منذ أيام توجهت وبعض زملائي لسجن قنا العمومي قاصدا زيارة بعض المعتقلين السياسيين من الزملاء والأصدقاء الذين تم إلقاء القبض عليهم في بيوتهم بتهم عديدة أبرزها التحريض على قتل متظاهرين! وسجن قنا العمومي الذي أنشئ في العام 1898م ،من أشهر السجون السياسية في البلاد وأكثرها تأمينا،وشهد اعتقال عشرات السياسيين المشاهير منذ العهد الملكي وحتى الآن عبر حكومات متعاقبة رحلت باستبدادها تجر خيبتها وبقي هؤلاء السياسيين رمزا للوطنية والصمود والثبات على المبدأ. بدت الساحة المواجهة لباب السجن وكأنها ساحة حرب تعج بالمدرعات وعربات الجيب والعربات المصفحة وأعداد غفيرة من جنود الجيش والشرطة المدججين بالسلاح والخوذات والدروع والصدور الواقية..كانت العربات المصفحة الكبيرة ترحل من أمام الباب وتحل عربات أخرى مكانها محملة بأعداد من المعتقلين السياسيين القادمين من أسوان وسوهاج وغيرهما تحت حراسة مشددة. ومع مطلع النهار تهل أعداد كبيرة من زوجات وآباء وإخوة المعتقلين، القادمين من مختلف محافظات الجنوب، بعد أن يقطعوا مئات الكيلومترات ، يصطحبون أطفالهم وما استطاعوا حمله من غذاء وشراب وقد افترشوا الأرض يعدون الساعات والدقائق منتظرين دورهم في الدخول ليخففوا عن ذويهم عناء الحبس، وما أن يأتي دور بعضهم حتى يلتقط أنفاسه مهرولا للدخول،وبعد تفتيش دقيق يصل داخل السجن ويتنفس الجمع الصعداء. روايات تسمعها من المعتقلين وذويهم فتجد نفسك مدفوعا للضحك مع ضحكاتهم التي لاتخلو من السخرية من الأوضاع المتردية التي وصلت إليها البلاد وكأن الشاعر العربي الفذ "أبوالطيب المتنبي" مازال يعيش عصرنا عندما قال: وكم ذا بمصر من المضحكات ..ولكنه ضحك كالبكا ورغم أن أغلب المعتقلين السياسيين في السجن الكبير من خيرة رجال وشباب مصر،فمنهم الأطباء والمهندسين والمحامين والمعلمين وأساتذة الجامعات وطلابها المتفوقين،وتم القبض عليهم إما في بيوتهم أو مواقع عملهم ،إلا أن التهم الموجهة إليهم لا تقل غرابة ومنها التحريض على قتل متظاهرين،مع أن المتظاهرين في هذه المحافظات يخرجون مطالبين بسقوط حكم العسكر،ورافضين للانقلاب العسكري ..والأغرب من هذا وجود عدد من المعتقلين من عوام الشعب من الذين لا دخل لهم بعالم السياسية ولكن تصادف وجودهم أثناء بعض المسيرات فتم القبض عليهم وأحدهم يعمل بمهنة السباكة ووجهت له تهمة قلب نظام الحكم ..وآخر يعمل ملمع أحذية وألقي القبض عليه في الشارع وهو يحمل صندوق الورنيش، ووجهت له نفس التهمة..قلب نظام الحكم،فأي نظام حكم هذا الذي سيقلبه سباك بمفتاحه ومفكاته ،وملمع أحذية بفرشاه وصندوقه؟! وتزيد الضحكات المبكيات مع صاحب أشهر حمار في عصرنا بعد حمار جحا القديم الشهير،فهذا الرجل البسيط الذي كتب اسم قائد الانقلاب الدموي على ظهر حماره والذي عرف باسم "حمار السيسي" فتم اعتقاله هو وحماره، ورحم الله الشاعر أبوالعلاء المعري القائل: يَسُوسُونَ الأُمُورَ بِغَيرِ عَقلِ.. وينفُذ أمرُهُم ويقال سَاسَة فأفِّ مِنَ الزّمَانِ وَأُفّ منّي.. وَمِن زَمَن رِياستُه خَسَاسَه ورغم أن أغلب المعتقلين السياسيين داخل سجن قنا تم القبض عليهم في بيوتهم أو مقار أعمالهم،إلا أنه يتم تجديد حبسهم لمدة خمسة عشر يوما بتهمة التحريض على قتل متظاهرين،و بلامحاكمات ،فالسيد وكيل النيابة الذي يأتيهم داخل السجن يجدد لهم تلقائيا وسأله بعضهم :وأين القتلى الذين حرضنا على قتلهم ؟..وأين أدوات الجريمة؟فيقف الرجل حائرا بلا إجابة ولسان حاله يقول: هكذا أخذت التعليمات فلا تسألوني كثيرا ! ورحم الله الإمام الشافعي القائل: قضاة الدهر قد ضلوا..فقد بانت خسارتهم فباعوا الدين بالدنيا..فما ربحت تجارتهم * عضو اتحاد كتاب مصر