أرجو أن يعذرني المرشح الرئاسي الأمريكي باراك أوباما، لأن استعير عنوان حملته الانتخابية لمقالتي هذه، وذلك لأني أعتقد أن التغيير الذي طرحه أوباما، غدا ضرورياً، ليس فقط للولايات المتحدة، وإنما للأسرة الإنسانية برمّتها.
دون شك، أن "التغيير" الذي أقصده في مقالي اليوم، ليس التغيير الذي يقصده أوباما، وإن كنت آمل أو أعتقد، أنه لا بد من بعض نقاط الالتقاء بين من يحاولون درء أخطار سياسة المحافظين الجدد، ليس على الولاياتالمتحدة فقط، وإنما على شعوب العالم بأسره. وما دفعني إلى كتابة ما سأكتبه، هو المشهد السياسي، والاجتماعي، والفكري، المتفاقم خلال الأسابيع الأخيرة، وسأبدأ فقط من تاريخ محاضرة ألقاها رئيس أساقفة كانتيربري (روان ويليامز) في لندن بعنوان «القانون الديني والمدني في إنجلترا: وجهة نظر دينية »، في 6 فبراير 2008، والتي اقترح فيها تبنيّ بعض أجزاء الشريعة الإسلاميّة في بريطانيا، الأمر الذي أثار، كما كان متوقّعاً، حفيظة قادة الأحزاب السياسية في بريطانيا وهم المتقوقعون داخل عقليّة التفوّق الأوروبي، الذين عبّروا، كما الإعلاميين والسياسيين، عن رفضهم لتأكيدات وليامز بأن إدخال بعض الأوجه من الشريعة الإسلاميّة هو أمر لا مفرّ منه، (جريدة الصندي تايمز البريطانية، 8 فبراير)، وتواصلت بعد ذلك أصداء محاضرة وليامز في أرجاء أوروبا، متناولين ما قاله وليامز بالنقد والتجريح، ومعبّرين في الغالب عن جهلهم بالإسلام والمسلمين، مع أنّهم يتحدّثون وكأنهم العارفون بالإسلام والمسلمين، وهذا أخطر ما في الأمر. لا أجد عبارة لوصف حالة السياسيين والإعلاميين، الذين زمجروا بكراهيتهم وأطلقوا صفارات الخطر، حول ما قاله وليامز، أفضل مما كتبه سيوماس ميلين في جريدة الويكلي غارديان البريطانية (14 فبراير)، حين قال: "إن ردة الفعل الإعلامية السياسية لما قاله روان وليامز كانت هيستيرية وبشعة، من تصريح جريدة الصن بأن وليامز قد سلّم القاعدة نصراً"، إلى إدعاء جريدة الأكسبرس بأن وليامز قد" استسلم للمتطرفين"، وبينما كانت هذه العاصفة ضدّ روان وليامز في أوجها، أصدر رئيس الوزراء البريطاني أمراً بمنع الشيخ يوسف القرضاوي من الدخول إلى بريطانيا، وكانت الذريعة دعمه للتفجيرات الانتحارية، مع أنه زار بريطانيا عدة مرات سابقاً. كما كان أحد ردود الفعل، هو إصرار العديد من الجرائد الدانماركية على إعادة نشر الرسوم التي تحاول أن تسيء للرسول «العربيّ» محمد (صلى الله عليه وسلم)، حتى من قِبَل بعض الجرائد التي انتقدت هذه الرسومات من قبل، والذريعة، هذه المرّة، الإدعاء بأنّ شخصاً مغربيّاً ورفاقه كانوا "ينوون" مهاجمة كورت فيستر جارد، احتجاجاً على نشره الرسم الكاريكاتوري السيئ الذكر. تواكب ذلك مع الصراع في مدينة أكسفورد البريطانيّة المعروفة بجامعاتها العريقة لأن المسلمين أرادوا رفع أذان الصلاة من جامع في المدينة، ورداً على هذا الطلب قال آلاتشايمان، باحث في التاريخ يعمل بجامعة أوكسفورد، وأحد السكان المحليين، الذي وصف نفسه بأنه مسيحي