانهم الانسحاب من الحوار الوطنى إلى حين تحديد الحكومة موقفها من خارطة الطريق، وقد اعتبر الأمين العام لحزب حركة النهضة حمادى الجبالى«رئيس الوزراء الأسبق»تصرفات المعارضة الانقلابية، قبل قبولها بالعودة للحوار،إفشالا للحوار وإرباكا للوضع. أما رئيس الوزراء الحالى على العريض فقد اعتبر مسيرات المعارضة يوم 23 أكتوبر«هدفها توتير الأوضاع وبث الفرقة والصراع والمس بالوحدة الوطنية»،وأن الحكومة ستواصل مهامها وستبقىعلى عهدها لتحقيق الاستقرار وتمكين التونسيين بأسرع وقت ممكن من دستور وانتخابات وإنجاح الحوار الوطنى. وجدد «العريض» فى وثيقة سلمها للرباعية استعداده للاستقالة بشرط تلازم المسارين التأسيسى والحكومى بمعنى تحقيق شرط لإنهاء الدستور وتشكيل الهيئة العليا المستقلة للانتخابات والقانون الانتخابى وتحقيق الآجال بقانون.