يمارس الشعائر الدينية لرويترز: " نحن غاضبون جداً لأنهم يتجرأون على فرض هذا الأمر على مجتمع غير مسلم"، وأضاف: "نعتبر ذلك محاولة لفرض الإسلام على مجتمع ثقافته مسيحية"، ومع ذلك لدينا من المثقفين من يدّعي بأن المجتمعات الأوروبيّة قائمة على حريّة المعتقد والرأي والدين إلخ. ولم أظن يوماً، ونحن الذين نعيش في الشرق الأوسط، وفي المجتمعات الإسلاميّة عموماً، حيثُ لم يرَ أي منها في تعانق أجراس الكنائس مع صوت المؤذن الرخيم أي تعارض مع دينه، لم أكن أظن يوماً أن المسيحيّ البريطانيّ، الذي يمارس الشعائر الدينية، في مجتمع يدّعي الحريّة الدينيّة "يجرؤ" على حرمان مواطنه المسلم الذي يريد أن يفعل الشيء ذاته، أي أن يمارس شعائره الدينية. ألا يذكّرنا هذا بالرئيس الفرنسيّ السابق، جاك شيراك، الذي فرض على التلميذات المسلمات في المدارس الفرنسيّة عدم ارتداء الحجاب مع احتفاظه بالإدّعاء حول وجود حريّة دينيّة في فرنسا؟ وفي التوقيت ذاته، اعتمد إقليم كارنيثيا في النمسا، الذي يديره المتشدد يورغ هايدر، قانوناً يحظر فعلياً بناء المساجد فيه، وصرّح هايدر للتلفزيون النمساوي متفاخراً بتعصّبه: "نحن حقاً رواد في هذا، ولا يسعني إلا أن أوصي الجميع بالتحلّي بالشجاعة للوقوف بشكل فعّال في مواجهة هذه الأسلمة التي تزحف إلى أوروبا، وتمثل ثقافة مختلفة تماماً"! أيّ حريّة دينيّة، أو علمانيّة، أو حقوق متساويّة للمواطنين يتكلمون عنها في أوروبا!
إذاً هذا هو الخطر الذي يخشونه هؤلاء المتطرفون المنغلقون على "مسيحيتهم": أسلمة أوروبا، أي محاولة بعض المسلمين الأوربيين ممارسة شعائرهم الدينيّة وحسب! تعبير "الأسلمة" ظهر في مجلّة إسرائيليّة اسمها Front Page Magazine والمقالة بعنوان The Islamification of Europe " أسلمة أوروبا"، حيث أجرت مقابلة مع بات ياؤور، التي تعتقد "أن أي تعايش مع المسلمين، أو استجابة لرغباتهم في أوروبا، سوف يضع حريّة الأوروبيين في خطر" واعتبرت أن "التودّد إلى المسلمين أو التقارب معهم في أوروبا هو سياسة انتحارية، وأن هذا يعني المهادنة على حرياتهم وأمنهم السياسي".
هذه المدرسة المنغلقة من التفكير المتسم بالتطرّف والعنصريّة، هي التي تنظر إلى المسلمين ك "خطر وتهديد وإرهابيين"، وهي التي تغذّي العنف والتعصّب ضدّهم في جميع أنحاء العالم، لأنهم يرون في المواجهة مع الإسلام والمسلمين "الحلّ" وليس التعايش معهم، أو تلبية حقوقهم في الحرية الدينية، والفكرية، والسياسية التي يسعون إليها. ومن هنا أيضاً، تنبع الأسس العنصريّة المتعصّبة لسياسة ازدواجية المعايير بين تلك التي تطبق على المسلمين، والأخرى التي تُطبّق على غيرهم. ولأذكر، على سبيل المثال لا الحصر، أن أكثر من 500 طفل فلسطيني قتلوا على يد القوات الإسرائيلية في الأعوام الأخيرة، ولم تذكر أي جريدة أجنبية أسماء، أو صور الأطفال الفلسطينيين، ولم يدن أحد مقتلهم، ولكن حين جرح طفلان إسرائيليان في سيدرويت، لم نجد صعوبة في إيجاد صورهم، والعنوان هو أن "الصراع في الشرق الأوسط بدأ يطال الأطفال"، مع أنه طال أطفال فلسطين منذ نصف قرن، وطال أطفال لبنان ثمّ العراق مؤخراً. فهل المقصود بالأطفال.. فقط أطفال إسرائيل "اليهود" والغرب "المسيحيّ" ؟ وهل المقصود بالحرية.. فقط حرية إسرائيل والغرب في سلب الفلسطينيين أرضهم وحريتهم، وسلب مليون عراقي حياتهم؟
كيف يقرأ الغرب تصريح الإسرائيليين؟ إنّ "العملية ضدّ غزة تقررت"، ونستيقظ في اليوم التالي لنجد القذائف الإسرائيلية تبيد أسرة بكاملها، وأفراداً من أسر أخرى، ونسمع أولمرت في برلين يعلن للملأ، أن إسرائيل "ستحارب حماس، وتحاور عباس". لقد أصبح من الخطر جداً أن يستمّر العالم في تكلّم لغتين، وفي وصف أحداث خطيرة أو تحركات هامة كتحرك رئيس أساقفة كانتيربري بلغة متزمّتة ومتعصّبة وعنصرية تعود للقرون الوسطى وما قبلها، وبتعابير صريحة عن كره باسم "المسيحيّة" للمسلمين ونظرة دونية لهم تذكّرنا بالحروب الصليبيّة الغابرة قبل ألف عام! وهنا أتفق تماماً مع سيموس ميلين في الويكلي غارديان البريطانية (14 فبراير) حين قال: "حين يدين السياسيون والجرائد مروجي الكراهية يبدو وكأنهم يتحدثون عن أنفسهم." وإلا هل يعقل في القرن الواحد والعشرين، أن يتحدث ناطق رسمي في دولة تدعي أنها تشنّ "حرباً على الإرهاب، بأن يصف عملية إرهابية بامتياز، بأن العالم سيصبح أفضل بعد تنفيذ هذه العملية". ولم ينزعج أحد من اعتبار يوسي ملمان، معلق الشؤون الأمنية في جريدة هآرتس الإسرائيلية، اعتبار "هذه العملية الإنجاز الاستخباري الأهم لإسرائيل في تاريخ محاربتها للإرهاب" واعتبر هذا الإنجاز يفوق أهمية اغتيال الدكتور فتحي الشقافي الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي، الذي اغتيل في مالطا 1995، أي أنّهم يعترفون بارتكابهم عمليات إرهابية شنيعة ولكنّها بالنسبة لهم "مبرّرة" لأنّ" الضحايا عرب، بل وتتعاون معهم المخابرات الأمريكيّة والأوروبيّة لتحقيق مثل هذا الإنجاز!
إسرائيل تتباهى بعملياتها الإرهابية، وتبث الحقد والكراهية ضدّ المسلمين في الغرب والشرق، وتجنّد من يروّج لكراهيتهم مبتدعةً مراكز أبحاث، وتدفع رواتب لسياسيين وإعلامييّن كي يروّجوا لكراهية العرب والمسلمين. إنَّ ما قاله بريجنسكي عن ضرورة مراجعة سياسة جديدة تجاه الشرق الأوسط، ينطبق على منطق الحرب على الإرهاب، والعلاقة بين الغرب والمسلمين. لقد احتضن المسلمون كلّ أتباع الأديان السماويّة الأخرى، وها هي الكنائس والجوامع تتعانق في شرقنا الأرقى والأفضل والأكثر تمدّناً، الذي يتهمونه بالإرهاب فمتى يصلون إلى مستوى التحضّر العربيّ الإسلاميّ باعتبار بيوت العبادة ذات مكانة واحدة لكلّ من يعبد الله، واستخدام لغة واحدة لوصف الإنسان وكرامته وحقوقه، وإذا لم يعمل الجميع على إحداث هذا التغيير بسرعة، فإن العالم قد يواجه أخطار جرائم بشعة تهدد بإغراق كلّ من على سفينة هذا الكوكب، ولذلك من واجب الجميع ومسؤولية الجميع الوقوف في وجه حملات الكراهية والتعصّب والعنصرية ضدّ المسلمين والعرب في الغرب والشرق.